العراقيون والغجر.. أصدقاء في الليل وأعداء في النهار

عدنان ابو زيد: يطلق العراقيون على أقوام الغجر التي تسكن العراق تسمية (كاولية )، وهذه الكلمة ترتبط في ذهن وسلوك العراقي بالرقص والغناء والبغاء. وفي غالب الاحيان يرحل العراقي الباحث عن اللذة الجنسية الى اماكن تواجد الكاولية او( النور ) كما يطلق عليهم ايضا، بخفية وسرية عجيبتين خوفا من الفضيحة، ذلك ان الغجر غالبا مايعيشون في تجمعات سكانية على مقربة من المدن الكبيرة،وهم بذلك يوفرون فرصة كبيرة للعراقي المكبوت جنسيا لان يشبع حاجته الجنسية بعيدا عن المشاكل.
وفي السنين الثلاث الاخيرة، اصبح الذهاب الى الكاولية مجازفة كبرى، فالميليشيات الدينية تقف بالمرصاد لذلك. وقد منعت ميليشيات جيش المهدي في الديوانية كل الذين بقصدون تجمعات الغجر جنوب المدينة في منطقة ( الفوار ).

فتيات الغجر

والغجر كانوا قوم رحلا حتى اواخر السبعينات، حتى منحتم الدولة العراقية الجنسية أوائل الثمانينات. وقد شاركوا بصورة ايجابية في المجتمع العراقي وكانوا يمثلون حلقة مهمة في حياة العراقي العاشق للطرب و الكيف، فهو غالبا مايقضي لياليه الحمراء بين احضان فتيات الغجر مقابل مبلغ من المال.


العراقي يحب (الونسة)

ولعل الامر ليس بغريب على العراقي الذي ان تركته على سجيته، غنى ورقص، فهو محب للحياة عاشق ( للونسة ) وهي رديف المتعة واللذة.
ولسنا بصدد الخوض عن أصل الغجر الذين يقول عنهم الدكتور مصطفى جواد أن اصل تسمية الكاولية متأتية من اسم مدينة كابل (عاصمة أفغانستان) أي أن اصلها (كابلي). ويرجع اصل الكاولية (الغجر) إلى الهند.
بينما يرى الباحث حميد الهاشمي أن هذه التسمية تنطبق على قبائل هندية كانت بعض نسائهم تمارس الزنى والرقص كخدمة دينية لرجال الدين وبالأجر إلى طالبي المتعة ومنهم ما كان في معبد الملك الكولي (كاول) وقد انتسبوا إلى الملك (كاول).


وكان غجر العراق قد توقف ترحالهم بعد استقرارهم في تجمعات سكنية متوزعة في أنحاء العراق، فهم متواجدون في منطقة أبو غريب غرب بغداد بحوالي 10 كم، والذي تسكنه قبيلة الزوبع المعروفة بتدينها وارتباطها بالحركة الإسلامية.

وحدث الامر ذاته في مدينة الديوانية حين اغلق الطريق المؤدي الى تجمعات الغجر في ( الفوار) من قبل جماعات مسلحة، لكن افراد من هذه الجماعات تتسلل خلسة الى مخادع النساء الغجريات ثم تقفل راجعة الى ثكناتها، وتقول ( لميا ) الغجرية أن احد أفراد هذه الميليشيا ت قد عرض عليها الزواج، شرط ان تلبس الحجاب وتؤدي الطقوس الدينية، فلم توافق على ذلك لانها تدر ك ان المجتمع قاسيا على المراة الغجرية ويمنع زواج ابنائه منهن.


صدام والغجر

وتعتبر فترة حكم الرئيس السابق صدام حسين فترة ازدهار ورخاء لاقوام الغجر ( الكاولية )، فهو الذي قام بتوطين الكاولية وصرف لهم الرواتب سعيا لمشاركة غجرية بناءة في المجتمع. وفي احد خطبة تناول صدام حسين مشاركتهم الايجابية في الحرب العراقية الايرانية وقال عنهم بانهم اشرف من بعض العرب.


الغجر بين السنة والشيعة

وقامت الحكومة العراقية السابقة بتوطينهم في مناطق شبه منعزلة في ابو غريب والموصل في قرية السحاجي وفي الكمالية في بغداد وديالي والديوانية والبصرة، ويقول ( أبو ذيبة ) لايلاف وهو لاجيء اليوم في هولندا أننا الغجر كنا نهيم على الارض في العراق وخارجه ومن قبيلة إلى أخرى حتى أقدم الرئيس العراقي السابق على توطيننا، بينما يتحدث أحمد الزوبعي من ان توطين الكاولية كان انتقاما من قبيلة الزوبع السنية التي كانت على علاقة غير جيدة مع السلطة العراقية وينحدر منها الرئيس الأسبق عبد السلام عارف.

