نهى أبو الكرامات من واشنطن: لماذا لا يحب اليهود في الولايات المتحدة المسيحيين، الإنجيليين والأصوليين على الرغم من حب هؤلاء لهم؟هذا التساؤل كان محور دراسة لـquot; جيمس ويلسون James Q. Wilson ـ المحاضر بجامعة هارفارد، والحاصل على أعلى الأوسمة الأميركية quot;الميدالية الرئاسية للحرية Presidential Medal of Freedom، وهي من أرفع الجوائز المدنية ـ المعنونة بـ quot;لماذا لا يحب اليهود المسيحيين الذين يحبونهم Why Don't Jews like the Christians Who like Them?quot;، نشرتها مجلة سيتي جورنالquot;City Journalquot; الأميركية، وتنطلق تلك الدراسة من أن المجموعتين اللتين تؤيدان إسرائيل في الولايات المتحدة هما: اليهود، والمسيحيين الإنجيليين والأصوليين. والدعم اليهودي لإسرائيل من السهل تفسيره، لكن الأمر المحير هو لماذا يدعم هؤلاء المسيحيون- أغلبهم من المحافظين- إسرائيل؟. وتشير الدراسة إلى لغز أخر تبلوره الدراسة في أنه على الرغم من هذا الموقف، فإن العديد من اليهود يكرهونهم. أما اللغز الثالث فيتمثل في أن هناك فصيل كبير من الأميركيين من أصل إفريقي معاد لإسرائيل واليهود، إلا أن الناخبين اليهود ينظرون إلى هؤلاء السود على أنهم حلفاؤهم الطبيعيون.
تأييد المسيحيون الإنجيليون لإسرائيل وكراهية اليهود لهم
وللتأكيد على تأييد المسيحيين الإنجيليين لإسرائيل أشارت الدراسة إلى استطلاع اُجري في عام 2006 يُظهر أن المسيحيين الإنجيليين لديهم ميول تجاه إسرائيل أكثر من باقي الأميركيين، وأنهم أيضاً أكثر تعاطفاً معها من المسيحيين البروتستانت والعلمانيين. وبحسب استطلاع أخر، اتضح أن الإنجيليين يدعمون سيطرة إسرائيل على القدس، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، كما يقفون إلى جانب إسرائيل في نزاعها مع الشرق الأوسط، أكثر من المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت والعلمانيين.
وتوضح الدراسة أنه على الرغم من حب المسيحيين الإنجيليين وتقديرهم للدولة اليهودية والشعب اليهودي، إلا أن اليهود في المقابل لا يبادلونهم نفس الشعور. فقد أفادت نتائج استطلاع بأن 42% من اليهود الذين شملهم الاستطلاع أعربوا عن عدائهم للإنجيليين والأصوليين. بينما توصل عالمان بكلية بارش Baruch Collegeإلى أن نحو 16% من الأميركيين عموماً لديهم نفس الشعور العدائي تجاه المسيحيين الأصوليين.
أسباب حب المحافظين لليهود
تكشف الدراسة أن السبب الرئيسي وراء حب المسيحيين المحافظين لليبراليين اليهود وتأييدهم لإسرائيل له جذور عميقة في معتقداتهم، فلدي الأصوليين البروتستانت تعاليم تسمى quot;التدبير الإلهيdispensationlism quot; وبحسب هذه التعاليم، التي ظهرت في انجلترا في بداية القرن التاسع عشر، فإن التاريخ الإنساني ما هو إلا سلسة من سبع فترات أو مراحل، والتي تعامل الله فيها مع الإنسان بشكل مختلف. الفترة الأولى هي ما قبل نزول آدم إلى الأرض والتي يعتبر عصر البراءةEra Of Innocence. والفترة الثانية هي من آدم إلى نوح وهي عصر الضميرEra Of Conscience. والثالثة هي الفترة من نوح إلى إبراهيم وهي عصر الحكومةEra Of Government. ثم الفترة الرابعة وهي من إبراهيم إلى موسى أي عصر النظام الأبوي Era Of Patriarchy. أما الفترة الخامسة فهي من موسى إلى عيسى وهي عصر الحكم الموسوي، ثم المرحلة السادسة وهي من عيسى حتى وقتنا هذا وهو عصر النعمة الإلهيةEra Of Grace ، وأخيرا تتمثل المرحلة السابعة في المرحلة التي سيعود فيها المسيح ليحكم العالم.
