نزار جاف من بون: کان سفر الانسان قديما في البحر بمثابة مغامرة غير مأمونة العواقب و غالبا ماکان المسافرون عن طريق البحار لا يعودون الى أوطانهم ولأسباب متعددة، وکانت الحکايات و الاساطير التي تروى بشأن السفر في البحار و المحيطات مغلفة بطابع من الخوف و الرعب، إلا انه و بعد التقدم الذي أحرزه الانسان في مضمار السفر بحرا و صار بإمکانه صنع سفن تؤمن کل أسباب الطمأنينة للمسافرين، فإن الخوف من السفر بحرا صار غير واردا بالمرة. بيد أن الخوف الذي کان سائدا من السفر بحرا قد عاد للأنسان في صيغة أخرى و هي السفر جوا، ذلك أنه ومنذ أن إخترع الانسان الطائرة و صارت وسيلة مهمة من وسائل نقله و أسفاره و حتى دماره، بات کل إنسان عندما يسافر لأول مرة يتوجس خوفا من تسليم أمره و مصيره لرجل يقوده في الجو على إرتفاعات شاهقة جدا وإن حصل مکروه ما للطائرة فإن امله في النجاة معدوم بالمرة.

حوادث سقوط الطائرات: القلق يتزايد
حوادث سقوط الطائرات منذ عام 1996 و حتى عام 2006، کانت بصورة بحيث صارت مبعثا لتزايد القلق، رغم إن خبراء الطيران ولحد الان يعتقدون بأن أکثر وسائل السفر أمنا و طمأنينة للإنسان هو السفر جوا. ويقارن الخبراء بين حوادث الطرقات و البحار و بين حوادث سقوط الطائرات و يخلصون الى نتيجة مفادها أن أقل نسبة قضت نحبها في تلك الاسفار هم من الذين سافروا جوا!

ومع أن الکثيرون يتصورون أن أکثر حوادث سقوط الطائرات ستکون من نصيب قارة مثل آسيا مثلا لأنها لم تکن أساسا صاحبة فکرة إختراع الطائرة، إلا أن الاحصائيات المعتمدة دوليا تؤکد بأن أقل القارات التي تقع فيها حوادث الطيران هي القارة الآسيوية مقارنة بمثيلاتها العالمية، فقد کان معدل وقوع حوادث الطيران في آسيا للعام 2006، هو 0،50%، فيما کان المعدل العالمي لنفس السنة قد وصل الى 0،65% و إرتفع في العام 2007 الى 0،83%. وتشير الاحصائيات العالمية الى أن أقل الطائرات تعرضا لحوادث الطيران هيquot;الايرباصquot;الاوربية فيما تتعرض طائرات البوينك الامريکية و التوبوليف الروسية الى أکثر حوادث الطيران.

الشرقيون و الخوف من الطيران
من خلال سفرتين جويتين لنا من مطاري دوسلدورف بألمانيا الى مطار بروکسل ببلجيکا و من مطار کولونيا ـ بون بألمانيا الى مطار شارل ديغول بباريس، أتيحت لنا الفرصة للقاء بعضا من الشرقيين المسافرين و سألناهم عن إحساسهم من السفر جوا وهل أن هنالك ثمة خوف في أعماقهم من الطيران؟ جودت بنراوغلو رجل ترکي تجاوز العقد الرابع من عمره و يعمل في المجال التجاري، أجاب عن تساؤلنا بإبتسامة وهو يقول:quot;أول مرة طرت فيها في حياتي کانت من اسطنبول الى باريس، وقد تملکني خوف جارف و أتذکر بإنني قد صممت مع نفسي وقتها بأنني لو وصلت سالما الى الارض فإنني لن أسافر مرة أخرى بالطائرة، لکن بسبب من الاصدقاء و المعارف و بسبب من طبيعة عملي ذاته، فإنني قد تعودت تدريجيا و حتى إنني حاليا أسعى جهد إمکاني لإستخدام الطائرات في السفرات الداخلية أيضاquot;.


أما السيدةquot;آزيتا نيکنامquot;الايرانية الاصل و التي تعمل في شرکة المانية فقد أجابت عن سؤالنا وقد بدت الجدية على ملامحها عندما قالت:quot;کل تجربة ترافق بدايتها شئ من الاحساس بالخوف أو التوجس من الخوف، لکن الطيران الذي يعني إبتعاد الانسان عن الارض و کما تعلم فإن الاساطير و الکتب المقدسة تحدثت عن السماء بشکل قد يکون باعثا للإحساس بالوحشة، ولذلك فإنه من الاعتيادي جدا أن يشعر الانسان بالخوف من أول تجربة سفر له عبر الطائرة، وبالنسبة لي فقد شعرت بالخوف عند أول سفرة لي، لکن تکرار ذلك دفعني للتعود عليه والان أنظر للسفر جوا بنظرة عادية مثل السفر أرضا أو بحراquot;.

الاوربيون، ماذا عنهم؟
هانز کريبس، مهندس ألکترونيات الماني و هو يقول بإنه يکاد کل اسبوع من المانيا الى فرنسا و بالعکس، علت الابتسامة وجهه عندما طرحنا عليه سؤالنا و أجاب بجدية مدافة بمرح:quot;يولد الخوف عندما ينعدم الاحساس بالامن و الطمأنينة، أنت إذا أحسست بالامن و الطمأنينة فمن أي شئ تخاف؟ انا لا أتذکر بأنه قد إنتابني ثمة خوف من سفري جوا، لکن لو کان هنالك ثمة متاعب تهدد سلامة سفر الطائرة، فإنه من الاعتيادي جدا أن يتملکني خوف کبير جداquot;.

السيدةquot;ريزيلا ماسياسquot;المکسيکية الاصل و مستقرة حاليا في بلجيکا فقد قالت بذلك الخصوص:quot;على ما أتذکر فإنه أول مرة طرت فيها کانت من نيوکسيکو الى بروکسل و إستغرقت الرحلة أکثر من 12 ساعة و عندما رأيت من النافذة الطائرة في إرتفاع شاهق قد صرت، شعرت بخوف کبير، لکنني و في نفس تلك السفرة أحسست بالطمأنينة و الهدوء سيما وقد وجدت جميع المسافرين يجلسون بصورة عادية وليس هنالك أي علامات خوف أو قلق على وجوههمquot;.