أسامة العيسة من بيت لحم: يحتفل أبناء طائفة الأحباش الأرثوذكس في فلسطين، بعيد الميلاد، على طريقتهم، في مبنى صغير يفصله عن كنيسة المهد، شارع صغير، عرضه اقل من ثلاثة أمتار، ولكنهم لا يحق لهم إقامة الاحتفال بعيد الميلاد داخل هذه الكنيسة المهمة للعالم المسيحي، التي تقتصر فيها الاحتفالات على الطوائف الرئيسية.

وتجمع في المبنى الذي يقع في بلدة بيت لحم القديمة، عشرات من الرجال والنساء، معظمهم يرتدي الألبسة البيضاء، لإقامة قداديس خاصة بمناسبة عيد الميلاد، وكان هؤلاء استقبلوا مطرانهم الذي وصل في موكب رسمي من القدس إلى مدينة بيت لحم، مركز الاحتفالات بعيد الميلاد، وقدموا أمامه عروضا مستوحاة من الفلكلور الأفريقي، تضمنت رقصات وقرع طبول كبيرة.
ولا يوجد لهذه الطائفة التي تعتبر غامضة نسبيا لكثير من الفلسطينيين، مكانا في كنيسة المهد، مثلما هو الحال لطائفة الروم الأرثوذكس، أو الأرمن الأرثوذكس، ولا يتضمن البرتوكول، السماح لمطران الأحباش الدخول إلى كنيسة المهد، كما يحدث مع مطراني الأقباط الأرثوذكس، والسريان الأرثوذكس.
ويتخذ بعض المسيحيين موقفا متشددا من هذه الطائفة، يصل إلى حد العداء، مثل الأقباط الأرثوذكس، الذين يتهمونهم بالسيطرة على دير السلطان فوق سطح كنيسة القيامة بالقدس، عام 1970، المملوك للأقباط، ومكنهم الدعم الإسرائيلي باستمرار السيطرة على هذا الدير، الذي هو في واقع الأمر عبارة عن غرف متداعية، لا يجرؤ أحد على ترميمها بسبب النزاع على المكان.
وفشل الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي وقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، في الحصول على مساعدتها لإعادة دير السلطان للأقباط، ويضع البابا شنودة، بابا الأقباط شرطا للسماح لأفراد رعيته زيارة إسرائيل، بإعادة دير السلطان إلى أصحابه الأقباط، ويفرض على من يزور القدس من اتباعه حرمانا دينيا.
وتدفق بمناسبة عيد الميلاد، وفقا للتقويم الشرقي، بضع عشرات من الأحباش إلى بيت لحم، للمشاركة في إحياء عيد الميلاد، وكثير منهم، كانوا يزورون مغارة الميلاد، داخل كنيسة المهد، ثم يخرجون، يلتمسون طريقهم إلى الكنيسة الخاصة بهم.


وكثير من هؤلاء يتحدثون اللغة العبرية، وهم، على الأغلب، ممن هاجروا إلى إسرائيل من أثيوبيا، بصفتهم من طائفة الفلاشا اليهودية، وتطرح مشاركتهم في قداديس مسيحية، أسئلة عن حقيقة هويتهم الدينية.
ورفض هؤلاء الحديث مع مراسلنا، وتجنبوا التقاط صور لهم، ومنهم رجالا ونساء من وقفوا خارج المكان الذي تجرى فيه الاحتفالات الدينية يراقبون، ويستقبلون زوار آخرين بحفاوة بالغة، وكأنهم يعرفونه منذ زمن بعيد، في فترة وجودهم في أثيوبيا.


