أكدت أن الشبه بينها وبين الإسكندرية كبير
د. بني ويلسون: سايس أول عاصمة لمصر تقع غرب الدلتا

محمد الحمامصي: ألقت الدكتورة بني ويلسون أستاذ المصريات بقسم الآثار المصرية بجامعة درهام في بريطانيا، ومديرة البعثة الأثرية بمدينة سايس (Sais) القديمة بمحافظة الغربية، أمس، محاضرة شيقة بعنوان quot;مدينة سايس القديمة كنموذج أولي لمدينة الإسكندريةquot; أدارها أحمد منصور الباحث بمركز الخطوط التابع لمكتبة الإسكندرية، وتم تنظيمها من قبل مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع جمعية استكشاف مصر.
تناولت المحاضرة مدي تأثير هذه المدينة في تاريخ مصر حيث كانت عاصمة لمصر في الفترة من عام 664-525 قبل الميلاد. وخلالها تحدثت ويلسون عن أهم النتائج التي توصلت إليها البعثة الأثرية البريطانية والتي بدأت عملها عام 1997 في موقع هذه المدينة، بتمويل من الأكاديمية البريطانية و المجلس الأعلى للآثار في مصر.
عرضت د. بني ويلسون لموقع المدينة علي الخريطة المصرية، حيث توجد مدينة سايس علي الضفة الغربية لنهر النيل (100 كم جنوب شرق الإسكندرية) وتقترب من ساحل المتوسط، وكانت في الماضي عبارة عن منطقة مستنقعات. وكشفت عن أن هذه المنطقة موجودة من العصر الحجري الحديث حوالي 4،500 سنة قبل الميلاد، وتطورت لتصبح مدينة هامة خلال العصر الفرعوني (عصر الأسرات)، حتى أصبحت المدينة الأولى لمصر في العصور المتأخرة.
وأشارت إلي أهم التحولات الثقافية والسياسية مما أدي إلي إضفاء صبغة سياسية علي اختيار العاصمة، ثم تطرقت ويلسون إلي العوامل التي أدت لاختيار مدينة الثغر عاصمة للبطالمة في مصر.


عرضت د. ويلسون لآخر الاكتشافات في موقع مدينة سايس، والتي كان أهمها العثور علي مجموعة من الحفريات والتي وجد بها مجموعة من النقوش والحفريات، كما تم التوصل إلي وصف لمدينة quot; سايسquot;. وقد وجد ما يشبه المربع مساحته 700 متر في 780 متر وكان يحيط به حائط مرتفع يصل طوله إلي 20 متراً، وهو ما يمكن أن يكون قلعة أو حصن أقيم في هذه المدينة، كما وجدنا أيضا حفرة تعتبر موقع لتجميع مياه الصرف.
عثرت البعثة علي ركام من الحجر الصوان والخزف والعظام، مما مكنهم من الحصول علي العديد من المعلومات، ومن بين الركام وجدت كتلة سوداء وهي كتلة من عظام الأسماك تعود إلي 4 آلالاف سنة ق.م، مما يؤكد أن هؤلاء المصريون قد احترفوا مهنة الصيد واستخدموا في تربية الأسماك أحواض من الطين، والتي كانت مخصصة لصيد القراميط. ومن بين النتائج التي حصلنا عليها هو الحصول علي رمح يستخدم في صيد الأسماك مما يشير إلي أن السكان في هذه المدينة قد تحولا من مهنة الصيد إلي مهنة الزراعة. أما الركام ذو اللون البرتقالي فهو يعود إلي الخزف الذي استخدم في ذلك الوقت.


وقد عاش بها الجنود والزراع الذين يقومون علي خدمة جيش رمسيس. ويبدو أن هذا الموقع هو موقع ينتمي أغلب سكانه إلي الطبقة الفقيرة، وهو ما تم التوصل إليه عن طريق طرق ووسائل الدفن.

من ناحية أخري، كشفت ويلسون أنه علي الرغم من كونها منطقة انتشرت بها العشوائيات إلا أنها تميزت بالتنوع الطبقي وذلك من واقع التنقيب عبر الطبقات الأولي في الأرض.


