أسامة العيسة من أريحا: من مقام النبي موسى وسط صحراء البحر الميت، على بعد 8 كلم عن مدينة أريحا، انطلق صوت الشاب أبو رميله، في مدائح للرسول الكريم (ص)، مختتما فعاليات موسم النبي موسى الذي تم إحياؤه هذا العام، في ظل إجراءات إسرائيلية صعبة.

وتجمع حول أبو رميله في إحدى غرف المقام القديمة عدد قليل من كبار السن يرددون خلفه، بينما حمل شاب يجلس بجانبه دفا يضرب عليه، وشاب آخر استخدم صنوجا نحاسية في إخراج الحان تناسب أناشيد المدح التي يصدح بها صوت أبو رميله، عبر مكبرات صوت، تبدد صمت الصحراء المليئة بمعسكرات الجيش الإسرائيلي.

أبو رميلة
وهذه المرة الثانية التي يتمكن فيها أبو رميله من إظهار مهاراته في المديح في موسم النبي موسى، حيث قدم مدائح لاول مرة لكنها لم تستقطب أحدا، فانشدها لوحده، لهذا هو يشعر بالسعادة لوجود عدد من الأشخاص وان كان محدودا ومن طرق صوفية مختلفة، يشاركونه ترديد المدائح النبوية، ومن بينهم شقيقه ووالده.

وينتمي أبو رميله إلى الطريقة البدوية، التي تتبع القطب الصوفي السيد البدوي، بينما ينتمي والده إلى الطريق العلوية وهي طريقة صوفية منتشرة في المغربي، وعن سبب اختياره لطريقة مغايرة لوالده قال أبو رميله لمراسلنا quot;الإنسان لا يختار طريقته، وانما الله من يختارها لهquot;.

ويحاول أبو رميله إيجاد منابر لممارسة النشاط الصوفي، الذي لا يعتبر في احسن حالاته في فلسطين، حيث لا تحظى الفرق الصوفية في فلسطين بالاهتمام، وتكاد تكون المعلومات حولها مجهولة، لهذا فان هذه الفرق تحاول إظهار نفسها في مناسبات نادرة مثل موسم النبي موسى، المرتبط بتاريخ وثقافة مدينة القدس، وهو موسم يوافق أعياد الفصح المسيحية واستنه صلاح الدين الأيوبي، لأسباب يعتقد أنها سياسية، عندما كانت الحرب بين وبين الفرنجة سجالا، حيث يتجمع أهل فلسطين في القدس، بما يشبه الجيش الشعبي، الجاهز للتحرك إذا بدرت أية نوايا استعمارية من الحجاج المسيحيين الفرنجة الذين سمح لهم صلاح الدين زيارة القبر المقدس.

ابو رميلة مع فرقة الدراويش
وكانت القدس حتى أوائل القرن العشرين تشهد نشاطا مكثفا للطرق الصوفية، حيث انتشرت الزوايا المختلفة، ولكن الأسباب السياسية القاهرة التي أثرت على مجمل حياة الفلسطينيين أثرت أيضا على الطرق الصوفية.


ويقول أبو رميله بان الصوفيين في فلسطين موزعين الان على أربع طرق رئيسية هي: الرفاعية، والدسوقية، والبدوية، والجيلانية.

ويعتبر أبو رميله أن الفرق بين الطريقة البدوية والطرق الأخرى، هي الإعلاء، لدى الأولى، من قيمة المديح النبوي، حيث جعلت من مدح النبي quot;ذكراquot;، ويظهر هذا من المدائح التي قدمها ومن بينها مقارنات بين صفات أنبياء الله الرئيسية، وصفات النبي محمد، حيث تعلو صفات النبي العربي على أية صفات أخرى.

وبعض مما يقدمه أبو رميله مأخوذا من كتب قال انه تم جلبها من مصر، ولكن البعض الآخر ألفه ووضع ألحانا له.

ولا يبدو أبو رميله الذي يعمل في النهار كبائع على بسطة أمام مقام النبي موسى، كشيخ تقليدي فهو يرتدي الجينز، وعندما يقدم المدائح يضع على رأسه طربوشا احمر اللون، وخلال تقديمه المدائح رن هاتفه النقال، وبعد أن رد على الهاتف ابلغ الموجودين تحيات من اسماه (الشيخ داود) وهو أحد الصوفيين الذي لم يتمكن من الحضور.

ولأبي رميله صوت عذب يمكن معرفة تأثيره على حضوره القليل، الذين اخذوا يتمايلون وهم يرددون خلفه quot;مدد يا رسول الله مددquot;.


ومن المدائح التي قدمها أبو رميله ما هو مكتوب باللهجة المحلية مثل quot;يا حمام المدينة سلم عل نبيناquot;، ومدائح أخرى على لسان السيد البدوي باللهجة البدوية.


وليس أبو رميله وحده من يحاول إحياء التراث الصوفي، ففي مكان أخر مختلف، ولأسباب مختلفة، تقدم فنانات إسرائيليات أغان من كلمات الشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي، وسط مجموعة من الفلسطينيين والإسرائيليين في مخيم ربيعي أقيم على أنقاض قرية الولجة المدمرة، جنوب القدس.

وتغني دفنا وهي تعزف على الجيتار أشعار الرومي باللغات العربية والإنجليزية والعبرية، ولكن هذا لا يكفي لإيصال رسالتها، فعدد الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يحضرون مثل هذه النشاطات قليل جدا، وبعد أن أنهت الغناء أعلنت أنها ستعد حساء للجميع، ووجد إعلانها هذا حماسا لدى جمهورها الصغير، اكثر من الغناء.

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاربعاء 18 نيسان 2007