سوسن الجوفي من صنعاء: يبتسم الطفل عبدالله منتصرا ولعبته في يده بعد معركة خسر أطرافها طرح جميع وسائل وفنون الإقناع وأساليب الترغيب والترهيب في عدم القدرة على الشراء لكن الإصرار والتصميم وتجاهل الكل ومن ثم البكاء وأخيرا قرار عدم الخروج من محل الألعاب دون اصطحاب اللعبة يكسب الطفل الحرب ويجبر الوالدين على تحمل النتائج. قد يصبح عبدالله ( 5 أعوام ) ضحية اللعبة التي لا تناسب عمره أو لاحتوائها مواد خانقة وسامة من مجموع مئة وخمسين ألف طفل يصابون كل عام بالتواء أو اختناق أو احتراق بسبب ألعابهم و غياب الرقابة الأسرية عليها.
سطور وكالة الأنباء اليمنية ( سبأ ) تحققت من مخاطر الألعاب التي تغزو الأسواق ومصادرها وغياب الثقافة الشرائية والاستهلاكية لدى الأسر تجاه هذه اللعب.


ـ ضريبة مرور
تقول حياة أم لطفلين تتراوح أعمارهما بين السابعة والتاسعة(سلام وإسلام ): أن المرور من أمام آو بجانب محل خاص بلعب الأطفال يحتم عليها الدخول والتجول فيه لينتهي المطاف بشراء ولو لعبة بسيطة وغير مكلفة ضريبة المرور من أمام ذلك المحل.
وأضافت حياة: أن اللعبة لم تعد مصدر تسلية للطفل كما كانت في السابق لأن الطفل سرعان ما يمل منها ويبحث عن البديل فهي تلاحظ أن شراء لعب أطفالها يعد بالنسبة إليهم أمرا إجباريا وكي نتخلص من وسائل الضغط والبكاء وتكرار الطلب على شرائها نشتريها دون تمييز في ما يفيد الطفل وما يؤذيه من تلك اللعب وهذا للأسف أمر خاطئ ونعترف باقترافه!.
لا يختلف الوضع كثيرا مع أبناء سلوى الأربعة فالهدف واحد لكن الوسيلة تختلف تقول سلوى رغم ان أولادي في سن يعي الوقت الأنسب لشراء الألعاب بمعنى أن السيولة المادية إذا لم تتوفر فإن الشراء يتأجل إلى حين ميسره فعندما نذهب للتسوق تظل عناكب الفضول تبحث عما هو جديد في سوق اللعب سواء كانت لعبة تعرفوا إليها عن طريق الفضائيات الخاصة بعرضها آو عن طريق أصدقائهم في المدرسة ولكن الحصول عليها فيما بعد مطلب لا نقاش فيه.


تتكرر مثل تلك المواقف وأكثر في محل الألعاب التي اكتظت بألعاب يجمع أغلب بائعيها أن مصدرها الصين وأنها في كل الأحوال تشبع رغبة الطفل خاصة أطفال الأسرة محدودة الدخل ولاسيما ان الصناعة الرديئة أصبحت تطابق النوع الجيد في الشكل والأداء وتختلف قليلا في مادة الصنع التي للأسف الشديد نجهل نحن المستهلكين ماهيتها وأضرارها ويتغاضى عن ذلك المستوردون بهدف الربح ويمررها القائمون على فحصها ومطابقتها بحجة الإمكانيات وقيودها!


هل نقوم بترشيد أطفالنا ومساعدتهم في انتقاء ألعابهم وتعريفهم بالفائدة من اللعب بها واستخدامها ؟ ومن منا يسعى إلى شراء اللعبة التي تتناسب مع سن الطفل بحيث تكون عامل مساعدة في تنمية مداركهم وقدراتهم الذهنية ولفت انتباههم إلى البناء والتركيب والإصلاح كما في بعض المنتجات !! وهل هناك من يختار لطفله اللعب التي لا تؤذيه وتسبب له بعض المشاكل والأمراض وتكون مصدرا للخطر مثل إحتوائها مواد حادة تجرح او بعض الصوف المتطاير الذي يسبب مشاكل في التنفس وغيرها من القطع الصغيرة سهلة البلع والأخطر من ذلك كله تلك التي تحتوي على مواد سامة مثل ( الرصاص, والزينك, والسيزيم، وغيرها من الألعاب النارية والمغناطيسية؟