وأقيمت القداديس في ثلاث غرفة مفتوحة على بعضها البعض، مبنية وفقا للعمارة المملوكية الإسلامية، مثلما هو حال البنايات القديمة المجاورة التي يسكنها المواطنون الفلسطينيون، ووقف الرجال في المقدمة، بينما خصصت الأقسام الخلفية للنساء، اللواتي ادن صلواتهن بأردية بيضاء تغطي كامل أجسادهن، شبيهة بالتي تلبسها فئات من المسلمات المتدينات.
وارتدى كثير من الرجال المصلين، خصوصا من كبار السن أيضا أردية بيضاء، وهم يرددوا الصلوات بلغتهم، وانشغل آخرون في المطبخ الملحق بالكنيسة بإعداد الطعام للمصلين، وكأنهم في احتفال عائلي.
ومع تقدم الليل تواصل توافد الأحباش، لحضور القداديس، واللقاء مع أفراد الطائفة، وفي ساعات الفجر، بداوا المغادرة، ويعتقد أن كثيرا منهم سيعود من حيث أتى إلى مناطق إسرائيلية، حيث يعيشون كيهود.
ويعتقد بعض الباحثين، بان الوجود الصغير لطائفة الأحباش الأرثوذكس في فلسطين، لا يتناسب، مع تواجدهم التاريخي في الأراضي المقدسة، ويشير مؤرخون إلى أن وجود الأحباش كرهبان وحجاج في فلسطين يرجع إلى القرون المسيحية الأولى.


ويقول حنا عيسى ملك، وهو مؤرخ للطوائف المسيحية في الأراضي المقدسة بان الأحباش quot;عاشوا في فلسطين كجماعات من الرهبان من العصر الصليبي، ولكن لم يكن لديهم أسقف وأقاموا صلواتهم إلى جانب الطوائف الأخرى في كنيسة القيامة والأماكن المقدسة الأخرىquot;.


ويشير ملك بأنه quot;كان للأباطرة الأحباش علاقة وثيقة مع رهبانهم في فلسطين، فمن خلال موقعهم بالقدس لعبوا دور الوسيط بين بلادهم وأوروبا، وبلغ أوج ازدهارهم في فلسطين في القرن الرابع عشرquot;.
وفي العصر العثماني، تعرض وجودهم إلى نكسة ما زالت مؤثرة حتى اليوم، ويقول ملك عن ذلك quot;في العصر العثماني فقدوا ممتلكاتهم في الأماكن المقدسة بسبب عجزهم تقديم المال والرشاوي للحكام الأتراك العثمانيين، وفي عام 1678 اختفى الأحباش كليا من الأماكن المقدسة ولم تساندهم حكومتهم لان العلاقات لم تكن حسنة بين الأحباش والعثمانيين، الذين ساندوا الأرمن واليونان في الأماكن المقدسة على حساب الأحباشquot;.


ويضيف quot;وفي القرن التاسع عشر قدر عددهم بعشرين راهبا وحاول الأحباش الاستنجاد بكل من القنصلية الروسية تارة وبالقنصلية البريطانية تارة أخرى، وكان وضعهم صعبا للغايةquot;.
وتحسن وضع الأحباش مع نهاية القرن التاسع عشر وذلك بفضل مساعدتهم من قبل ملوك الحبشة، وأدى ذلك لشرائهم أملاكا في القدس واريحا وبيت لحم، وعزز من وجودهم، فتح القنصلية الحبشية في القدس عام 1920، والتي رعت شؤونهم quot;وتولى دير الأرمن الأرثوذكس الإنفاق على معيشة رهبان الأحباش وقدم لهم المعونات المالية والغذائية الممكنةquot; كما يقول ملك.
وتعيش جالية حبشية صغيرة في القدس، من بينها اقل من خمسين راهبا، وكأنها جزيرة صغيرة في المجتمع، ويتذكر أحد النشطاء المحليين في حزب فلسطيني يساري، مشاركة عدد يقل عن أصابع اليد الواحدة من الأحباش في ثمانينات القرن الماضي، كأعضاء في هذا الحزب، حين كانت أثيوبيا تحكم من نظام شيوعي، ولكن مشاركة الأحباش في العمل الوطني والعام تكاد تكون الان معدومة.
وزاد من عزلة هذه الجالية الخلاف على دير السلطان مع الأقباط، الذين يحظون بالتعاطف والتأييد من قبل المجتمع المحلي، الذين يعيشون فيه كجزء من النسيج الفلسطيني، بينما يستقوي الأحباش بالإسرائيليين لاستمرار سيطرتهم على الدير مثار الخلاف.

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الخميس 11 كانون الثاني 2007