نهب منظم للمساعدات الدولية واستغلال فاضح للفقراء والمعوزين

سكينة اصنيب من نواكشوط: تقدم لموريتانيا مساعدات هامة، مالية وعينية من دول عربية واسلامية وغربية ومن منظمات دولية تهتم بتحسين الوضع المعيشية للسكان في الدول النامية، وتهرع هذه الجهات الى مساعدة موريتانيا حين يضرب الجفاف البلاد أو حين تغزو أسراب الجراد المزارع والحقول، فتطلق السلطات نداءات لمساعدتها على تأمين المواد الغذائية للفقراء والمعدمين من المزارعين الذين فقدوا مصدر رزقهم بسبب الآفات الطبيعية، وحين توزع هذه المساعدات تراعي السلطات حصة الأغنياء منها، فللأثرياء أيضا حصة من طعام الفقراء.
هكذا كان الحال في عهد ولد الطايع حيث يقضي آلاف الفقراء ليالي طوال دون طعام بينما المساعدات مكدسة في مخازن الأغنياء ومعروضة على موائد طعامهم، وما يتم توزيعه على المعوزين لا يتعدى عُشر ما تحصل عليه الدولة من مساعدات.

ولا توزع المساعدات الغذائية والعينية على الفقراء إلا بحضور سفراء الدول التي تقدم تلك المساعدات وأمام عدسات الصحافة حتى يكون المشهد الوحيد من مسرحية توزيع المساعدات التي تفوقت حكومات ولد الطايع المتعاقبة في تمثيلها موثقا بالصور والشهود.
بينما تبقى الكميات الهامة من المساعدات مكدسة في مخازن مفوضية الأمن الغذائي في انتظار توزيعها على كبار الموظفين وأقاربهم، حتى أن الحكومة الحالية اضطرت بعد أشهر من تسلمها السلطة الى إتلاف كميات كبيرة من المساعدات الغذائية انتهت صلاحيتها ولم توزعها الحكومة السابقة على آلاف الفقراء والمعوزين في القرى والمدن.


وما يسري على المساعدات الغذائية والعينية يسري على المساعدات المالية، حيث تقدم الدول والمنظمات مساعدات مباشرة تقدر بملايين الدولارات من أجل تشييد ودعم جملة من المشاريع كتوفير المياه الصالحة للشرب وبناء المدارس والمراكز الصحية وتثبيت الرمال ومكافحة الفقر، إلا أن هذه المشاريع ذات النفع العمومي لم ترى النور بعد، لأن الميزانيات المخصصة لها نهبت من طرف كبار الموظفين في الدولة والوزارة الوصية على تنفيذها.
وكان سلاح نظام ولد الطايع في جلب المساعدات الدولية النداءات التي تطلقها الحكومة كلما تأخر موسم الأمطار، ويؤكد مسؤولون موريتانيون أن quot;ناقوس الخطرquot; الذي دقته حكومات ولد الطايع حول الوضعية الغذائية للموريتانيين ليس سوى إدعاء كاذبا من أجل الاستمرار في استغلال المساعدات الدولية التي لا يستفيد منها في الواقع إلا نظامه وحاشيته.
وكانت النداءات التي تطلق من أجل استدرار المساعدات تحذر quot;من وضعية مأساويةquot; وتهدد المجتمع الدولي بـquot;مجاعة وشيكةquot; بسبب quot;استنفاد مخزون المواد الغذائيةquot;، بينما النظام يستغل المساعدات ويحولها للبيع في أسواق محلية بدل أن توزع بالمجان على الفقراء.
وتباع مختلف المواد الغذائية المتحصل عليها من الهيئات الإنسانية، بأسعار السوق للسكان حتى في الأرياف الفقيرة على مرأى ومسمع من الجميع، وفي أسواق المدن والدول المجاورة كمالي والسينغال.

