نعمة خالد من دمشق:من خلال بحثي في المواقع الألكترونية، في إطار علم النفس، لإغناء شخصياتي الروائية، وضع أمامي بالمصادفة موقعاً ألكترونياً، اسمه العانس، للموقع خلفية سوداء، ثمة فتاة ترتدي ثوب الزواج الأبيض والطرحة، وعلى يسارها نافذة مغلقة يلوح من خلف النافذة عصفور يتأهب للطيران، ولعلي للحظة خيل لي أن العصفور يطلق بعض الألحان الشجية، في محاولة منه لفض بكارة الوحدة التي تعاني منها فتاة الصورة الحالمة.
موقع العانس، الذي تضمن العديد من الدراسات الاجتماعية والنفسية والدينية لمشكلة العانس، إضافة إلى إحصائيات للعوانس في الوطن العربي وخاصة الخليج والسعودية، وضعني أمام هذه المشكلة وجهاً لوجه، ودفعني للتفكر بها خاصة وأنها في ازدياد.
وأول ما يخطر بالببال من أسباب تفاقم هذه المشكلة هو العامل الاقتصادي الذي يضع الشاب أمام تحديات جمة هذه التحديات التي تدفع به إلى العزوف عن الزواج، فهمه في رقبته أسها من إضافة هم زوجة وأولاد في ظل واقع يعاني فيه الشباب من البطالة وعدم التناسب بين الدخل والمصروف.
ثمة سبب آخر يساهم في تفاقم حالة العنوسة، ويتمثل في الثقافة التي باتت تمتلكها المرأة، ودخولها ميدان العلم والعمل، مما يزيد في شروطها التي ترغبها بزوج المستقبل، سواء في إطار التعليم، أو في إطار الواقع الاقتصادي.
هناك أيضاً ظاهرة العلاقات الحرة التي تنشأ بين الشباب والشابات، والتي تدفع العديد من الشباب إلى العزوف عن الزواج، بسبب من تجاربه المتعددة، ووقوعه في إطار أزمة الثقة بالمرأة، لأن شابنا لا يحب الارتباط إلا بفتاة على طريقة المثل القائل: quot;ما باس ثمها غير أمهاquot;.
أما السبب الرابع فيمكن ربطه بالعامل الاقتصادي الذي يدفع العديد من الشباب العربي إلى الهجرة، والزواج من أجنبية بهدف الحصول على الجنسية، وغالباً ما يقع هذا الشاب ضحية الجنسية، فقد يتزوج بامرأة تقارب سن أمه.
على أن ظاهرة العنوسة هذه قد تكون خياراً للعديد من الفتيات، اللواتي عزفن عن الزواج لأسباب تعود إما لظواهر زواج سلبية عرفنها، أو لعم القدرة على تحمل أعباء الزواج، وخاصة إذا كانت امرأة عاملة، لا تثق بإمكانية مساعدة الزوج لها، ونظرتها له تنحصر في إطار سي السيد على طريقة رواية نجيب محفوظ.
ومشكلة العنوسة هذه، دفعت العديد من الفتيات والشباب إلى الزواج المتأخر. هذا الزواج الذي وضع الفتاة أمام خيارات التنازل عن شروط كانت قد وضعتها في زوج المستقبل، فقد يكون الزوج أدنى علمياً من الزوجة، وقد يكون متزوجاً وهي تشكل الرقم اثنين عنده، وقد يكون للزوج أولاد، مما يضعها أمام مشكلات جمة، والوقوع في مطب الطلاق النفسي، الذي يشكل نسبة عالية في مجتمعنا العربي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، وفي ظل إشكالات الزواج المتأخر: هل على المرأة أن تبقى دون زواج لدرء هذه المشكلات؟
الجواب ليس صارماً وقطعياً، فليس في علم الاجتماع أجوبة رياضية كما المعادلات الحسابية، فلكل حالة زواج متأخر خصوصيتها، وبالتالي أصحاب كل حالة أقدر على تحديد مكونات نجاح أو فشل حالة الزواج المتأخر هذا. طبعاً هذا لا يمنع أن يفكر المجتمع جدياً في البحث عن أسباب تفاقم تعداد الزواج المتأخر، والمرتبطة بالعنوسة أصلاً وأسبابها، لذا على المؤسسات الرسمية الوقوف أمام هذه الحالة بجدية، وبالتالي وضع المقومات التي تدفع بالشاب لعدم التخوف من خطوة الزواج، وأول درجة في إطار الحل: حل الإشكالات الاقتصادية العائق الأساس، وإنشاء جمعيات أهلية من مهامها معالجة مشكلة العنوسة، وأن يكون من أولويات مراكز المرأة التي باتت أسيرة النظريات الغربية فيما يخص الجندر والفيمنست، البحث معمقاً وعلمياً في هذه المشكلة وإيجاد الحلول الناجعة لها، وذلك عبر إشاعة ثقافة ضرورة الأسرة والأبناء، وضرورة إشباع الأمومة، وآليلت التكامل بين الرجل والمرأة على حد سواء، وأن المشكلة ليست داحس وغبراء بين الرجل والمرأة، وإن كان المفهوم السائد في مجتمعاتنا هو المفهوم البطرياركي الذكوري.
التعليقات