نجلاء عبد ربه من غزة:النظر إلى رجل تجاوز الأربعين من عمره يبعث شعوراً بأنه الآن في قمة الإتزان والبصيرة.. بل أنه الآن في إستقرار حياتي تام، وأن مرحلة شقاء العمل والبحث عن الإستقرار قد مرت بسلام.. ولكن إذا ما سألنا بعض الرجال الذين دخلوا في أربعينيات عمرهم هل ما أفكر به صحيح أم أن هناك مجرد توهم يجول بخاطر النساء عندما يحلمن بإستقرار أسري لحياتهن!!؟.


يقول أسعد أبو صبيح (42 عاماً) أن حياته خلال العقدين الماضيين كانت في قمة المخاطرة، مضيفاً 'تزوجت وكان عمري 29 عاماً وبعدها تيسرت أموري بفضل الله، إلى أن تقلدت منصب منذ خمسة أعوام جعلت من حياتي إستقرار ومتعة أسرية'


الإستقرار في العمل من وجة نظر أبو صبيح تتطابق مع رأي محمد البلعاوي (40 عاماً) فهو الآن كما يقول يدير عدة أعمال ذات طابع واحد، وهو ما يجعل الرجل أكثر طاقة وإبداع وقال لـ إيلاف 'في السنين السابقة كنت بداية أعمالي ، وكان طموحي أن أدير مؤسسة تجارية بالإضافة لجمعية تأهيل كادر شاب. وبعد أعوام من العمل الدؤوب في هذا المضمار، توسع العمل وأصبحنا معروفين لدى الكثيرين.. وها أنا اهبط بإستقرار لأمارس عملي بهدوء بعد أن تجاوزت مؤسستي الشهرة'.


يقال أن الرجل في هذه السن يبلغ سن الحكمة والاتزان، وماذا أقول عنه أنا.. يتحدث مازن (45عاماً) عن حظه السيء في حياته التي تكللت بإنحدار تام، بل وأفقدته العمل بعدما كان يعمل في مجال البناء والعمارة، فهو الآن جليس البيت منذ ستة أعوام، ويقول لإيلاف 'في بداية إنتفاضة الأقصى مُنعت من العمل داخل أراضي الـ 48، وهنا في غزة لا عمل، فالحصار يضرب كافة مناحي الحياة الإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية لقد كنت مقاولا في مجال البناء والعمارة، وكنت أربح يوميا أكثر من 1000 دولار، إلا أن كافة أحلامي سرعان ما تبددت، بفعل إغلاق المدن الإسرائيلية أمام الأيدي العاملة الفلسطينية المهرة'.


ويزيد مازن ' كم تؤلمني هذه النظرات حينما أرى العطف في نظر الآخرين علي، لأنها تعني أنني لا حول لي ولا قوة أصبحت خائر القوة، فمن الصعب أن يشعر الإنسان بأن سنين عمره وأيامه التي مضت أصبحت هباءً منثوراً بالهواء لا يوجد له دعائم ولا له من ركائز يرتكز عليها بعد طول عناء'.

ومنعت إسرائيل أكثر من 140 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة من دخول أراضيها منذ العام 2000م، مع بداية إنتفاضة الأقصى، إضافة لإعتقال عشرات الآلاف الآخرين من الشريحة ذاتها، كانوا يدخلون المدن الإسرائيلية ويعملون داخلها دون تصريح عمل رسمي.

ويقول مازن في حسرة 'حاولت مراراً وأنا أراجع تاريخي الماضي وشريط ذكرياتي، علني أجد ما أفخر به وأمني نفسي بأنني قد عملت شيئاً، يسندني في هذا الوقت وهذه الأيام الباقية لي من عمري .. فلم أجد شيئاً سوى .. خطوط العمر الباهتة بالوجه، والشيب الذي تفشى في كل أنحاء شعري'.


