واشنطن: تبدي الولايات المتحدة قلقا متزايدا تجاه ازدياد معدلات الإصابة البشرية بأنفلونزا الطيور في مصر والتي بلغت حتى شهر أول أبريل الماضي 34 حالة إصابة بشرية من إجمالي الحالات التي شهدها العالم منذ عام 2003، وهي 291 حالة. وتقدم واشنطن للقاهرة دعما فنيا وطبيا للسيطرة على انتشار الوباء. ويأتي هذا الاهتمام ومحاولة السيطرة على المرض طبقا لمصادر دبلوماسية في واشنطن، تجنبا لاتخاذ الخارجية الأمريكية قرار بحظر السفر من وإلى مصر في حالة تفشي الوباء بصورة كبيرة وتحوله إلى فيروس ينقل العدوى بين البشر.


الولايات المتحدة التي لم تسجل أي حالة لأنفلونزا الطيور، اعتبرت الوباء تهديدا استراتيجيا والتزمت بمبدأ الوقاية خير من العلاج من خلال الجهود التي تبذلها لمساعدة الدول التي فشلت حتى الآن في السيطرة على المرض وفي مقدمتها الصين واندونيسيا وكمبوديا ومصر. يمكن استشعار جدية واشنطن في التعامل مع هذا الموضوع من خلال قراءة التقرير الذي أعدته وزارة الخارجية الأمريكية في موقعها على الانترنت عنوان quot;مواجهة تحدى أنفلونزا الطيورquot; الذي تضم حقائق وإحصاءات حول أنفلوانزا الطيور في العالم ووسائل مكافحة المرض وقد اعتمدت هذا المقال بشكل رئيسي على التقارير والتحقيقات المنشورة في هذا الملف.

البحرية الأمريكية في حميات العباسية
عرفت مصر مرض أنفلونزا الطيور للمرة الأولى في شهر فبراير من عام 2006، ثم سرعان ما كشفت الحكومة المصرية عن الإصابة البشرية الأولى بفيروس أنفلونزا الطيور في مارس من نفس العام. ونتيجة تفشي المرض على نحو سريع في حوالي ثلثي المحافظات المصرية، قررت الوحدة رقم 3 للأبحاث الطبية التابعة لسلاح البحرية الأمريكية Naval Medical Research Unit No.3، والتي تعرف اختصارا باسم NAMRU3 ndash; نامرو3، التعاون مع فريق علمي وطبي مصري لاكتشاف الإصابات الجديدة والتحقق من إصابة الحالات التي يعلن عنها، ذلك بالإضافة إلي أخذ عينات من الفيروس لدراستها.
ولا يعرف الكثيرون أن الوحدة الطبية التابعة للبحرية الأمريكية quot;نامرو3quot; والتي تعتبر جزءا من قيادة الأبحاث الطبية البحرية بولاية ميريلاند موجودة في مصر منذ عام 1946 بهدف إجراء البحوث على الأمراض المعدية مثل الكوليرا والجديري والايدز وأخيرا أنفلونزا الطيور. وكان السبب في إصدار أمر رئاسي أمريكي بإنشاء هذه الوحدة هو تفشي وباء حمى التيفوس بين القوات الأمريكية في دول شمال أفريقيا أثناء الحرب العالمية الأولى، وقد اختيرت مستشفى حميات العباسية بالقاهرة مقرا لهذه الوحدة. وكانت المهمة المباشرة لتلك المجموعة هي دعم أفراد الجيش الأمريكي ممن يخدمون في المنطقة بدراسة الفيروسات، والأمراض المعوية، والكائنات الحاملة للأمراض مثل البعوض والبراغيث، وكذلك من خلال مراقبة ومتابعة الأمراض وهو ما يعني مراقبة ومتابعة كل الأمراض المُعدية التي تهدد المنطقة.
لكن أفراد الوحدة اضطروا أن يغادروا القاهرة بعد حرب 1967 ليدير الباحثون المصريون أنشطة الوحدة في غيابهم، لكن عودة قائدة الوحدة الطبية الأمريكية جاءت بعد شهور معدودة ليتم الاتفاق بينه وبين الجهات المصرية المختصة على أن يتم إدارة أعمال وأبحاث الوحدة من قبل إدارة مشتركة مصرية وأمريكية. ويستمر الوضع على هذا الحال في سنوات السبعينات. وخلال هذه الفترة تم التوسع في أنشطة وبحوث الوحدة لتشمل معالجة مرض الملاريا في السودان وإثيوبيا.


