صدرت في بحر الإسبوع الماضي الرواية الجديدة للكاتب البيروفي الحاصل على جائزة نوبل، والتي تحمل عنوان "الزوايا الخمس".
&
يقول ماريو فارغاس يوسا (أريكيبا، بيرو، 1936)، أن "الزوايا الخمس" رواية إرتجالية، كانت مركونة في الذهن قبل الشروع في كتابتها. وفي هذه المرة، كانت مجرد فكرة: الكشف عن إستخدام ألبرتو فوجيموري والرجل القوي في فترة حكمه الديكتاتوري، فلاديمير مونتيسينوس، الصحافة وسيلة لتهديد خصومهم. يروي الكاتب قائلاً "كانا يعتمدان على أخبار الفضائح التي غالباً ما كان مونتيسينوس يضع العناوين الرئيسية لها بنفسه في منشورات علنية".&كانت صحيفة "الباييس" الإسبانية أجرت الإسبوع الماضي لقاءاً مع ماريو فارغاس يوسا ، بمناسبة صدور روايته الجديدة، ننقل منه أبرز ما جاء فيه.
&
تبدأ رواية "الزوايا الخمس" بمشهدٍ إيروتيكي يشكل جزءاً هاماً في الرواية. هل بإمكان هكذا مشهد أن يثير القارئ؟
إذا لم يكن بمقدور رواية، تلعب اللغة الإيروتيكية دوراً حاسماً فيها، أن تثير القارئ، معنى ذلك أنها رواية فاشلة. أن وظيفة رواية ما تكمن في إنتشال الواحد منا من واقعه وزجّه في أحداث الكتاب.
&
هل يعيش الكاتب أيضاً هذه الإثارة، أم يكون منهمكاً بتكنيك الكتابة؟
يا رجل، بالتأكيد، لا بد أن يشعر ببعض الشهوة الجنسية، والتي تعدّ حافزاً أثناء الكتابة. في ذات الوقت، إذا لم تنتابك حالة من الإكتئاب وأنت تصف مشاهد مروعة، فلا أعتقد أنك تكون في المزاج المطلوب لبلوغ ما تبتغيه. يعيش الكاتب جميع التجارب التي يكتب عنها ويصفها،وقد يتحول إلى مجرم، وضحية، وعاشق. وكذلك، المفروض أن يتمتع الكاتب بقدرة فكرية هائلة &لأن اللغة تعد الوسيلة التي عليك توظيفها عن وعي. لا يمكنك كتابة رواية جيدة مطلقاً &عن طريق الإنفعال البحت، أو دون أن تحس بالتعايش مع أحداثها.
&
ما هي الحدود التي تفصل بين الإباحية والإيروتيكية؟&
من الناحية النوعية، تحديداً. الإباحية هي إثارة جنسية مكتوبة بلغة رديئة.
&
يعدُّ إنتهاك الحياة الخاصة خلال ديكتاتورية فوجيموري أبرز موضوعات الرواية. هل كانت الأمور كذلك في الواقع؟
المشهد الأول من الرواية، بصورة خاصة، يحاول إستعادة أجواء الديكتاتورية. إذا لم تكن الحكومة أعلنت حظر التجول، ربما تلك السيدتين كانتا غيرتا رأيهما في أن تمضيا تلك الليلة معاً. ولو لا تلك الأجواء المخيفة، لما برز الجنس كملاذ للهروب من حالات التوتر التي كانت أصابت الجميع. لقد أجبر حظر التجول &الناس على حبسهم لساعاتٍ طوال في منازلهمن، بحيث ترك ذلك أثره على عادات وتقاليد الأفراد، وإذا كانوا يجتمعون وقت العشاء فقط، لم يكن لديهم أي خيار، سوى قضاء ليلة كاملة معاً. كان التوتر وعدم الأمان يسود كل مكان، بسبب الإرهاب ومكافحة الإرهاب، وإنتشار الجريمة. كنت لا تعرف من ذا الذي سيقتلك. هكذا مناخ يزيد من التوتر، بما في ذلك العلاقات الجنسية.