وتوقفت حياة الفلسطينيين تماماً منذ عام ونيّف، خاصة في قطاع غزة التي ضربت إسرائيل عليها حصاراً محكماً شلت كافة نواحي الحياة داخله. وأصبح التاجر والعامل سيّان هنا في غزة، فكلاهما يبحث عن كابونة دعم مواد أساسية من جمعيات مختلفة تنسق مع جمعيات عربية لمساعدة الفلسطينيين.

إزدهرت التجارة في غزة منذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994م، وحققت أحلام مئات الشباب الفلسطيني من فئة أربعينات العمر، فتاجر العديد منهم في مهن مختلفة، وفتحوا مصانع ومحلات درّت عليهم أرباحاً وإستقرار معيشي لم يكونوا يحلمون به من قبل، إلا أن ذلك توقف منذ ثلاثة أعوام تقريباً، منذ فوز حركة حماس في الإنتخابات التشريعية بداية عام 2006م.

وتقول السيدة روضة، مديرة تنفيذية لجمعية فلسطينية، بداية أربعينيات العمر يستقر الإنسان في عمله، فرحلة البحث عند الإنسان في العمل والإستقرار تبدأ من عمر 25 عام، إلا أن الكثيرين هنا تتعقد الأمور معهم، ولم يستطع الواحد منهم إيجاد عمل لائق به، فيلجأ للبحث مرة أخرى في عمل لا يناسبه على الإطلاق، ولهذا تجدينه غير مستقر في حياته.

ويقول عبد الرحمن، صحافي خليجي تحدثت معه إيلاف عبر الهاتف، أن الإستقرار في هذا العمر له شيء مميز جدا. فالرجل في هذه المرحلة بحاجة إلى الإبداع والتميز، والإستقرار في العمل يمنحه ذلك.

ويضيف عبد الرحمن 'تنقلت في صحف ومواقع كثيرة، وإستقريت قبل عامين في صحيفة براتب جيد، وسأنهي حياتي العملية داخلها'.


وفقد آلاف الفلسطينيون حياتهم جراء الصراع مع إسرائيل. كانوا هؤلاء يعيلون أسر، فخلفوا ورائهم عشرات الآلاف من اليتامى والأرامل، ما زاد على كاهل المجتمع الفلسطيني المدني عبئاً أكبر، في ظل تقنين الوظائف والدعم الدولي المالي للسلطة الفلسطينية.


وتحكى منال جبر، موظفة تبلغ من العمر 42 عاماً، عن رحلة حياتها المليئة بحسبها، بالمغامرات. وتقول لإيلاف 'الأمور جيدة بالنسبة لي ولأسرتي، فزوجي الذي يكبرني بـ 5 أعوام، يعمل مدير عام في وزارة فلسطينية، وراتبنا ثابت وجيد بالنسبة لنا كفلسطينيين نعيش في مجتمع يحتاج إلى ربع المبلغ الذي نتقاضاه'.

وتؤكد جبر أن حياتها إستقرت تماماً هذه المرحلة، رغم الظرف الذي يعيشه الفلسطينيين. وتتمنى أن تستقر حياة الأسر العائلات التي تحيط بها.

وتنقسم الآراء حول عمر الأربعين وحياة الإستقرار فيها. ويؤكد الناشط الإجتماعي محمد العقاد أن تلك الحياة تختلف من مجتمع إلى آخر، وهو بالقياس ليس ضرورياً عند الفلسطينيين بالذات، سيما في ظل حصار إسرائيلي يفرض سياسته على المجتمع الفلسطيني بقوة السلاح.

ويضيف العقاد لـ إيلاف 'الفلسطينيون عمروا بلدان كثيرة في الخارج، إلا أنهم لم يستطيعوا حتى اللحظة أن يعمروا بلدهم، وذلك لما تقوم به إسرائيل من عراقيل تضعها أمامهم'. ويعترف أن عمر الأربعين للإنسان هو في بالغ الخطورة بالنسبة للإستقرار الحياتي له. ويقول 'إذا ما عمل الإنسان جاهداً لكي يستقر في هذه الفترة، فلن يجد الإستقرار والطمأنينة الأسرية الكاملة باقي سنين عمره'.