وأمام هذه الوضعية طالبت جمعيات خيرية موريتانية برنامج الغذاء العالمي بالقيام مهمة رقابة لمنع تحويل للمساعدات الإنسانية والتأكد من الوصول الفعلي إلى وجهتها الحقيقية عبر بنيات استقبال ومراقبة وتوزيع.
أثارت هذه الأصوات انتباه المنظمات إلى ظاهرة تحويل المساعدات وآثارها على وضعية المعوزين، وطالبت بفتح تحقيق حول الأخبار والتقارير المتداولة بشأن تحويل المساعدات الانسانية ومعرفة كيف تتم المتاجرة بجزء كبير من المساعدات في الأسواق الكبرى لموريتانيا بينما يحرم منها آلاف الأشخاص الموجهة إليهم فعلا.
وساهم في فضح عمليات تحويل المساعدات التقارير التي تداولتها بعض الصحف والتي أكدت أن هذه المساعدات باتت تشكل مصدرا يدر مداخيل كبيرة على رجال أعمال متعاونين مع أقطاب نظام ولد الطايع، وأوضحت أن كبار مسؤولي نظامه كانوا ينهبون المساعدات الدولية المقدمة للحكومة والشعب الموريتاني ويقدمون فواتير كاذبة للمنظمات الدولية ولصندوق النقد الدولي ومنظمات الدعم الدولي الأخرى تبرر النهب المنظم للمال العام وإفقار الشعب.
وطالبت التقارير برنامج الغذاء العالمي بالتحكم في مجمل مسلسل تقديم المساعدات الإنسانية ابتداء من النقل والتخزين والحراسة وصولا إلى توزيع المساعدات، لأن النظام يستغل ارتفاع معدلات الفقر في موريتانيا كمبرر لاستغلال المساعدات الدولية، وإخفاء الحقيقة ومواصلة النهب والسرقة.
وتقدم لموريتانيا مساعدات عينية كالأغذية والخيام والملابس والأغطية، بينما تقدم مساعدات مالية سخية من أجل تمويل العديد من المشاريع في البلاد مثل بناء المدارس والمصحات والطرق والمشاريع المدرة للدخل.

وخلال السنة الماضية منح صندوق النقد الدولي لموريتانيا مساعدة بقيمة 24.2 مليون دولار بصفة تسهيلات لخفض حدة الفقر وتحسين النمو، وسيقدم هذه المساعدات على مدى ثلاثة أعوام. وقد استفادت موريتانيا من صرف فوري لمبلغ 6.8 مليون دولار، سيدعم برنامج الاصلاحات الاقتصادية وخفض حدة الفقر في موريتانيا.
ورغم أن الاتحاد الأوربي أوقف مساعداته الموجهة لموريتانيا عقب انقلاب 3 أغسطس (آب) 2005 إلا أنه قرر العودة في غضون أشهر قليلة بعد ذلك الى التعاون مع نواكشوط والإفراج عن المبالغ التي كانت مجمدة منذ الاطاحة بنظام ولد الطايع.

وأكد المسؤولون الأوربيون أن موريتانيا لن تخسر المبالغ والهبات التي تم تعليقها، حيث تم وضع ما يناهز 200 مليون يورو من صندوق التعاون تحت تصرف الحكومة الانتقالية، وأضافوا أن المسار التعاوني مع موريتانيا سيرجع قريبا إلى سابق عهده، منهيا بذلك سلسلة من التحفظات بدأتها بعض الحكومات الأوربية منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق.
وستخصص 90 مليون يورو من هذه المساعدات الأوربية لتطوير البنى التحتية ودعم التصدير، فيما ستخصص هبة قدرها 100 مليون يورو لتطوير شبكة الطرق الوطنية وإصلاح النظام القضائي وترميم مدينة شنقيط التاريخية، أما 6 مليون الباقية فستخصص لدعم التحول الديمقراطي.
كما تقدم دول عربية واسلامية مساعدات هامة لموريتانيا كان آخر المملكة العربية السعودية التي قدمت مساعدة مالية قدرها مليوني دولار، وذلك لتأمين مواد غذائية واغاثية وشاحنات لنقل المواد الغذائية، عن طريق مكتب برنامج الأغذية العالمي في موريتانيا.
وكانت السعودية قد تبرعت العام الماضي بمبلغ 10 ملايين دولار كمساعدات إغاثية لـ 8 دول في غرب أفريقيا من بينها موريتانيا اثر تضررها من كارثة الجفاف.

التحقيق منشور في إيلاف دجتال يوم الاربعاء 7 شباط 2007