&
&
تقول في الجانب السياسي من مذكراتك "السمكة في الماء"، أن مونتيسينوس كان شخصية روائية. واليوم نراه متجسداً في روايتك. لم تخش من ذلك الذي كان حقيقة في الحياة، ويبدو غير قابل للتصديق في كتاب؟ هل كان شريراً إلى هذا الحد؟
هنالك شخصيات تتسم بالوحشية المطلقة، ولا تظهر على هذا النحو إلاّ في ظروفٍ معينة: الشخصيات الديكتاتورية، على سبيل المثال. عندما كنت طالباً، أتذكر أنني رأيت إسبارزا زانيارتو شخصياً، ذلك الرجل القوي التابع للديكتاتور الجنرال أورديّا. كانت لديه قوة هائلة، وقد أدهشني جهل الرجل. إذ لم يكن قادراً على التعبير عن نفسه، ومن الواضح جداً أنه لم يكن متعلماً.
&
أليست مثل هذه الشخصية بمثابة معضلة، أم أنها هبة بالنسبة للكاتب؟
أنها تشكل حافزاً للكاتب، لأن الأشرار يعتبرون شخصيات أكثر جاذبية من الناس الطيبين. لا يمكن أن ننسى الأشرار، وأما بالنسبة للطيبين فلا نتذكر عنهم شيئاً. ربما لأن الرواية، كما يقول باطاي، هي التعبير عن الشر. أن كل ما ليس مقبولاً في الحياة الواقعية يتجسد في الرواية. أنها وسيلتنا للتعبير عن ما في دواخلنا من الشر والأعمال الشيطانية.
&
هل صادف وتعرّفت على مونتيسينوس؟ & & & &&
شخصياً، كلا. كان من المستحيل أن لا يكون معروفاً. لقد بلغ به الأمر إلى أن تتوسع سلطاته، مما أخاف فوكيموري ذاته. كان يقوم بتسجيل جميع حالات الفساد التي كانت تسود بين الصحفيين، ورجال الأعمال، والسياسيين. &وقام بتسجيل إتصالات فوجيموري أيضاً.&
&
هل كنت تخشاه؟
عملت الحملة الإنتخابية على تهدئة ذلك الخوف. كانت تلك من أكثر الأشهر عنفاً وبشاعة، وأصبحت نموذجاً لكيفية إعتياد الناس على الكثير من الأمور آنذاك. خلال السنوات التي ظهرت فيها منظمة "الدرب المضئ"، تم إغتيال نحو 70.000 ألف شخص، وهذه نسبة عالية فيما يتعلق بدولة عدد سكانها لا يتجاوز 25,26 مليون نسمة. في نهاية المطاف، كان الناس يتسلون، يواصلون حياتهم، ويعتادون على حياة الرعب.
&
وقال فوجيموري سنوفر الأمان بدل الحرية.
كانت تلك ذريعة، لكن عنف الدولة كان شنيعاً، كما الإرهاب.&
&
هل الغاية تبرر الوسيلة؟
هذا يعني صناعة كرة ثلجية يكبر حجمها شيئاً فشيئاً، وتؤدي في النهاية &إلى العنف الذي يجرف معه كل من يصادفه في طريقه. يجب الدفاع عن الديمقراطية، ولكن من الضروري أن يبقى ذلك في حدود القانون. وإذا لم يكن كذلك، سيتغلب الإرهاب لأنه سوف يفرض شروطه: القتل، والتعذيب.
&
كيف نفذت بجلدك منهم؟
ما أنقذنا هو أن تعصب "الدرب المضئ" تولّد عنه رد فعل بين الفلاحين، الضحايا الرئيسيين للعنف. تلك كانت نقطة حاسمة، وليس العنف الوحشي، والحرب القذرة التي شنتها الحكومة.