اما عبد السادة الساكن في قرية عفك التي تبعد 30 كيلو مترا من تجمع الكاولية في الفوار فيقول ان السلطات السابقة رحلت الغجر من المناطق السنية الى المدن الشيعية لغرض افسادها، وهكذا لم تسلم قضية تهجير الغجر من استغلالها لاغراض سياسية وتاويل ماحدث لاغراض معينة.

لكن الغجر اليوم وبعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين في 9 إبريل 2003 يتعرضون لاعتداءات متواصلة من جانب بعض العشائر والفصائل الدينية التي ترغب في التخلص منهم وطردهم. فالعشار تعتبرهم رمزا للفساد ويقومون بممارسات غير مشروعة مثل الاتجار بنسائهم وبيع الخمور والسرقة.

وفي منطقة ابو غريب هوجم الغجر بالسلاح والقنابل واضطرت 136 أسرة غجرية الى الرحيل تاركة أموالها وبيوتها.

لكن سكان حي أبو غريب ينفون الامر برمته ويقولون ان رحيل الغجر كان تلقائيا لانهم شعروا بالخطر المحدق بهم فقد كانوا اداة طيعة بيد النظام السابق واستخدمتهم السلطة كجواسيس على المواطنين.


كبار المسؤولين بين أحضان الجميلات

وتقول الغجرية دنيا، ان الكثير من اركان الحكم السابق كانوا يقضون ليال حمراء هنا، ومنهم طه ياسين رمضان، وعلي حسن المجيد، وكنا نلبي دعوة عدنان خير الله وعدي وقصي للرقص في الحفلات التي كانوا يقيمونها، وكانوا كرماء معنا.
واليوم يزورنا الكثير من المسؤولين في الحكومة خلسة ويقضون ليال حمراء بين احضان الغجريات الجميلات. ونعرف انهم مسؤولون من أفراد الحماية الذين ياتون بصحبتهم.

واليوم فان الميليشيات الدينية منعتنا وهددتنا بالرحيل، لقد كنا نشارك بصورة ايجابية في المجتمع وكنا نوفر لهم المتعة الجنسية والروحية. وكانت المشروبات الروحية التي نبيعها قد منعت الشباب من الوقوع في افة الادمان على المخدرات وحبوب الهلوسة والكوكائين، فالغجر مخلصون لعملهم ولايتعاملون بهذه الموادة المضرة.


الغجر يمتهنون المهن الوضيعة

وفي كل دول العالم فان الغجر يمتهنون المهن الوضيعة فهم اما باعة للجنس والكحول او متسولون وعند طرقهم للأبواب لا يطلبون سوى الطعام ويوصفون في كل المجتمعات باسوء الاوصاف في كل اللغات، و في لغتنا العربية هم الغجر، القرج، النور، الكاولية ونجد شبيها لذلك في كل اللغات.

وفي العراق فان المهنة الاولى للغجر اليوم هي الرقص وتوفير الملذات الجسدية لمن يريد الشراء. كما يعمل شبانهم بمهنة حدادي السكاكين ويتجولون في الأحياء والطرق وأما النسوة منهم فتجدهن متسولات وعرافات في الطرقات وأمام المدارس وعندما تتاح لهن الفرص يمارسن البغاء مقابل مبلغ زهيد،

الغجريات نجوم في التلفزيون العراقي

وعلى الرغم من العقبات التي وضعها ممثلون عراقيون في طريق صعود الغجريات على خشبة المسرح او الظهور في التلفزيون الا ان الفنانات الغجريات نجحن في ان يكونن نجوم لامعات في سماء الفن العراقي مثل المغنية الغجرية حمدية صالح وفرقتها، وهذه قدمت بدورها بنات الريف، أمثال سورية حسين وصبيحة ذياب وغزلان. وبرزت الراقصة الغجرية ملايين على خشبة المسرح العراقي ونجحت ايما نجاح. كما كان النجاح حليف هند طالب و صبيحة ذياب.

وبالرغم من أن العراقي ينظر الى هذه الفئة بعين الغمز فانه لايستطيع ان يتخلى عن دورها، واستطاع الفن الغجري ان يكسب اهتمام العراقيين ودخل الفن الغجري الاذاعة والتلفزيون بسبب الاهتمام الشعبي الكبير به وعلى وجه الخصوص في مناطق الريف العراقي، وكان العراقيون قبل ظهور التلفزيون يدعون الغجر لاحياء حفلات الزفاف أو مناسبات ختان أولادهم الذكور على الهواء الطلق حيث يقدمن الكاوليات الرقص والغناء لقاء مبلغ محدد.

ويبقى الغجري العراقي مواطنا له كل الحقوق والواجبات، وليس لاحد الحق في ان يمنعه عن ممارسة عاداته وتقاليده ويمتهن المهن التي يكسب منها قوته اليومي.


كاتب عراقي
[email protected]

التحقيق منشور في إيلاف دجتال يوم الاربعاء 20 ديسمبر 2006

انقر هنا لقراءة التحقيق ببرنامج بي دي أف