ويعتقد معتنقي هذه التعاليم ndash; quot;التدبير الإلهيquot; quot;dispensationlismquot; - أن اليهود هم شعب الله المختار. وعندما تأتي فترة حكم المسيح لابد أن يكون اليهود يعيشون في إسرائيل وعاصمتها القدس، حيث سيعود الهيكل للظهور في وقت معركة هرمجدونquot;rdquo;Armageddonrdquo;. فقبل وقوع هذه المعركة الأخيرة، فإن المسيخ الدجال سيظهر ربما في صورة رجل سلام. ويعتقد الأصوليون البروتستانت أن المسيخ الدجال سيخدع الناس ويحتل الهيكل وسيحكم باسم الله، ثم يُهزم في آخر الأمر على يد المسيح. لذا يعتقد الكثير من هؤلاء أن كيفية تعاملهم مع إسرائيل ستؤثر فعليا على مصيرهم الأبدي.
ومازال المسيحيون الأصوليون، وهم الصهاينة الأوائل، يؤيدون إسرائيل، لاعتقادهم بأنها ستكون المكان الذي سيعود فيه المسيح. ففي عام 1878، قام وليام بلاكستون William Blackstone المسيحي الأصولي ومؤلف كتاب quot;المسيح قادمquot; Jesus Is Coming بكتابة مذكرة تُطالب بإقامة دولة يهودية في فلسطين. وقد حصل بلاكستون Blackstone على توقيع أكثر من 400 مسيحي من بينهم رئيس المحكمة العليا جون روكفيلرJohn D.Rockefeller ، إلا أن الرئيس الامريكي بنيامين هاريسون Benjamin Harrison رفض المذكرة. وفي عام 1916 عاد بلاكستون Blackstoneوعرض المذكرة على الرئيس وودرو ويلسون Woodrow Wilson الذي كان أكثر تعاطفاً، والذي أيد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفورArthur Balfour عندما أصدر في عام 1917 وعده الشهير بإقامة وطن لليهود في فلسطين.
مصادر تأييد المسيحيين والإنجيليين لإسرائيل
وتوضح الدراسة أن القساوسة الإنجيليين والأصوليين يقومون بكل حماسة بتعزيز فكرة الموالاة ودعم إسرائيل.
فقد قاموا بتأييد إسرائيل من خلال ترانيمهم التي يتلونها في الكنيسة أكثر من البروتستانت والكاثوليك العاديين. ويوضح جيمس جث James Guth أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيرمان Furman University أن الإنجيليين الذين يحضرون إلى الكنيسة بانتظام ويسمعون تلك الترانيم، كانوا أكثر ميلاً إلى تأييد إسرائيل أكثر من قرنائهم الذين لا يحضرون بانتظام.
وفي الوقت نفسه، كانت هناك كتب مسيحية شعبية تقوي من موقف هؤلاء القساوسة. فعلى سبيل المثال احتوى كتاب quot;The Late Great Planet Earthquot; للكاتب هال ليندسيHal Lindsey ، على تعاليم quot;التدبير الإلهيquot;rdquo; dispensationlism والمراحل السبعة التي تتحدث عنها هذه التعاليم، كما شرح معركة هرمجدون Armageddon وقضية حماية اليهود وإسرائيل.
وهناك أيضا مصدراً ثالثاً لدعم إسرائيل وهو المنظمات الإنجيلية الموالية لإسرائيل والتي من بينها جسور من أجل السلام Bridges for Peace والسفارة المسيحية الدوليةthe International Christian Embassy Jerusalem، التي تأسست يوم 30 سبتمبر 1980 في القسم الغربي من مدينة القدس رداً على القرار الذي اتخذته ثلاث عشرة دولة آنذاك والقاضي بنقل سفاراتها من القدس إلى تل أبيب، ومؤتمر القيادة المسيحية القومي من أجل إسرائيلthe National Christian Leadership Conference for Israel.
وتنتقل الدراسة للحديث عن الجماعات البروتستانتية السائدة مثل المجلس القومي للكنائس the National Council of Churches ومجلس الشرق الأوسط للكنائسthe Middle East Council of Churches. وتقول الدراسة أن هذه الجماعات لها موقف مختلفة تماما تجاه إسرائيل. فعلى سبيل المثال رفض NCC تأييد إسرائيل في حرب الـستة أيام في عام 1967، وعلى الفور بدأت في معارضة التوسع الإسرائيلي عقب نصرها. وفي عام 2004 قررت الكنيسة البروتستانتية دراسة عرضاً لتحويل استثماراتها من الشركات التي تقيم نشاطاً اقتصادياً مع إسرائيل.