&
بالإضافة إلى العنف، تتحدث الرواية عن إستخدام الحياة الخاصة كسلاح فتّاك. أين تبدأ الحياة الخاصة لشخصية عامة؟
إذا أُلغي الحق في الخصوصية، سوف تتحطم واحدة من القيم الأساسية والتي تحافظ على بقاء القيم الأخرى. سيؤدي إلغاء الحياة الخاصة إلى العودة للهمجية. يمكن تعريف الحضارة بأشكالٍ كثيرة، ولكن الأكثر وضوحاً هو العناية بالأشكال. ومن المنطقي أن شخصية عامة، لا سيما السياسية، عليها أن تقبل ببعض الرقابة على سلوكها، ولكن بلغ الأمر إلى التمادي في ممارسة هذه الرقابة وبطريقة تعسفية. وبسبب من الإنحراف، إلتبس معنى حرية الصحافة.
&
الصحافة الصفراء؟
ما زالت هناك صحافة جادة، لكن في كل مرّة يزداد صوتها خفوتا. من السمات الأساسية لثقافة عصرنا أن الترفيه غدت من القيم الغالبة على الآخرين. وقد إنتقل ذلك إلى الصحافة أيضاً. وأصبحت تميل شيئاً فشيئاً إلى تحويل المعلومات الإخبارية إلى وسائل للتسلية. إذ لم يعد بمقدور الصحافة الجادة الإستغناء عن بعض الأخبار الفضائحية، لأنها ستخسر قرائها.&
&
كنت على علم بأن الصفحات التي كتبتها عن الصحافة ستُقرأ ضمن أجواء علاقتك بإيزابيل بريسيلر؟ هل تركت هذه العلاقة تأثيرها عليك أثناء الكتابة؟
عندما كتبت الأحداث الأخيرة كنت أعاني من تأثير الصحافة الصفراء. ربما أثّرت فيّ من دون وعي. لم أفكر أبداً أن أكون متورطاً في فضيحة إخبارية من هذا الحجم. وفي الوقت نفسه، كانت تجربة غنية جداً لكتابة هذا الجزء من الرواية.
&
ولكن كنت دائماً شخصية عامة.
لكن هناك درجات. لم أكن أبداً قد تعاطيت مع صحافة المجلات الإجتماعية. كانت التجربة بمثابة إكتشاف عالم إعتقدته صغيراً، غير أنه عالم بحجم كبير يتعامل بأموالٍ طائلة. وليس من قبيل الصدفة أن يكون هناك مصورين يقضون ساعات
في إنتظار شخصياتٍ معينة لمفاجأتها. يقف المرء مندهشاً حيال ذلك لأن الأمر، مع المشاكل الموجودة في العالم، يبدو وكأنه لعبة.&
&
هل تعتقد أن الناس يقرأون الآن بطريقة مختلفة؟ &
ينطلق الناس من إفتراض أن جائزة نوبل تعني نهاية الكاتب، وبأنه سيغدو بعدها جثة هامدة. لا يأخذونه على محمل الجد. لكن إذا إجتهد الواحد منا، يمكن الإستمرار في البقاء حياً حتى بعد الحصول على هذه الجائزة.
&
& قريباً ستمكل عامك الثمانين. هل لا تزال تضع "الخطة الخمسية" خاصتك؟
بلى، لكن لست متأكداً فيما إذا كنت قادراً على إنجازها.
&
هل يمكن أن نطلع على بعضها؟
لدي عملٍ مسرحي يشغل بالي كثيراً. ومشروع آخر بدأت به منذ فترة. وهناك أيضاً كتاب أعجبني جداً: إلى محطة فنلندا (للناقد الأدبي والإجتماعي الأمريكي إدموند ولسن). وهو عبارة عن دراسة جميلة، حيث تتحول الأفكار إلى شخصيات. وأودّ أن أستعين بهذا الكتاب كنموذج، لكن عن المفكرين الليبراليين. بدءاً من آدم سميث، وأن أروي كيف أن فكرة الحرية الإقتصادية تفتح الطريق نحو حرية تشكل نقطة أساسية لبقية الحريات، وبالعكس، بحيث تعتمد على توفر بقية الحريات. أنه مشروع طويل الأجل، ولكن أود أن أتمكن من إنجازه. لا تنقصني المشاريع، ما أحتاجه إليه هو الوقت. &
&