مر بمراحل تأريخية وارتبط كثيرا بالسياسة
الرقص الشرقي: من تدريب على الولادة لمتعة للناظرين
بدر العوضي من نيويورك: لايزال الغموض يكتنف بدايات الرقص الشرقي وان كان من أهم و أشهر الفنون التعبيرية في منطقة الشرق الأوسط الا أن هذا الفن كان ولا يزال يعاني إهمالا وتجاهلا أكاديميا، ويعامل من العامة على انه عار يجب إيقافه والتخلص منه، وليس نوعاً من أنواع الفنون الجميلة.رغم كل ما سبق و بعد البحث، والتنقيب عن مقالات و أبحاث، أغلبها كان مكتوباً بلغات أجنبية، مما يثير الدهشة حول وجود اهتمام غربي بهذا الفن العربي اكثر من العرب الذين يكاد اغلب ما خرج من اقلامهم عن الرقص الشرقي يعتبر ذماً وتهجماً، اكثر من كونه رصداً لفن عربي يعود أصله الى حضارات الفراعنة، وانتشر بين الاغريق مروراً، بالغجر الى شمال الهند. على الرغم من اختلاف الروايات حول كيفية نشوء الرقص الشرقي، إلا انها كلها تتفق على انه كان رقصاً اجتماعياً اكثر من كونه استعراضياً كما هو الحال اليوم.
كان الرقص الشرقي في بعض الروايات يتم بين النساء الحوامل ليسهل لهن عملية الولادة لاحقاً، وفي الاطار نفسه تطور الرقص الشرقي من فلكلور ولادة الى متعة تمارس بين تجمعات النساء، و انتقل من بعدها الى تجمعات الرجال في المقاهي في المجتمعات الشرق اوسطية مثل مصر و تركيا و اوزباكستان.
ممارسة الرقص الشرقي كانت تتم بين الرجال وحدهم ، او النساء وحدهن لفترة ليست بقصيرة من التاريخ. رغم انه لا يوجد حدث معين يقودنا الى تاريخ معين بدأ فيه الرقص الشرقي يأخذ المنحى الاستعراضي الذي نعرفه اليوم الا ان بعض المؤرخين يرجعونه الى عصور انتشار الاسلام وتسيد ثقافة الجواري، و الحرملك في قصور الملوك، و الامراء حيث كانت النساء و كذلك الغلمان يرقصون لمتعة الملوك في بلاط القصور.
ليس هناك الى اليوم اسم راقصة يشار إليها كمؤسسة الرقص الشرقي الاستعراضي الحديث فالظاهرة بدأت بالانتقال الى الحانات و بيوت الدعارة في العصور العباسية، و الاموية، و تطورت الى دخول الرجال في المهنة في العصر العثماني.
رغم ضبابية تطور الرقص الشرقي من اجتماعي الى استعراضي الا انه مع نهايات القرن التاسع عشر لمعت عدة اسماء لاتزال خالدة الى اليوم كمؤسسات للرقص الشرقي.
الراقصة والسياسي:
بدأ الشارع العام بتبادل أسماء الراقصات الشرقيات مع نهاية القرن التاسع عشر. حيث بدآ الرقص الشرقي يتخذ منحاه الاستعراضي الفردي الذي نعرفه اليوم حيث ترقص راقصة واحدة في صالة امام الجمهور.
تعرف الشارع العربي والاوروبي على اسم الراقصة الشرقية تحت ظل مغامراتها مع رجال السياسة انذاك، حيث كانت الراقصات يرقصن لعلية القوم في كاباريهات القاهرة و باريس و اسطنبول و برلين و بيروت و غيرها من المدن التي كانت تعج بجوِ سياسيِ متقلب انذاك بين تدهور الدولة العثمانية و قيام الحرب العالمية الاولى و عصف الثانية مما يسر على الراقصات إنشاء علاقات مع ضباط و سياسيين و اشعال نجمهن بمغامراتهن الجاسوسية والارستقراطية.
