عماد الدين رائف: على بعد أقل من كيلومتر واحد من سجن نواب الأكثرية الذهبي في فندق فينيسيا، يقع القصر الحكومي، أو السرايا الكبير، سجن الوزراء، المحاط بكل التعقيدات المستوردة لأقصى ما يمكن تخيله من حماية أمنية مشددة. كان لا بد من الوصول إلى ورشة عمل تحت عنوان quot;نحو مجلس مستقل لميثاق شرف إعلاميquot; على الموعد. الساعة الحادية عشرة صباحاً، وأنا أقف محاطاً بالعناصر الأمنية المدججة بالسلاح. هناك مشكلة، اكتشفت أن منظمي الورشة، الأصدقاء في quot;الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات ndash; لاديquot; لم يدرجوا اسمي وصفتي في اللائحة الإلزمية لدى القوى الأمنية. منعني الضابط من متابعة طريقي نحو القصر الذي تحول إلى حصن كبير محاط بالعسكر والسلاح منذ بدأت حركة المعارضة للإطاحة بالحكومة.

quot;ما فيك توقف هون! إما أن يصلني اتصال من الداخل لأضيف اسمك إلى اللائحة، وإما أن تغادر المنطقةquot;. يتوجه إلي ضابط الأمن بحزم كبير. اقف على مقربة منه محاولاً الاتصال بسعيد الذي يحاول بدوره من داخل السرايا أن يدرج اسمي ضمن اللائحة quot;المقدسةquot;، والمعدة سلفاً منذ أيام.

أقف في عين الشمس أفكر. الأزمة السياسية مستفحلة، الوضع الأمني لا يبشر بأي نوع من أنواع الخير، يحكى أن آلاف قطع السلاح الفردي تم توزيعها على محازبي المعارضة والموالاة في بيروت والمناطق، تبدو التعزيزات الأمنية وسط بيروت وفي مناطق متفرقة منها كحالة طوارئ مزمنة، يبدو المخيم المستعصي للمعارضة قرية صغيرة متنافرة الألوان غير قابلة للنزع، أطنان من الأسلاك الشائكة وضعت فوق بعضها البعض تمتد على محيط السرايا محولة إياه إلى سجن غريب... في داخله وزراء يظنون أن الخارج يريد أن يسلبهم حياتهم! في هذا المشهد المأساوي أجد نفسي مدعواً إلى الإعداد لمجلس مستقل لصياغة ميثاق شرف إعلامي! في البداية ضحكت للفكرة. فلا يوجد أي مجلس مستقل في هذا البلد، ولا يوجد أي ميثاق شرف إعلامي على الرغم من وجود قانون ينظم العمل الإعلامي منذ تسعينات القرن الماضي، أو هكذا يبدو على الورق.

يناديني الضابط باسمي بعد ان يصله اتصال، أنظر حولي، لا يوجد أثر لمدني آخر غيري. يسمح لي بالمرور إلى شرطي آخر ثم إلى ممر طويل كان زاروبا قبل أن يصون من الجانبين بجدار مرتجل يحجب رؤية من هم في مخيم المعارضة القريب، الملاصق للسرايا، وبالأسلاك الشائكة المضاعفة المتكاثفة. أصل إلى باب القصر، ينظر الشرطي في ورقة برنامج الورشة، يبحث في الورقة أمامه عن اسمي من جديد، مما يعني أن أبدأ جولة اتصالات اخرى بمن هم في الداخل، تليها جولة اتصالات ثالثة لأن الشرطي لم يستطع ان يحدد مكان الورشة. تفتيش دقيق، quot;أخرج كل ما تحملهquot;، quot;ضع الحقيبة على الماكينةquot;، quot;ادخل من هناquot;. أحمل أغراضي خارج الحقيبة بيدي. أرتقي الدرجات إلى القصر من جديد، هنا تعقد الورشة، أخضع للتفتيش الدقيق للمرة الرابعة. اصل إلى ورشة العمل، إلى المجلس المستقل، إلى مسودة ميثاق الشرف.. أجلس أمام وزيري المفضل، وزير الإعلام، لأستمع إلى كلماته: quot;حول عدم حضور الزملاء المدعوين من الإعلاميين لأسباب سياسية أو شخصية، أقول: هذا أمر مسيء إلى عملنا الإعلامي المهني، إلى الحرفة، ولا يسيء إلى المشروع أو الجمعية الداعية، او السرايا. من ياتي إلى هنا يأتي إلى بيته.. إلى حقهquot;.

أثناء عودتي إلى بيتي الحقيقي، إلى شقتي المستأجرة على أطراف المدينة النائمة على برميل بارود، تفكرت بكلمات الوزير. وقفت أما الباب الخشبي، شعرت براحة كبيرة. فأنا لست مضطراً إلى النوم في quot;السجن الكبيرquot;.. يكفيني سجني.