نشاط الوحدة الطبية التابعة لسلاح البحرية الأمريكية تركز تاريخيا في دراسة ومكافحة الأمراض والأوبئة التي تنتقل الجراثيم من دولة إلى أخرى عبر الحشرات والحيوانات والبشر لتنشر المرض والموت، حيث تقوم مجموعة صغيرة مكونة 19 من العلماء الأميركيين 144 من العلماء المصريين بإقامة خط دفاع طبي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب غرب آسيا، ضد عدد من الأمراض التي تتفاوت من الملاريا إلى الحميات إلى الإيدز وأنفلونزا الطيور.


ويصف موقع وزارة الخارجية الأمريكية مقر عمل الوحدة بالقول إنه في مساحة تزيد على الفدان أقيم مجمع على شكل مثلث شرقي مدينة القاهرة، يقع في ظلال مستشفى الحميات بالعباسية، أقدم وأكبر مستشفى في هذا المجال بالشرق الأوسط تصل قدرة استيعابه إلى 1500 سرير، ويوجد في هذا المجمع فريق من علماء الجيش والبحرية الأمريكية، وهم موظفون مدنيون أمريكيون، وعلماء وفنيون مصريون، بالإضافة إلى مجموعة من المتعاقدين وكلهم يشكلون مجموع العاملين بالوحدة الثالثة للأبحاث الطبية التابعة للبحرية الأميركية وعمرها 60 عاما.


اهتمام الوحدة في السنتين الأخيرتين منصب على دراسة أنفلونزا الطيور ويقوم الفنيون بالوحدة الثالثة للأبحاث الطبية التابعة للبحرية الأمريكية بتحليل ودراسة التكوين الجيني للفيروسات للتعرف على أنواع معينة منها وتحديدها، وهي عملية ضرورية بالنسبة لتطوير الأمصال واللقاحات والأدوية. كما يفحصون الطبيعة الجينية لفيروسات الأنفلونزا، بما فيها فيروس إتش فايف إن وان الشديد الخطورة ويتبادلون المعلومات مع العلماء والجمعيات العلمية في جميع أرجاء العالم لكي يستفيد العالم كله من تلك المعلومات.
وعلى سبيل المثال اكتُشفت في مصر يوم 18 يناير عام 2006 فيروسات من نوعية إتش فايف إن وان لديها قدرة جينية على التحور، وبإجراء الاختبارات المعملية وجد أن تلك الفيروسات لديها قدرة محدودة على مقاومة أحد العقاقير المضادة للفيروسات الذي يعرف تجاريا باسم تاميفلو. واكتشف ذلك في شخصين أصيبا بفيروس إتش فايف إن وان طبقا لما جاء في بيان أصدرته منظمة الصحة العالمية.

جهود الولايات المتحدة لمواجهة أنفلونزا الطيور في العالم
قرر المعهد القومي لأمراض الحساسية والأمراض المُعدية التابع لمعاهد الصحة القومية منح 23 مليون دولار سنوياً على امتداد سبع سنوات لإنشاء 6 مراكز ممتازة لنشاطات الأبحاث والمراقبة في مجال الأنفلونزا.


وستقوم المراكز بتوسعة نشاطات برنامج المراقبة الذي يقوم به المعهد القومي على الصعيد الدولي وداخل الولايات المتحدة، كما أنه سيعزز الأبحاث الخاصة بالأنفلونزا في مجالات أساسية، بينها فهم كيفية تسبب الفيروس بالمرض وكيفية رد نظام المناعة البشري على الإصابة بالفيروس.

