إيهاب الشاوش من تونس: في ضاحية قرطاج الهادئة، يقع مقر إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم. على بعد أمتار قليلة من القصر الرئاسي، و جامع العابدين الذي أقيم على ربوة من ربى قرطاج، التي مضى على تأسيسها أكثر من ثمانية وعشرين قرنا، ولم تشهد، منذ الفتح الإسلامي، بناء مسجد جامع.
مدخل الإذاعة موشح بشجرة زيتون التي ترمز الى جامعة الزيتونة المعمور، اما تجهيزات الإذاعة، و العملين بها فهو بسيط، وقد يتساءل البعض، كيف استطاعت هذه الإذاعة الفتية، رغم حداثة عهدها، أزيد من عام بقليل، ان تستقطب شريحة واسعة من المستمعين التونسيين و من مختلف الشرائح الاجتماعية و الأعمار.
و تفيد مصارد من الإذاعة أنها استقبلت عبر الإنترنت في أول ثلاث ساعات لها من البث أكثر من 8آلاف رسالة من مختلف بقاع العالم.
كما يكشف التقنيون العاملون بالمحطة، انهم يتلقون يوميا مئات الرسائل الإلكترونية حول البرامج، الى جانب الاستفسارات، وهو يجعلهم مطالبين بأن يكون موقع الإذاعة في تجدد دائم و يلبي رغبات كل المستمعين و يجيب عن أسئلتهم.
نادر عباس، مهندس صوت شاب، بإذاعة الزيتونة يقولquot; نحن لا نشعر بالقوت أبدا، فأجواء الابتهالات و الاستماع الى القرآن الكريم، و الأحاديث تجعلنا نعمل أكثر و نستفيد كثيراquot;.
و يقول مدير الإذاعة كمال عمران في السياق ذاتهquot;التقنيين كلهم شباب يتقدون حماسة. دائما يعملون، كخلية نحل، لأننا نعتبر اننا في اذاعة الزيتونة نطيع
مدير الاذاعة الدينية كمال عمران |
و خلافا لبعض الإذاعات سواء الخاصة او العمومية المتواجدة بتونس،التي تواجه من حين لآخر انتقادات، فإن كل الآراء و الاتجاهات السياسية تقريبا، عدا الشق العلماني، أجمع على أهمية و دور هذه الإذاعة، حتى ان حركة النهضة المحظورة بتونس سارعت الى تهنئة صهر الرئيس التونسي محمد صخر الماطري، الذي بادر بتأسيس الإذاعية.
كما ان رافع دخل وزير الاتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين وفي معرض حديثه عن تطور العمل الإذاعي، أمام مجلس المستشرين، نوه بالنجاح الإعلامي والشعبي لإذاعة الزيتونة داخليا وخارجيا.
و تحتل الإذاعة بحسب جميع الإحصائيات التي تقوم بها وكالات مختصة في قيس نسب الاستماع و المشاهدة، المراتب الأول في نسبة الاستماع التونسيين.
تونس منارة إشعاع في العالم العربي والإسلامي:
قبل أكثر من عام تفاجئ التونسيون بميلاد الإذاعة، وراح معظم التونسيين،يعدل موجات البث على الإذاعة، بسبب الفضول في البداية،قبل ان يتحول الحدث،الى حديث العامة و الخاصة، و الخبر الرئيس في الساحة الإعلامية و الثقافية و السياسية التونسية.
النخبة التي كانت ماتزال تعالج قضية الإرهاب و التطرف و علاقة الشباب بالدين، خاصة بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة سليمان، تلقت الخبر على انه رجع صدى،quot;إعلاميquot;، ردا على تلك الأحداث، و مسارا آخر لمعالجة تلك القضية، بعد معالجتها امنيا، و سياسيا. في حين ذهب البعض الى القول ان الإذاعة تحمل رسالة حضارية تمتد جذورها الى تاريخ تونس الإسلامي العريق الذي حمل راية القرآن الكريم و مبادئ الاعتدال و التسامح و الوسطية.
أبو بكر الأخزوري وزير الشؤون الدينية التونسي فوصف في احدى المؤتمرات الصحفية،، ما يُعرض في بعض هذه الفضائيات الدينية quot;بالسفاسف والفتاوى المُحَملة بالتخلف والرداءةquot;. لذلك كان هذا الجهاز الإعلامي، متناسقا مع نبض المواطن التونسي، الذي ينتمي الى تيار إسلام معتدل وهو المذهب المالكيquot;، على حد قوله.
واعتبر مصدر رسمي آنذاك، أن فكرة إطلاق هذه الإذاعة تندرج فى إطار quot;العناية المتواصلة بالدين الإسلامي الحنيف وإحياء شعائره والتشجيع على إشاعة الفكر النير والمستنير ونشر قيم الإسلام الصحيحة وفى مقدمتها التسامح والتكافل والاعتدالquot;.