مجاهد النعمي أب لخمسة أولاد تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والسادسة وكل منهم يتفنن في اختيار لعبته ويصر على شرائها وتختلف أنواع الألعاب بحسب اهتماماتهم يقول مجاهد ان ابنه البكر متعلق باللعب الالكترونية وعالمها الفضائي من حروب وأسلحة ونيران وأخيه الذي يصغره بعامين متخصص بعالم السيارات وأنواعها وأحجامها الكبيرة والصغيرة ويرغب في اقتناء جميع أنواع المركبات لدرجة أن حلمه المستقبلي لا يتعدى أن يكون سائقا محترفا أما بالنسبة إلى طفلته ابنة الثامنة فهي تعشق الدمية فله وكل مستلزماتها وإصداراتها ومتوسط أطفاله يعشق الرجل الوطواط وأقنعته وملبوساته.
يعترف مجاهد أنه لم يفكر يوما ما في مناقشة أبنائه في ألعابهم وفوائدها او حتى المخاطر التي قد يتعرضون لها من طريق استخدامها هو يريد أن تكون مصدرا لتسليتهم ومتعتهم ولا يريد حرمانهم من شيء رغم الأسعار الخيالية التي يفصح مجاهد بأرقامها أثناء الشراء ؟!
ما تعرضت له الطفلة نور ( 3 أعوام ) أثناء لعبها جعل والدتها تحرص كل الحرص على اختيار لعب طفلتها ومراقبتها طوال فترة لعبها تقول ام نور كنت مشغولة في إعداد وجبة الغداء ونور تلعب بجوار أخيها الذي يكبرها بأربعة أعوام وأثناء محاولته في تركيب لعبته البلاستيكية أخذت نور عود الكبريت دون ملاحظة أخيها وأشعلته ورمته على لعبتها التي تحتوي على الصوف ليفاجأ الجميع بسرعة وقوة الاشتعال التي حصلت وتعرضت نور لحروق من الدرجة الثانية في يديها وقدميها وكان درسا قاسيا تعلمته والدة نور في عواقب التساهل والاختيار العشوائي للعب الأطفال.


ولم تتوقع أم ميرا ان نتيجة الفحوصات التي أثبتت ان طفلتها ابنة الأربعة أعوام كان سبب تسممها هو شربها للماء في كوب صغير من مجموعة ألعاب صينية خاصة بأواني الطهي اشترتها الأم حتى تسلم أوانيها الزجاجية من الكسر بسبب إصرار ميرا على اللعب بها !!
وهذا ما حذرت منه لجنة حماية منتجات المستهلك الأميركية من شراء لعب الأطفال المحشوة كوسادات للنوم إضافة إلى ملابس الأطفال المحشوة التي تشبه الشخصيات الكرتونية المحببة لهم واستخدامها للنوم فهي سريعة الاشتعال وقالت اللجنة إن الطفل قد يلهو بالكبريت أو يقترب من الفرن والبوتاجاز أو أي مصادر للحرارة.


ولفتت إلى أن هناك أكثر من 9.6ملايين لعبة مستوردة من الصين في السوق الأميركية و 11مليون لعبة في أسواق أخرى تحمل مخاطر عالية للأطفال بفعل المواد الكيماوية والسموم المستخدمة في طلائها وكذا تصنيع البلاستيك المستخدم فيها، وقد أوضحت اللجنة ان بعض هذه اللعب التي قدمتها الصين اكبر منتج للعب الأطفال في العالم.


وحول حماية الأطفال من ألعابهم وكيفية شرائها واستخدامها قدمت لجنة حماية منتجات المستهلك الأميركية تقريراً قالت فيه: إنه في كل عام يصاب 150.000طفل بجروح او نتوء أو احتراق أو اختناق بسبب ضعف المراقبة او سوء استخدام اللعبة او شراء لعب غير ملائمة لاهتمامات أو عمر الطفل ولذلك ينصح الآباء والأمهات بعدة نصائح لتجنب أي أضرار قد تلحق بالطفل منها: التأكد من أن اللعبة مطلية بطلاء غير سام أو أجزائها البلاستيكية ضارة بالطفل، فاغلب الألعاب يكتب عليها ذلك. والتأكد من أن اللعبة ليس فيها أي حواف وجوانب حادة تجرح الطفل وتخدشه وذلك بتمرير اليدين على اللعبة كلها. وربط أجزاء اللعبة جيدا خاصة الصغيرة منها حتى تتأكد أن الطفل لا يمكنه فكها ومن ثم ابتلاعها.