وقال مدير المعهد القومي لأمراض الحساسية والأمراض المُعدية، الدكتور أنثوني فوسي، في بيان في 2 إبريل الماضي، إن quot;تهديد اجتياح وباء أنفلونزا للعالم يشكل باعثاً رئيسياً على القلق في أوساط العاملين في حقل الصحة العامة.quot;وأضاف أن المراكز، quot;ستساعد في توسعة نطاق جهود الحكومة الفدرالية الحالية الدولية والمحلية الخاصة بمراقبة أنفلونزا الطيور، وستزيد من فهمنا للفيروس، وستولّد المعلومات والأدوات الضرورية للاستعداد بشكل أفضل والاستجابة بشكل أفضل في حال ظهور وباء عالمي.quot;
وتعزز المنح الجديدة برنامجا يتصدره مستشفى سانت جود للأبحاث في ولاية تنسي كان المعهد القومي قد استهله بعد ظهور إصابات بشرية في هونغ كونغ في العام 1997 بفيروس أنفلونزا الطيور الممرض جدا، وهي الإصابات الأولى البشرية التي تم التبليغ عنها بفيروس H5N1.


وقد قام الباحثون، على أساس ذلك البرنامج، بدراسة فيروسات الأنفلونزا في الطيور المائية وفي أسواق الطيور الحية في هونغ كونغ، مساعدين بذلك على الكشف عن تاريخ فيروسات الأنفلونزا الطبيعي. كما قام العلماء بتنظيم دورات تدريب حول مراقبة أنفلونزا الطيور، ووضعوا أدوات تشخيصية لاكتشاف فيروسات الأنفلونزا في الحيوانات وأنتجوا فيروسات لاستخدامها في تطوير لقاحات ضد الأنفلونزا البشرية.
وسيتضمن عمل المراكز الجديدة تحديد مدى انتشار أنفلونزا الطيور بين الحيوانات التي يكون هناك اتصال روتيني مكثف عن قرب بينها وبين البشر؛ وفهم كيفية تطور فيروسات الأنفلونزا وتكيفها ونقلها للإصابة؛ وتحديد العوامل المناعية التي يمكن أن تحدد ما إذا كانت الإصابة بفيروس أنفلونزا ستؤدي إلى مرض خفيف أو إلى الوفاة.


وستقوم بعض المراكز برصد الإصابات الحيوانية والبشرية لاكتشاف الفيروسات والقيام بسرعة بتحديد تلك التي تنطوي على إمكانية إحداث وباء وبتوليد فيروسات مرشحة لأن تصنع منها لقاحات تستهدف تلك الفيروسات. وستؤدي الدراسات في نهاية الأمر إلى تمهيد الطريق أمام التوصل إلى إجراءات جديدة لمعالجة أمر فيروسات الأنفلونزا حديثة النشوء والسيطرة عليها بشكل أفضل.


وكانت الولايات المتحدة قد تبرعت بمبلغ 10 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية في شهر أكتوبر 2006 لدعم تطوير وإنتاج لقاح ضد أنفلونزا الطيور في الدول التي شهدت معدلا مرتفعا في حالات الإصابة. كما عرضت المسئولون الأمريكيون على القاهرة المساعدة في السيطرة ومنع انتشار أنفلونزا الطيور خلال زيارة وفد أمريكي للقاهرة في فبراير الماضي برئاسة السفير جون لانغ الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لشئون أوبئة أنفلونزا الطيور. ومن الجهود الأمريكية لمكافحة تفشى المرض، قام مجموعة من الخبراء الأمريكيين بالتوجه إلى نيجيريا في فبراير 2006 لمساعدة في احتواء انتشار الفيروس في منطقة غرب أفريقيا. وينطبق على توجه مجموعة من الخبراء الأمريكيين إلى تركيا في يناير من نفس العام.