مناهضة البروتستانت لإسرائيل
أما السبب وراء مناهضة القادة البروتستانت العاديين لإسرائيل فيتمثل فيما يراه هؤلاء من القمع الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. وقد تلقى هؤلاء القادة تشجيعاً من أكاديميين أمريكيين مثل الكاتب نعوم تشومسكيNoam Chomsky ، ومن الصحافة الأوروبية أيضا مثل BBC و the Guardian و the Evening Standard و Le Monde. فجميعهم رفض بأشد العبارات ما تقوم به إسرائيل، عندما اقتحمت مخيم جنين للاجئين بدعوى القضاء على الإرهابيين المحصنين بالمخيم، وقتلها 52 فلسطينياً. والتي أطلق عليها الكاتب البريطاني A.N. Wilson اسم quot;المذبحةquot; وquot;الإبادة الجماعيةquot;.
وتنتقل الدراسة إلى توضيح لماذا تكره العديد من الجماعات اليهودية والناخبين اليهود حلفاءهم من المسيحيين الإنجيليين؟. فتقول أن اليهود الأرثوذكس يُرحبون بتأييد الإنجيليين بينما يعارضها اليهود المصلحون والعلمانيون. ومعظم اليهود هم ليبراليون سياسيون، ينتمون إلى الحزب الديمقراطي، ويهتمون بالقضايا الليبرالية بشكل عام. وفي المقابل، يميل الإنجيليين إلى أن يكونوا محافظون، حيث لا تمثل لهم السياسة أهمية مقارنة بمعتقداتهم الخاصة بـquot;التدبير الإلهيquot; quot; dispensationlismquot;.
أما الأميركيون السود فهم من أكثر الجماعات معاداة للسامية. ولكن ذلك التوجه لم يكن على طول الخط دائما، فقد كان هناك العديد من القادة السود الذين يؤيدون اليهود الأميركيين من أمثال دو بوا W.E.B. Du Bois ورالف بانشRalph Bunche. كما أيد السود تأسيس وإقامة دولة إسرائيل عام 1948. ولكن مع مرور الوقت واندلاع حرب 1967، بدأت هذه القيادات في التراجع عن تأييدها لليهود، وأصر المندوبون السود في أواخر الستينيات على تمرير قرار يُدين تلك quot;الحرب الامبريالية الصهيونيةquot;. والآن وبحسب نتائج مراكز الاقتراع، فإن نحو ثلث الأميركيين السود لديهم مواقف شديدة المعاداة للسامية. وكان القادة الأميركيون السود، وليس الإنجيليين، البيض هم من أطلقوا إشارات معادية للسامية.
وعلى الرغم من أن الناخبين الأميركيين السود ليبراليون، وغالباً ما يبتعدون عن حلفائهم اليهود، إلا أنه بالنسبة لليهود، فهم يعتبرون أن السود أصدقاء والإنجيليين أعداء، أيا كانت مواقفهم من اليهود وإسرائيل.
كراهية اليهود للمسيحيين الأصوليين
وهناك سبباً أخر أكثر عمقاً وراء كراهية اليهود للمسيحيين الأصوليين.
فعلى الرغم من أن الإنجيليين البروتستانت يؤيدون إسرائيل ويتعاطفون مع اليهود، فإنهم في عيون الليبراليين يعتبرون معادون للعناصر الأساسية للنظام الديمقراطي. فهم يعتقدون أن الولايات المتحدة قامت كأمة مسيحية، كما يشعرون بالقلق من ضياع القيم الأخلاقية. لذلك فالمسيحيين الأصوليين يسعون إلى فرض الأخلاق المحافظة وتغيير اتجاه البلد بحيث تجعلها تخضع لمشيئة الله، وفتح المدارس العامة التي تُعلم المعتقدات المسيحية، هذا بالإضافة إلى سعيهم للإطاحة بحقوق الأقليات.
وأيا كان السبب وراء عدم ثقة اليهود في الإنجيليين، فإن عليهم التضحية عندما يكون مستقبل إسرائيل وبقاؤها هو القضية الأهم. فنصف البروتستانتيين في الولايات المتحدة إنجيليين ويمثلون نحو ربع الشعب الامريكي كله. وفي المقابل، يمثل اليهود أقل من 2% من الأميركيين، وهذه النسبة ستقل، حيث إن أكثر من نصف اليهود يتزوجون من غير اليهود. وعندما يتعلق الأمر بمساعدة تأمين بقاء إسرائيل، فإن الأقلية اليهودية في أميركا يجب ألا ترفض المساعدة التي تعرضها جماعة أخرى أكبر من هذه الأقلية بـ 10 أضعاف. فليس هناك فائدة من تكرار ما قاله الصحفي الأميركي مينكن H.L. Mencken بأن المسيحيين الأصوليين quot;أغبياءquot; وquot;مغفلينquot;.
التعليقات