ومن بين الاكتشافات التي عثر عليها في مدينة سايس، معبد نيس في الجنوب، وقد أشارت عدة مخطوطات إلي وجوده، ولكن البعثة لم تتوصل إلي مكانه بالتحديد، إذ ربما يكون تحت طبقات من الأرض. كما عثر علي مجموعة من تماثيل quot; الأوشابتي quot; وهو يعد دليلاً علي وجود مقبرة ملكية في هذا الموقع.
و قامت د. بني ويلسون بعقد مقارنة بين تخطيط مدينة الإسكندرية ومدينة سايس، حيث تعتبر سايس أول عاصمة لمصر تقع في الغرب، فغالبا ما كانت العاصمة في شرق الدلتا، وذلك لحرص الملوك علي العلاقات بين مصر ودول الجوار مثل سوريا وفلسطين. وتعتبر الإسكندرية مثال أيضا علي العواصم التي تقع غرب الدلتا.
وتقول ويلسون quot;اعتبرت سايس مدينة مستقلة ذاتياً، ووجدنا المشهد التاريخي يتغير علي مدار 6 آلاف سنة بتغير السكان. وذلك يعود إلي فيضان النيل، حيث تحدث ترسبات طينية. فقد خلف الفيضان طبقة تزيد عن 0.4 متر، وهي طبقة قد تبدو صغيرة ولكن بمرور السنين قد يصل تراكم الطمي إلي عدة أمتار، مما يؤثر علي مجري النهر والأرض من حوله.


فبعد مرور ستة آلاف عام من تجمع الطمي، تغيرت المنطقة من الناحية الجيولوجية، فقد انخفضت التلال التي كانت موجودة عام 3714 ق. م، كما تم غمر الأودية بالكامل بالإضافة إلي الركام المتناثر المتخلف، بمعني آخر فقد زادت الرقعة المزروعة وهو يشير إلي بداية زيادة النمو الاقتصادي مما شجع علي أن تكون حاضرة من حواضر مصر.


وأكدت بالخرائط د. ويلسون علي أن مدينة سايس أقيمت في منطقة نائية، إذ أنه لا يوجد حول مدينة سايس، وفي حدود دائرة قطرها 15 مترا وجود لآي مواقع أثرية حتى منطقة كفر الشيخ.
ولفتت د. بني ويلسون إلي أنه من بين أوجه التقارب بين مدينة الإسكندرية ومدينة سايس، التشابه في مواد البناء والحجار المستخدمة في نحت التماثيل، كما ان بعض الأحجار تم استقدامها للإسكندرية من سايس، فقد كانت هذه المدينة همزة الوصل بين الوجه القبلي والبحري عبر نهر النيل.


وتعتقد ويلسون أن قصر كليوباترا الغارق يحمل بعض الأحجار، وتابوتها تم استقدامه من سايس، كما تشير إلي أن الأبراج الشاهقة والمنارات التي كانت في الإسكندرية وجد أيضا شبيه لها في سايس.وكانت بغرض التواصل مع المدن المصرية وإرسال إشارات ورسائل بالضوء.


وتتشابه المدينتين في أنه في مدينة الإسكندرية عبدت الإله ايزيس، أما في مدينة سايس فقد عبدت الإلهة نيس. كما أن هناك العديد من التماثيل التي صنعت في مدينة سايس و ظهرت في الإسكندرية، ونضيف إلي ذلك التشابه الذي يصل إلي التطابق بين أشكال التماثيل. وفي ختام المحاضرة أشارت د. بين ويلسون إلي أن تصميم وتخطيط الإسكندرية جعل منها مدينة تمثل بوتقة انصهرت فيها كل الأجناس مع المصريين.


يذكر أن الدكتورة بني ويلسون حاصلة على شهادة المصريات والدكتوراه من جامعة ليفربول بالمملكة المتحدة، عن رسالة 'Ptolemaic Lexikon' والتي قامت فيها بدراسة النصوص الهيروغليفية لعصر البطالمة والموجودة على جدران معبد إدفو، كما عملت في العديد من البعثات الأثرية في مصر مثل قصر أبريم وأبيدوس وزاوية أم الرخم.