شجرة تحمل بصمات إبداعات العزاب بالصويرة
العرعار.. كنز النقاشين المغاربة المهدد بالانقراض
أيمن بن التهامي من الصويرة: شجرة العرعار كنز ا لا يعرف قيمته في المغرب سوى النقاشين الذين حفروا فوق أخشابه نبوغهم وإبداعهتهم التي تشهد إقبالا كبيرا من قبل السياح الأجانب.
ولم تجد هذه الصناعة طريقها إلى الأضواء، إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد الحرفيين الصويريين الذين قادتهم مهاراتهم إلى حمل أفضل الجوائز الوطنية والدولية.
غير أن النعم التي وهبتها هذه الشجرة إلى الحرفيين عادت عليها بنقمة كبيرة، إذ أدى الاستغلال المفرط لهذا الكنز الطبيعي إلى تناقص المساحات الغابوية، التي تحتوي هذه الشجرة، بشكل مهول، ما جعل الصناع يقرؤون عليها اللطيف خوفا من انقراضها.
يقول محمد. س، أحد الحرفيين في الصويرة، quot;ازدهرت هذه الصناعة بشكل كبير في ما مضى، ما جعل الحرفيين يستغلون شجرة العرعار بشكل مفرط، وها نحن الآن نقف على حافة الهاوية بعد أن تسبب شجع بعض الصناع وسوء تدبيرهم إلى تراجع المساحات الغابوية في المدينةquot;.
وأكد محمد، الذي زارته quot;إيلافquot; في ورشته الصغيرة، أن quot;مجموعة من العوامل تكالبت على هذه الشجرة التي سيؤدي تقلصها لا محالة إلى تأزم تجارتناquot;، وأضاف quot;لقد بدأت صناعتنا في الركود، ما اضطر عدد منا إلى الاستغناء عن هذه الحرفة، في حين التزمنا نحن بالمحافظة على ما تبدع يد الصانع الصويري، رغم أن أحفادنا يرفضون تسلم المشعل، خوفا من ملاقاة المصير نفسه الذي وصلنا إليهquot;.
هذه الماركة المسجلة في الصويرة ينظر إليها سكان المدينة عل أنها quot;حرفة ترتبط بهم وبتاريخهم العريق، غير أن هذا لم يشفع لها لتصل إلى أنامل الجيل الجديدquot;، الذي لم يسبق له أن آمن بالمقولة الشعبية quot;حرفة بوك لا يغلبوكquot;.
يوضح جمال. ص، شاب من المدينة، ويستعد لطرق أيواب عقده الثالث، quot;أمهر الحرفيين، بمن فيهم جدي، غلبهم الزمن، بعد أن قضى سوء التدبير على حرفتهم، فكيف لي أن أفكر في امتهان هذه الصناعة بعد بدأت معالم انقراضها في الارتسام على واجهات محلات المهنيينquot;.
وبالعودة إلى التاريخ يظهر أن هذه الصناعة أسهمت بشكل كبير جدا في بناء سقوف وأبواب المنازل، قبل أن تتحول منتوجاتها إلى quot;أشكال تزيينيةquot;، كالديكورات والحلي وبعض الآثاثات المنزلية.
حرفة العزاب بالدرجة الأولى
رغم تأكيد شباب بالمدينة، ل quot;إيلافquot;، عدم رغبتهم في سلك المسار نفسه الذي مر منه أجدادهم، إلا أن أكثر الإبداعات جمالية تحمل بصمات نسبة كبيرة من العزاب الذين لجأوا إلى هذه الحرفة هربا من آفة البطالة التي تبقى أكبر المعضلات فتكا بمستقبلهم.
فآخر الإحصائيات الصادرة عن جهات رسمية بالمدينة تشير إلى أن حوالي 80 في المائة من ممتهني هذا النشاط عزاب.
غير أن هذا له ما يبرره في نظر أحد محسوبين على هذه الفئة، إذ عزا، في تصريح ل quot;إيلافquot; ذلك quot;إلى التخوف من عدم استمرارية هذا النشاط، خصوصا بعد تقلص المساحات الغابوية، ما جعل العديد يصف تكوين أسرة في مثل هذه الظروف ب quot;المغامرةquot; غير المحمودة العواقب.
وبين التخوف والاستمرارية، تبقى شجرة العرعار متربعة على عرش المرتبة الثانية، من حيث المساحات الغابوية في المغرب، بأزيد من ست مائة ألف هكتار.
وتتركز هذه الشجرة في النصف الجنوبي الغربي، خصوصا في الصويرة وحاحا وإداوتنان على مساحة تقدر ب 250 ألف هكتار.
ويبقى أكبر تهديد يتربص بالعرعار هو عدم تجفيف جذعه، ما يجعل نسبة الرطوبة التي يحتوي عليها تفوق بكثير الأرقام المعمول بها، وهو ما يؤثر سلبا على المنتوجات المصنعة من هذا الخشب بسبب عدم تكيفها مع الحرارة بحكم تفاعل المادة مع المحيط.
كما أن طريقة تقطيع الخشب تضيع أجزاء كبيرة منه، ما يحرم من إعادة استغلالها في صنع منتجات أخرى.
وتتزوع أنواع شجر العرعار بين الأحمر، والفواح، والمجنح، كما أن لها ميزات تتعلق أولها وأولاهانمتتمتتم
بالحدود الإرتفاعية، إذ يمكن أن توجد عند مستوى سطح البحر كحد أدنى، ويمكن أيضا مصادفتها عند ارتفاع 1000 و 1100 متر، لكن قد يظهر في بعض المستويات الأكتر ارتفاعا 1800 متر وذلك بالأطلس الكبير، حيث يختفي في المناطق التي يقل فيها المتوسط الحراري الأدنى للأشهر الأكثر برودة عن الصفر.
ويتكيف العرعار جيدا مع المناخ الجاف بفعل الخشونة لأنه لا يتطلب نسبة كبيرة من الماء، فكميات الأمطار التي يتطلبها تختلف حسب النطاقات المناخية التي يوجد بها.
ففي المناطق الجافة يتطلب 250 إلى 300 ملم سنويا، أما في المناطق الشبه رطبة فتتراوح فيها الأمطار المتطلبة ما بين 600 و800 ملم سنويا فوق السطوح الجد منحدرة، أما في ما يتعلق بالحرارة، فنجد العرعار في مجموعة من المحطات التي تختلف من حيث المتوسط الحراري الشهري للأشهر الأكثر برودة، والمتوسط الحراري الشهري للأشهر الأكثر سخونة، أما التربة التي ينمو عليها هذا النوع من الأشجار فهي متنوعة أيضا، إذ يغطي الأراضي الكلسية بكثرة والرملية والحصوية ثم الأراضي الحمراء.
التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاثنين 7 مايو 2007
التعليقات