صعب ان تجد موضوعاً عن بدايات الرقص الشرقي والا ان تذكر فيه شفيقة القبطية، لم تكن شفيقة القبطية الاولى في مجالها فقد سبقتها اليه معلمتها الراقصة شوق، لكن القبطية تمكنت من ترك بصمتها في الرقص الشرقي و ترك اسمها مخلداً على عكس اللواتي سبقنها حيث يذكر اسمهن هنا و هناك لكن من غير معرفة حقيقية بتاريخهن او سيرتهن.
شفيقة القبطية |
لم تكن و لم تآت راقصة تقتحم باب التاريخ كما اقتحمته ماتا هاري، الراقصة، الجاسوسة، المرآة القاتلة.
ولدت ماتا هاري في هولندا عام 1876 تحت اسم مارجربتا زيلا لأبوين سرعان ما توفيا تاركينها وراءهما طفلةً يتيمة. في سن الثامنة عشرة استجابت مارجريتا لاعلان في إحدى الصحف الهولندية لضابط بحري يبحث عن زوجة. انجبت مارجريتا من الزيجة طفلين سرعان ما توفى الاول من مضاعفات مرض الزهري. تطلق الزوجان بعدها و حصل الاب على حق حضانة الابنة التي توفت في سن الواحد والعشرين ايضاً من مضاعفات مرض الزهري.
ماتا هاري |
لم يمض الكثير من الوقت واشتعلت الحرب العالمية الاولى في اوروبا و كون ماتا هاري تحمل الجنسية الهولندية اعطتها حرية التنقل بين جميع الدول كون هولندا ذات موقف محايد من الحرب. اختلطت ماتا هاري في تلك الفترة مع مختلف القيادات الاوروبية كمحظية ما ادى في النهاية إلى أن تعمل جاسوسة ذات وجهين للاستخبارات الفرنسية و كذلك الالمانية. انتهت حياة ماتا هاري بالاعدام بعد ان القي القبض عليها في غرفتها في احد فنادق العاصمة الفرنسية وحوكمت بتهمة التجسس للاستخبارات الالمانية تحت مسمى العميل h-21 وأعدمت في 15 اكتوبر 1917. لاتزال القضية تثير الكثير من التكهنات حول صحة الاتهامات وان كانت ملعوبة مسبقاً للتخلص من ماتا هاري من قبل الاستخبارات الفرنسية خصوصاً بعد ان حوكم الضابط الذي جند ماتا هاري ايضاً بدوره بالتهمة نفسها لاحقاً. لاتزال الوثائق الرسمية المحيطة بالمحاكمة محفوظة لدى الحكومة الفرنسية ولن تفرج الا بعد 100 سنة اي في عام 2017.
لا يأتي ذكر لنجمات الرقص الشرقي في الزمن الشرقي الا مع ذكر مؤسسة الاوبرا كازينو المدرسة التي اخرجتهن الى واجهة الاضواء. ولدت مؤسسة الاوبرا كازينو او كما كانت تعرف بين الناس باسم كازينو بديعة مصابني في لبنان عام 1892 وهاجرت الى القاهرة في عام 1910 و عملت مع فرقة جورج الابيض المسرحية و من ثم فرقة الشيخ احمد الشامي التي تعرفت من خلالها الى نجيب الريحاني الذي تزوجته لفترة قصيرة. أسست بديعة الاوبرا كازينو و اطلقت من خلاله ألمع الفنانين الاستعراضيين مثل ساميا جمال و فريد الاطرش و تحيا كريوكا و غيرهم من اشهر النجوم. ازدادت شهرة الكازينو خلال الحرب العالمية الثانية حيث اصبح يشهد كل ليلة اجتماع الضباط الانكليز و حلفائهم. لكن مجد بديعة مصابني انتهى مع نهاية الحرب حيث وجدت نفسها مدينة للضرائب بمبالغ طائلة فلم تجد امامها الا ان تتفق مع طيار بريطاني ليهربها من ميناء روض الفرج وهي في زي راهبة. توفت بديعة و هي في سن السادسة والثمانين في لبنان وتكون بذلك قد قدمت للزمن اهم راقصاته.
التعليقات