&

مر أربعون عاما على وفاة الكاتب الفرنسي أندريه مالرو لكنه ما يزال يثير الإعجاب والإهتمام والاستغراب بأسلوبه الواعي لقدرة الإنسان على مقارعة القدر ومواجهة الظلم والإنتفاض على القمع والإضطهاد. وبهذه المناسبة خصصت مكتبة البلياد الفرنسية مجلدا خاصا به يتضمن عددا من أعماله المهمة وهدفه إطلاع المهتمين على ألمعية هذا الكاتب وتفرده الأدبي وهو الذي خاض غمار أنماط أدبية عديدة وأبدع فيها مثل البحوث والدراسات والرواية والفنون (السينما والرسم والنحت والأدب) وكان أيضا فيلسوفا عميق الفكر وخطيبا بارعا وناشطا سياسيا من أصحاب المواقف التي لا تُنسى. &
شغل مالرو منصب وزير الثقافة في زمن الجنرال شارل ديغول وترك وراءه عددا كبيرا من الكتب والمؤلفات والنصوص الأدبية والروايات وتميز بعدم تكرار نفسه أو أسلوبه الأدبي في الكتابة حتى أن البعض لا يصدق أن من كتب "المملكة الغريبة" هو نفسه من كتب "الوضع البشري" أو "الأمل".&
سبق لمجموعة البلياد أن نشرت مجمل أعماله كاملة قبل فترة طويلة في ستة مجلدات ضخمة وهدف المجلد الحالي يأتي لمناسبة مرور أربعة عقود على وفاته (في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1976) يهدف إلى إثارة اهتمام جديد بشخصه وبنتاجاته وبحياته التي كانت مليئة بالنشاطات بمختلف أنواعها.&
ويقول أستاذ الأدب هنري غودار الذي كتب مقدمة هذه الطبعة الخاصة "أيا كان النمط الأدبي الذي مارسه مالرو، كان اهتمامه الأساسي ينصب على الوضع الإنساني". ويتضمن المجلد "المملكة الغريبة" 1928 ورواية "الوضع البشري" 1933 وربما سيحمل المجلد هذا العنوان نفسه حسب قول غودار. ونقرأ في المجلد أيضا "أشجار الجوز في ألتنبورك" و"مرآة اليمبوس" وأعمالا أخرى منها فصل من "المثلث الأسود" و "تحليل لسيكولوجيا السينما و "صورة غويا" إضافة إلى خطابه الشهير الذي ألقاه عند نقل رماد جون مولان (أحد رموز المقاومة الفرنسية للإحتلال النازي) إلى مقبرة العظماء (البانثيون) في عام 1964 والذي يعتبر واحدا من أهم الخطابات في تاريخ فرنسا، ثم خطابه في جامعة السوربون خلال الجلسة الإفتتاحية لمنظمة اليونسكو في عام 1946 وكلها تعطي فكرة واضحة عن مسيرة الكاتب وعطائه وقدراته على الخلق والإبداع.&

حياته
ولد مالرو في باريس في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1901 وتوفي في الثالث من الشهر نفسه من عام 1976 وهو من أسرة برجوازية مفلسة، انفصل أبواه وهو صغير فربته والدته وجدته وخالته اعتمادا على محل بقالة صغير كن يملكنه. لم يبد مالرو اهتماما بالدراسة في صغره ولكنه كان محبا للفنون ومغرما بالأدب وبالقراءة ثم ما لبث أن اعتمد في تحقيق دخل على إعادة نشر كتب ونصوص منسية لكتاب من القرن التاسع عشر كان يكتب مقدمات لها أو يعلق عليها.&
بدأ نشاطه الأدبي بمقالات أدبية في عام 1920 ثم نشر أولى أعماله القصصية "أقمار من ورق" وتزوج بكلارا غولدشميت وعاش معها مغامرة حياتية وفكرية وفنية واجتماعية واسعة حيث وسعا اطلاعهما على عالم الفنون والآداب في فرنسا ومناطق أخرى ثم غادرا معا في عام 1923 إلى لاووس. وهناك ألقت السلطات القبض عليه بتهمة تهريب آثار وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات ثم خرج من سجنه بعد فترة وجيزة بفضل حملة شنها أدباء فرنسيون لصالحه ومنهم أندريه جيد وأندريه بروتون وفرانسوا مورياك ولوي آراغون وغيرهم. ولكن الكاتب سرعان ما عاد إلى المنطقة من جديد وتوجه إلى سايغون حيث أصدر صحيفة مناهضة للإستعمار الفرنسي وكانت له نشاطات سياسية أخرى هناك ساهمت في إغناء تجربته وتوسيع آفاقه وهو ما ظهر واضحا في أعماله التي أعقبت هذا التاريخ إذ عاد إلى باريس في نهاية 1925 ونشر "إغراء الغرب" في عام 1926 ثم "المملكة الغريبة" في العام نفسه.&
وفي عام 1928 أصدر روايته الحقيقية الأولى "الفاتحون" التي فتحت له أبواب الشهرة على مصراعيها وحصل بها على جائزة أنترالييه ثم ما لبث أن أصدر في عام 1930 رواية "الطريق الملكي".&
ولكن أفضل أعماله على الإطلاق صدر في عام 1933 وهي الوضع البشري وحصل بها على جائزة غونكور. وكان مالرو ناشطا سياسيا أيضا حيث انتسب إلى اللجنة العالمية المناهضة للفاشية والهيئة الدولية لمناهضة العداء للسامية وشارك في الحرب الأهلية الإسبانية وأصيب فيها ثم صاغ تجاربه في كتبه اللاحقة ومنها "الأمل" الصادر في عام 1937. وشارك مالرو في الحرب العالمية الثانية ثم في المقاومة الفرنسية ضد الإحتلال النازي واعتقله الألمان في عام 1944. وفي عام 1945 التقى الجنرال شارل ديغول فقامت بينهما صداقة وثيقة ثم نشط سياسيا في حركة التجمع من أجل فرنسا وتسلم مناصب عدة في الحكومة الفرنسية ومنها وزير الثقافة حتى عام 1969 حيث اعتزل السياسة وتفرغ للكتابة لحين وفاته.