الغزيون يقبلون على تصليح البوابير القديمة لمواجهة أزمة غاز الطهي
ميرفت أبو جامع من غزة:لم يكن يتوقع الحاج الثمانيني أبو عبد الله النمروطي من جنوب قطاع غزة، أن يأتي اليوم الذي يعود لحرفته في إصلاح بوابير الكاز القديمة، بعد أن هجرالناس استخدام البوابير واستغنوا عنها لصالح استخدام الغاز والكهرباء في عملية الطهي،وذلك قبل أكثر من ثلاثين عاما، بل ما لم يره في منامه أن يحتشد المواطنون منذ ساعات الصباح أمام محله لحجز دورهم.
ولجأ الغزيون إلى استخدام البوابير التي تعمل بالكاز الأبيض quot; الكيروسين quot;بعد أن استنفدت إمكانياتهم في استخدام النار وأقراص الكهرباء لإعداد وجباتهم اليومية، إثر إغلاق إسرائيل المعابر وتشديد حصارها على قطاع غزة، ومنع إدخال الوقود وغاز الطهي منذ أكثر من أسبوعين متذرعة باستمرار إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية المحاذية لحدودها مع قطاع غزة.
ويقول أبو عبد الله للمواطنين: quot;ياريت أزمة الغاز تستمر 20 سنة حتى أبقى في مهنتي بحيوتي ونشاطيquot;، ثم يضحك ويعود لتصليح بابور لسيدة منذ ساعات الصباح تنتظر أن تعد وجبة إفطار لأسرتها المكونة من 11 فردا،
ويقر أبو عبد الله الذي يعمل منذ 60 عاما في تصليح البوابير، بأنه منذ ثلاثين عاما لم يشهد هذا الإقبال على محله،معللا ذلك بأن استخدام المواطنين للغاز والأفران التي تعمل بالكهرباء قلل من استخدام البابور الذي كان يعلق كتحفة أثرية في البيوت الفلسطينية وفي المتاحف والمعارض التي تعنى بالتراث القديم،
وأضاف :quot; أزمة انقطاع الغاز وراء إقبال المواطنين على اللجوء لمحله، لافتا إلى أنه كان في الأيام العادية يمر عليه يومان أو ثلاثة دون عمل، أما هذه الأيام quot;الحمد لله الدخل صار منيح، خليني أعوضquot;.
وأمام محله الصغير وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يحتشد المواطنون في مشهد لافت، كل يمسك ببابوره ويخشى أن يمر الوقت دون أن يفرغ أبو عبد الله من إصلاحه.
quot;أم حسنquot; في العقد الخامس من عمرها، تتلوى من التعب وتجلس على الأرض على يمين أبو عبد الله في انتظار فراغه من إصلاح البابور، وتقول: هذا البابور من زمن الهجرة، كنا نحتفظ به كأداة أثرية من تراثنا القديم، لم نفكر أن يأتي يوم وننفض عنه الغبار لاستخدامهquot;.
وبعد أن استنفد وليد أبو رمضان كل إمكانياته في الاستعاضة عن غاز الطهي لجأ إلى إصلاح بابور يعود لخمسين عاما كانت تحتفظ به حماته التي تسكن مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، منذ يوم زفافها قبل 70 عاما.
ويقول أبو رمضان: منذ 10 أيام فرغت أنابيب الغاز، وبداية لجأنا إلى إشعال النار للطهي حتى أكلت كل شيء، ملابس أطفالي البالية ونفايات البيت، ولم يعد بمقدوري شراء الحطب الذي ارتفعت أسعاره أيضا، وأنا أعمل على بسطه لبيع الخضار وبالكاد أوفر مصروف البيت.
ويتابع: استعملت أقراص الكهرباء ولكن مع انقطاع التيار الكهربائي أصبحت بلا جدوى.
وذكر أنه وجد المواطنين يقبلون على استخدام البابور فلجأ إلى إصلاح واحد يعود لحماته العجوز التي تسكن مدينة دير البلح، مشيرا إلى أن إصلاحه استغرق أربعة أيام لدى أبو عبد الله من شدة ضغط المواطنين وإقبالهم.
ولفت إلى أنه يخشى أن يصاب أطفاله بأمراض سوء التغذية بسبب اعتمادهم على الوجبات الجاهزة والمأكولات الشعبية كالفول والحمص والفلافل، ودعا العالم إلى التحرك من أجل الضغط على إسرائيل لرفع الحصار عن قطاع غزة ووضع حد لمعاناة المواطنين المستمرة.
وأشارت quot;أم حسنquot; التي انتظرت منذ الثامنة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر فراغ أبو عبد الله من إصلاح بابورها، إلى أنها غير سعيدة بهذه العودة للوراء، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي أراح المرأة، موضحة أنها تشعر بخطورة إشعال البابور في البيت على أطفالها من ناحية التلوث، خاصة أنها تستخدم السولار المتوفر حاليا في السوق السوداء.
ويواجه الغزيون الذي استخدمواالبابور في إعداد موائدهم الغذائية المتقشفة مشكلة منع إدخال الوقود وعلى رأسها الكيروسين وهو الوقود المعتاد لتشغيل البابور به، إلا أنهم تغلبوا على ذلك عبر تشغيله بالسولار المتوفر في السوق السوداء ويدخل إلى قطاع غزة من الأراضي المصرية عبر الأنفاق، وهو شديد الاشتعال ويخرج منه غازات خطرة، ويخفف المواطنون خطورته بإضافة الملح إلى السولار قبل اشتعاله لتخفيف شدة اشتعاله كما يروون ذلك.
يقول أبو رمضان :quot; ماذا نفعل أشعل البابور بالسولار مع إضافة الملح إليه، ليس هناك ثمة بديلquot;.
في حين تؤكد أم حسن أن المواطنين يفتشون في دفاترهم القديمة المغبرة عن وسائل من تاريخكم القديم لكي يكسروا حصارهم ويوقظوا في بيوتهم الحياة في سجن غزة الكبير،
وينظر هاني أبو مصطفي (17 عاما) في ساعة هاتفه النقال ويحاول أن يشغل نفسه بتشغيل نغمات ليسد الملل الذي يشعر به في انتظار إصلاح أبو عبد الله لبابوره، ويقول: في هذا العصر التكنولوجي نعود إلى البابور، من كان يصدق ذلك؟ من الثامنة صباحا حتى الآن (الثانية بعد الظهر) وأنا انتظر، والدتي جهزت الطعام للطهي منذ ساعات الصباح وتنتظر عودتي، يبدو أنه لن يقدر لنا تناول غدائنا هذا اليوم، سيكون عشاء!
الشاب محمد أبو شقرة (24 عاما) لجأ إلى صنع إبرة من الحديد بحجم صغير لاستخدامها في إصلاح عين البابور حال انسدادها بفعل أوساخ، ويضيف أنه لجأ إلى ذلك مع تزايد إقبال المواطنين على استخدام البوابير وفقدانها من الأسواق.
وكان أبو شقرة قد فقد عمله في مجال البناء في قطاع غزة بسبب الحصار الذي أدى إلى تعطل هذا القطاع بالكامل.
ويؤكد المواطنين أن هذا لم يعد الابتكار الأخير في قطاع غزة الذي يسجن فيه مليون ونصف مواطن ثلثهم من الأطفال، يعانون من أوضاع اقتصادية واجتماعية سيئة ويفتقدون فيه إلى ابسط مكونات الحياة الآدمية، يصارعون البقاء بعد أن تخلى عنهم الجميع.
التعليقات