ـ ألعاب مسرطنة تغزو الأسواق
تجولت سطورنا باستحياء في مبنى الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة بعد تردد كبير وقناعة غير واضحة على وجه مسؤول أمن البوابة بأهمية الدخول لعدم وجود المدير وبعد توضيح ببساطة الأمر وتعلقه بلعب الأطفال رغم الجهل بعواقبه استقرت السطور في إدارة ضبط جودة المنتجات الصناعية والتقت مدير الإدارة ياسمين محمد دماج التي أشارت إلى أهمية الموضوع وحساسيته خصوصا وأنه واقع معاش في كل أسرة وتكمن خطورته عندما يتعلق بحياة الأطفال وصحتهم.


وقالت ياسمين ان الهيئة أصدرت تعميما إلى فروع ومكاتب الهيئة في المحافظات والمنافذ الجمركية بأهمية تشديد الرقابة على لعب الأطفال ذات المنشأ الصيني وعدم السماح بدخول المنتجات إلى البلاد إلا بعد إجراء الاختبارات اللازمة لها والتأكد من خلوها من الرصاص وكذا خلوها من القطع الصغيرة المعدنية والبلاستيكية سهلة البلع التي تشكل خطرا كبيرا على حياة الأطفال وطلب التعميم تنفيذ حملة مكثفة على الأسواق والمحلات التجارية الكبرى المتخصصة ببيع لعب الأطفال للتأكد من خلوها من ماركات الألعاب التي ثبت احتواؤها على الرصاص وبنسب كبيرة منها ألعاب سيسامي ستريت، والدمية المستكشفة نورا, وألعاب أطفال ماركة ( ماتيل ) التي تحتوي على قطع مغناطيسية غير مثبتة سهلة البلع وهي الماركة التي تم سحبها من الأسواق الأميركية والألمانية حرصا على سلامة الأطفال.


وأضاف مدير إدارة ضبط جودة المنتجات الصناعية ان إجراءات الهيئة تعمم بحسب الإمكانيات حيث إنه تم منع دخول لعب الاطفال غير المرفقة بتقرير بلد المنشأ بالمواصفات التي تحملها مواد تلك الألعاب وذلك سبب إزعاجا كبيرا للمستوردين الذين يجدون لتلك اللعب سوقا رائجة في بلادنا في ظل غياب ثقافة الشراء والاستهلاك وكذلك الوعي بمدى تأثر الطفل باللعبة وتأثيرها عليه.
ختمت دماج حديثها بالقول ان الألعاب تغزو الأسواق ولا توجد عبارات للفحص في المنافذ الممثلة بالحديدة وعدن وحضرموت وحرض والبقع وغيرها إلا لفحص شهادة مطابقة للفحص من البلد التي جاءت منها والحلول القائمة الآن هي توعية المستهلك بمخاطر تلك اللعب وأهمية اختيار اللعبة التي تتناسب مع سن الطفل وإمكانياته.


لم نبتعد كثيرا عن اللعبة وبائعها رضوان الذي يؤكد أن اللعب الصينية هي جميع ما يحويه محله الصغير والذي يكاد يختنق المكان وصاحبه بأشكالها وأصنافها المختلفة حتى بروائحها البلاستيكية التي تفصح للبعض عن رداءة الصنع وضعف الجودة ولكن هذا ما يتناسب مع ظرف المستهلك الثمن الذي يمكن دفعه في الوقت الذي يلبي رغبة الطفل بالشراء خاصة وأن كثيرا من الآباء يقومون بشراء كثير من اللعب بواقع الإحراج الذي يطرحهم الأطفال فيه مثل البكاء أو التمسك باللعبة وعدم الخروج من المحل من دونها فلا يجد الآباء خيارا، للخروج من المأزق سواء شرائها كما أن كثيراً من الأهالي يشترون ألعاب أطفالهم دون أن يتنبهوا إلى ما يمكن أن تحمله اللعبة من فكرة.


