&BENkO: Dieu Prédateur

المشكلات التي يواجهها علماء الآثار لا تنتهي، وتحديدا منها تلك المتعلقة &بالقطع الأثرية المنقوصة، التي يصعب وضعها داخل بنيتها الأثرية لتحديد طبيعتها وموقعها في لحظة تاريخية واضحة المعالم، وبمعنى معين ومحدد بدقة، وبالتالي فهمها وفك شفرتها، فالنقص الذي اعتراها كبير، وفعّال في جعلها بلا معنى. كذلك الأمر بالنسبة للأوراق والألواح المكتوبة التي أصابها التلف -أو أصاب جزءً منها- فتعقدت بسببه قراءتها ونقل مضمونها كاملا.. وهذا ما حصل بالضبط مع اللوح الذي اعتمدناه في سرد قصة الإله بِنكو في جزئها الأول، فاضطررنا للتوقف عندما تعسّر استمرار القراءة. لكن بالإصرار والبحث، ومُساعدة خبراءَ وفنيين محكّمين استطعنا قراءة الباقي، وكانت تتمّةً لتشويقٍ وإثارةٍ تضمنهما الجزء الأول، فكانت القصة في جزئها الثاني كالآتي:

(الفقرة التي توقفنا عندها ظلت مبتورة، استحالت معالجة تلفها)
«.. لم يكن مجمع الآلهة في الداخل بنفس الصورة التي تصل للخارج، تخصصات الآلهة ومجالات أُلوهيتهم متداخل جدا، والطقوس التي يفرضها كبير الآلهة تجعلهم في ضغط لا يتوقف، تصريف الضغط لا يكون إلا على حساب البشر، هم من يتحملونه دون سواهم. أكثر الآلهة جموحا وغطرسة طبعا هو رَمَيدُو، إله السجن تحت الأرض، ويده اليمنى التي يبطش بها ويصرِّف أحكامه القاسية على المخالفين والمتخاصمين من خلالها، هي أنصاف الآلهة -وهم كثير- واليد الأخرى بشر، البشر المحيطون به أغلبهم انتهازيون، غرضهم الأول والأخير نيل القربى من المُتَجبِّر، تجنبا لقسوته أو نيلا لامتياز ممكن، إن بحرص وتدبير أو بسذاجة وغفلة.&
حدث أن خرج يوما حشد من البشر في احتجاج كبير، ضاقوا ذرعا برَمَيدُو ويده الحديدية الغليظة، حتى لم يعد لهم حل سوى التوجه إلى جبل التَّوق، والجلوس عند العقرب الأخضر في انتظار بِنكو كبير الآلهة، هو الوحيد الذي يملك مفتاح كل حل، يريد -وبقصد- أن يكون كذلك، يريد أن ينتهي كل شيء عنده، بين يديه، لكنه يصر على إعلان غضبه من الجميع، ويُظهر أمره الحاسم بأن يقود كلُّ إلهٍ عالمه بيدٍ من حديد، وباستقلال تام. رَمَيدُو استشاط غضبا، هو يعلم أن بِنكو يرفض أن يُضعِف البشر إلهاً، ويكره أيضا أن يجد نفسه –وهو كبير الآلهة- وجها لوجه أمام البشر، ويقول كلما وُضع في موقف كهذا: &ليس لهم أن يقتربوا من العقرب، اقترابهم يعني حضوري وتعميم رحمتي، ليس لي أن أفعل هذا، الرحمة بوقت وأجل، وقد أغدقت ما يكفي ويزيد... البشر يدركون قوله هذا جيدا، ويدركون أيضا أن يد بِنكو، إذا رفض التدخل، ستكون في صالح رَمَيدُو (المشتكى به) سيستعملها وتيرةً وانتقاماً، إنهم يغامرون، ولن يكون حالهم إذا حصل هذا سوى انتقال من ضيم إلى ضيم ، ليس شيئا جديدا إذن، وهذا ما جعلهم أكثر إصرارا على انتظاره، لا مجال للتراجع. أما إذا حكم ضدهم فسيكون هلاكهم، وهذا ما يخشونه فعلا. بعد حين اكفهرت السماء، غيوم كثيفة سوداء، لا تتسلل منها زُقة ولا بياض.. حضر بنكو، وعلى عجلٍ حضر أيضا رَمَيدُو ومعه جاء خَلِفيو إله المراسلات (استعمال التقنيات المتقدمة مكن من التدقيق أكثر في المكتوب، فكان تصحيح الاسم الذي ورد في الجزء الأول خافيو والصواب هو خَلِفيو) التفت البشر إلى بعضهم البعض، من سيطرح المشكل أمام كبير الآلهة، لم يجرؤ أحد، وفجأة خرج وبصورة غير معهودة نصف إله، إنه هِينيُو، المحسوب على يد رَمَيدُو اليمنى، تكلم باسم البشر وانتصر لقضيتهم. الحدث نزل على إله السجن تحت الأرض كالصاعقة، التفت إلى كبير الآلهة يستقصي ردة فعله، تقاسيم وجهه تحكي غضبه الشديد، هو غاضب من هِينيُو بالتأكيد، أنصاف الآلهة قريبون من المجمع المقدس بعيدون تماما عن البشر. تلقى رَمَيدُو إشارة منتظرة من بِنكو، هِينيُو سيتحمل الوزر كاملا، نصف إله إما أن يصل بإخلاصه لبِنكو