ومن جهته قال محمد صخر الماطرى، إن السماح لإذاعته بالبث quot;يؤكد الحرص على رعاية الدين الإسلامي والقائمين على شؤونه حتى تبقى تونس منارة إشعاع في العالم العربي والإسلامي ورمزا للحوار والتفاعل المثمر بين الثقافات والحضارات.
قلوب التونسيين:
قليلة هي الأسر التونسية او سيارات الأجرة و المتاجر التي لا تعدل ساعتها على أمواج إذاعة الزيتونة صباحا. لا يمكن التأكد من هذا المعطى بصفة دقيقة، في غياب الإحصائيات. لكن جولة قصيرة في بعض المدن التونسية صباحا او من خلال بعض الملاحظات التي يسوقها من حين لآخر المهاجرون التونسيون المقيمين بالخارج عند عودتهم، لا بد و ان توصلنا الى نتيجة وحيدة،وهي ان الإذاعة أصبحت مكونا رئيسيا من المشهد السمعي البصري التونسي.
تختلف أسباب المتابعة، ربما، بين التبرك،او من تعود عليها كوجبة صباحية روحية،او لغاية التثقف دينيا، لكن في المحصلة النهائية الإذاعة أسرت قلوب التونسيين.
وقد يذهب البعض الى الاعتقاد ان الإذاعة تستقطب فئة الكهول،لكن الواقع يخالف ذلك، اذ ان شريحة واسعة من الشباب تستمع باستمرار إلى الإذاعة.
و اذا كان مالك الإذاعة رجل أعمال شاب، 28 سنة، فإن المحطة راهنت منذ انظلاقتها يوم 13 سبتمبر 2007، على الشباب سواء بالنسبة للإطار العامل داخلها او بالنسبة لشريحة المستمعين.
ورغم ان المجتمع التونسي، حداثي و منفتح بحكم الجغرافيا و التاريخ و الثقافة وهو ما ينعكس على طريقة التفكير و الملبس، و النتاج الثقافي و الديني، إلا ان الوازع الديني و التشبث بالقيم و التقاليد، ما يزال متغلغلا في المجتمع.وهو ما عكسته إجابات البعض الذين التقيناهم.
تقول نعيمة عون، طالبة 22 سنةquot; استمتعت عديد المرات الى اذاعة الزيتونة. حقيقة سعدت بذلك، و هي مبادرة طيبة. كما ان الإذاعة تقدم برامج و تفسيرات هي قريبة الى الواقع التونسي، و هذا هو الأهمquot;.
و يرى نزار،33 سنة، ان اذاعة الزيتونة استطاعت ان تخطف الأضواء في ظرف وجيز لأنها نابعة من تونس و تدار بكفاءات تونسية.
زهيرة غزي، شابة تونسية في العقد الثالث من عمرها،تقول لإيلافquot; الفكرة مهمة جدا فاستماع القرآن صباحا او عند قياة السيارة او حتى في المكتب من خلال موقعها على النت، يدخل الطمأنينة في القلوب، و يشحذ العزائم، خاصة و انه يرتل بأصوات تونسية، جميلةquot;.
و بالنسبة لسائقي سيارات الأجرة، فالتوقف عند إذاعة الزيتونة، أضحى من عاداتهم.و يكاد يصبح غياب الإذاعة في هذه الوسائل استثناءا يحفظ و لا يقاس عليه.
أصوات تونسية:
لئن كانت السنة الأولى سنة التجريب، فإن عنوان السنة الجديدة، سيكون quot;النظر الى المستقبلquot;. بحسب المشرفين عليها، quot;سنحاول الارتقاء بالبرمجة حتى تكون متنوعة و تشمل كل أصناف المستمعين، مهما كانوا، و يعني ذلك من الشارع التونسي و المثقفين و غيرهم، فالزيتونةquot;رمز يمكن ان يعود و لكن نحو المستقبل و ليس في اتجاه الماضيquot; كما يقول مديرها.
و يضيف quot; أتصور ان السنة الأولى هي سنة تجريب واختبار و ان باعث هذه المحطة حينما نوى ارسالها، كانت له غاية قصوى، هي ان يستمع التونسي للقرآن الكريم بصوت تونسي و قراءة تونسية. ينبغي ان نعرف ذاتنا و ان نعرف الطريقة التي بها يعيش التونسي. لذلك فإن السنة الأولى هي سنة تجريب بما هو تونسي حتى يدرك التونسيون ان لهم مدرسة. و فعلا لنا مدرسة في القرآن الكريمquot;.
التعليقات