أما بالنسبة إلى المواد السامة المصنوع منها بعض تلك الألعاب فيرجئ رضوان ذلك إلى الجهات المختصة لأنه يبيع ولا يستورد وليست عليه مسؤولية الفحص هو يبحث عن مصدر رزقه ولا تعليق لديه !!.


ـ التأثير النفسي لألعاب الأطفال
تؤكد الدراسات النفسية والاجتماعية أن اغلب اللعب التي يقتنيها الطفل خاصة في المراحل الأولى من عمره تنعكس على شخصية الطفل التي يسميها بعض علماء الاجتماع اللعب الإيهامي، حيث يقوي معارفه الشخصية والشفافية ويساهم في خزن مصطلحات لغوية في ذاكرة الطفل، فتجده دائماً يتحدث معها، وكأنها التي تتحدث معه وتستجيب له.


يقول باحث اجتماعي إن بعض لعب الأطفال فيها فوائد كثيرة تحقق نتائج ايجابية، يكسب من خلالها الطفل مهارات حركية وبشكل كبير، وتزودهم بمهارات استكشافية يعطي للطفل غريزة الحركة والتنبيه، تساعدهم في تخزينهم مجموعة من المعارف والمصطلحات اللغوية.
وتؤكد الدراسات النفسية ان تأثير الألعاب الالكترونية يعتمد على مضمون ومحتويات هذه الألعاب حيث إنها في العادة تعالج قضية او قصة خيالية او تعرض حرباً تنتهي بالتدمير والقتل وفي كلا الموضوعين فإن تأثيرها يكون كبيراً من خلال المدة التي يقضيها الطفل في ممارسة هذه الألعاب.
كما تشير تلك الدراسات إلى أن بعض مضامين الألعاب الالكترونية الخيالية تعمل على التأثير في نفسية الأطفال وتجعلهم يبتعدون عن الواقع ويقتربون من عالم خيالي غير موجود كما تعزز فيهم التفكير الخيالي على حساب الواقعية ليظهر من خلال سلوكياتهم وأقوالهم ونظراتهم إلى الحياة، وتطرح بدائل عن الألعاب الالكترونية بالرجوع إلى الألعاب القديمة المصنوعة يدوياً او العمل في البستنة والرسم بمختلف أشكاله وألوانه والألعاب التركيبية والتشكيل بالصلصال إضافة إلى القراءة.


فيما أشارت لجنة حماية المستهلك الأميركية، ليست كل لعبة غالية في سعرها مفيدة للطفل فالترفيه ليس الهدف الأوحد من شراء اللعبة بل ينبغي وضع تنمية مهارات الطفل وقدراته، فالطفل خلال أول أربع سنوات من عمره يتكون 50% من ذكائه تبعا لمعدل النمو العقلي فمنذ الميلاد والطفل مبرمج عقله على التعلم فكل خبراته المرئية او المسموعة او الملموسة او التذوقية توسع مداركه لذلك لكل عمر لعبته الملائمة.


ـ سحب ملايين اللعب لاحتوائها على مادة الرصاص
سحبت شركة ماتل الملايين من لعب الأطفال صينية الصنع في أنحاء أوروبا بما في ذلك دمى باربى وباتمان وذلك لمخاوف تتعلق بالسلامة.
كما سحبت الشركة الملايين من لعب الأطفال في الولايات المتحدة بسبب مشكلات تسببها مغناطيسات صغيرة قوية وطلاء يحتوى على نسب عالية من الرصاص.


وتراجعت أسهم أكبر شركة أميركية للعب الأطفال بما يصل إلى ستة بالمئة.
وقالت المفوضية الأوروبية التي تشرف على سلامة المستهلك في الاتحاد الأوروبي انها لم تتلق أي أخطار عن عمليات سحب بموجب نظام quot;رابكسquot; للإنذار السريع الذي يلزم كل بلدان الاتحاد بالإبلاغ عن أي حالات لمنتجات غير آمنة.
هذا بالنسبة إلى الأسواق الأوروبية لكن بالنسبة للسوق العربية وعلى وجه الخصوص السوق اليمنية كيف يتم تنظيفها من هذه النفايات التي تغرق المحلات التي تغزو البيوت دون العلم بمخاطرها وأضرارها، هل ستقوم الجهات المسؤولة بسحبها؟ أو على الأقل تنظيم دخولها إلى البلاد أم سينتظرون إلى ان تقوم هي بسحب فلذات أكبادهم ؟.