إلى الصورة الكاملة فيلتحق بالمجمع المُعظّم أو أن ينحدر إلى ما أسفل من البشر. أغدق كبير الآلهة شيئا من رحمته على البشر وصرفهم، إحساس البشر بالرحمة كان ضعيفا، أسعدتهم وقفة هِينيُو، لكنهم حزنوا لما سيتعرض له، قريبا سيحرم الامتياز الألوهي وسيصبح منهم، بل أقل. صيغة الحرمان وكيفيته هي موضوع السؤال، رَمَيدُو هو من يتكفل بالأمر، وخلِفيو هو من سيعلنه. الكل ينتظر، لم يتأخر الخبر، بين البحر والوادي، في الساحة الكبرى سيُصدر رَمَيدُو حكمه على هِينيُو مساء اليوم الموالي، هذا ما نقله خلِفيو للجمع من الحضور. في الموعد كان الجميع في المكان المحدد، هِينيُو جالس على الأرض، وفوق صخرة بالقرب منه انتصب رَمَيدُو، وبدون مقدمات ضرب على الأرض بصولجانه فابتلعت نصف الإله، أصاب الجميع الهلع والذهول، أَمر الإله الجميع بالانصراف، هكذا بسرعة، فانتهى كل شيء، استداروا راجعين، أمامهم تشكل مرتفع صغير فوق الأرض، وكأنها تريد أن تلفظ شيئا، لم يكن هذا الشيء سوى هِينيُو، صورته بشعة مقرفة، مثل عجوز شمطاء وقف، تحرك ببطء شديد وبصعوبة، همس بألم: لم ينل مني رَمَيدُو ، بل هو بِنكو، بِنكو من افترسني كما يفعل معكم ومع الجميع دائما، بعد همساته هاته لم يُسمع منه شيء.. صمت إلى الأبد، وظل البشر تحت رحمة رَمَيدُو كما كانوا، في الظاهر لم ينلهم عقاب، لكن على الحقيقة تمكنت منهم يد إله السجن تحت الأرض أكثر.
خَلفيو.. كم هو غامض هذا الإله، خرجاته لا تقنع أحدا، تخصصه الألوهي واضح، إلا أن تمكنه منه محدود، كثيرا ما تردد هذا الانطباع، خرجاته تقابَل في العادة باستخفافٍ كبير من البشر، هو يدرك هذا جيدا، لكنه لا يبدي انزعاجا، حتى وإن أحسه، لا يقوى على فعل شيء بدون إذن من بِنكو، بِنكو من ارتقى به وألحقه بمجمع الآلهة، وهو من يملك أمره، يدفعه لملء فراغات يتركها الآلهة الآخرون، بتمكن أو بغير تمكن، يستعمله بِنكو كثيرا، يضرب به كل تمرد أو اضطراب، يضعه في الواجهة. كثيراً ما ينفعل ولا يحسن التعامل مع ما هو فيه، يصرخ في غير وقت الصراخ، يراوغ دون داعٍ للمراوغة، يضرب فيستفز من حوله، يُشعِل محيطَ وجوده بدون سبب. كل هذا دليل على أنه هو نفسه غير مقتنع بدوره في المجمع، لكنه يعلن العكس فيسقط في دائرة العجز والضعف. أبرز ما أوقع خلفيو في العجز عندما تكفل بصد احتجاج على قرار ألوهي غير مفهوم، وغير معلن عنه كما جرت العادة. قرار يمنع فتيان البشر من الاستقرار في شغل واحد، أُعلن القرار في غير وقته، ولم يصدر عن إله الشغل والأعمال الشاقة كما يُفترض، بِخِمتو، الأخير في عجز دائم منذ مدة، لم يشأ بِنكو استبداله، والسبب كما يذكر الجميع، مواجهته لبِنكو يوم عَلم بخيانة زوجته إلهة السماء معه، لم تستمر المواجهة طويلا ضربه بِنكو بذيله المترامي، ضربه في كل أجزاء بدنه، أفقده الوعي، وعندما استيقظ كان كل شيء قد ضاع، تركه بِنكو على حاله، كما هو، عقاب مُرسل لا ينقضي. خلِفيو في مواجهة مشكل خارج حدود صلاحياته، يَنسب باستمرار قرار اتخاذه للمجمع كله، وهذا غير مفهوم تماما. كثيرا ما لجأ للعنف للهروب من الحرج، وقوعه في الحرج أمام البشر يجعله مغضوبا عليه، ومصيره سيكون كمصير هِينيُو وربما أسوأ، يقاوم كثيرا نهاية كهاته. كثيرا ما وصفه الفتيان –فتيان البشر- بالتبجح، لكنه حريص جدا على إرضاء بِنكو مهما حصل، حبا وإخلاصاً، وخوفا من شرٍّ قد يلحقه، إنه يعلم جيدا أنه تحت رحمة بِنكو، الإله المفترس.»
هذا كل ما تضمنه اللوح الذي وُجد تحت وسادة المتسول، ربما تظهر في المستقبل ألواحٌ أخرى تكشف أكثر المضمون المعقد لأساطير غرب المتوسط.
أحتاج في الأخير أن أذكر أن أسطورة بِنكو محض عمل تخييلي، حتى لا ينزعج أحد ويُحمِّل هذا العمل ما لا يحتمل، فقصتها قد تنطبق على شخصيات نصادفها بيننا كثيرا، لكن هذا سيكون من باب الصدفة.&
&