رشيد صوفي من دهوك: ما زالت الأحداث التي تعرض لها الأرمن أثناء حملة الإبادة التي شنتها ضدهم السلطات العثمانية في العشرينات من القرن الماضي عالقة في أذهان الكثيرين الذين هربوا من البطش وتفرقوا في بقاع الأرض، ومن هؤلاء من لجأ الى العراق، وأقام في حي quot;كيستةquot; أو quot;الحي الأرمنيquot; وسط مدينة زاخو الحدودية التابعة لمحافظة دهوك، نحو 400 كم شمال بغداد.

ومع مرور الزمن استوطن الأرمن تلك المنطقة وأصبحوا جزءا من تاريخها ونسيجها الاجتماعي رغم أن ذاكرتهم تغص بمئات المشاهد عن سنوات الهجرة والنزوح القسري. تلك المشاهد التي لم تبددها زياراتهم الى وطنهم الأم أرمينيا، بل إنهم باتوا عراقيين وبعضهم يربط مستقبلهم بإقليم كردستان العراق.

الاندماج مع المجتمع الجديد

يقول مراد نيسان، 95 سنة، في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;قتل الأرمن والاستحواذ على نسائهم وممتلكاتهم كانت عمليات يومية ينفذها العثمانيون ضد الآلاف من أبنائنا، وخوفنا على حياتنا وأسرتنا أضطر والدي إلى إشهار إسلامه. وبعد تمكنه من الهرب ووصوله إلى العراق عاد الى ممارسة طقوس ديانته المسيحية مرة أخرىquot;.

ويوضح مراد نيسان انه quot;خلال الأعوام 1915 ndash; 1917 بدأ الأرمن الموجودون في مناطق شرناخ، وان، وبدليس التركية باللجوء إلى زاخوquot;، مشيراً إلى أن أهالي المنطقة استقبلوهم وقدموا لهم الأمان والمساعدات.

ويقول نيسان إن quot;الأرمن النازحين استطاعوا أن يندمجوا مع أهالي المنطقة ويساهمون بفاعلية في الصناعات والمهن المحلية، خصوصاً صناعة الألبسة الكردية شل وشبكquot;.

شؤون وشجون الطائفة

ويعتبر حي كيستة، في زاخو، المركز الرئيسي للأرمن في محافظة دهوك. وهنا تجد كنيسة مريم العذراء للأرمن الأرثوذكس التي شيدت في عام 1923، واللجنة الإدارية لشؤون الطائفة الأرمنية، إضافة الى قريتين أرمنيتين هما quot;آفزروكquot; وquot;هوريزكquot; وقد أعيد بناؤهما خلال السنوات الأخيرة.

رئيس اللجنة الإدارية للطائفة الأرمنية إشخان ملكون سركيسيان يقول لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;المهام الرئيسية للجنة هي إدارة شؤون الطائفة من النواحي الاجتماعية والتربوية، والتنسيق مع الجهات الحكومية، وإدارة الأملاك التابعة للكنيسة الأرمينية، وأن اللجنة الإدارية تنتخب من قبل أبناء الطائفة الأرمنية كل أربعة أعوامquot;.

ويضيف سركيسيان أن quot;في عموم محافظة دهوك هناك نحو 380 عائلة أرمنية في يعمل أفرادها في التجارة والحرف اليدوية، ومنهم موظفون في الدوائر الحكوميةquot;.

ويشير رئيس اللجنة الإدارية للطائفة الأرمنية إلى أن وزارة التربية في حكومة إقليم كردستان العراق افتتحت ثلاث مدارس رسمية خاصة باللغة الأرمنية في المنطقة لتعليم أبناء الطائفة لغة الأم، إضافة إلى إقامة دورات خاصة لتعليم اللغة الأرمنية من قبل اللجنة الإدارية وهناك برامج إذاعية خاصة باللغة الأرمنية تبثها الإذاعة المحلية في زاخو.

ويضيف سركيسيان أن quot;اللجنة الأرمنية تعمل من اجل إقامة مركز ثقافي أرمني إلاّ أن العائق هو عدم وجود كوادر قادرة على أداء تلك المهمةquot;.

توطيد العلاقة بالوطن الأم

ويقول سركيسيان إن quot;علاقة الأرمن الرسمية بوطنهم الأم أرمينيا تتم من خلال الكنيسة الأرثوذوكسية الأرمنية في بغداد، إذ يتبع الأرمن القاطنون في إقليم كردستان العراق الكنيسة الرسولية الأرمنية الأرثوذوكسية الشرقية بأرمينيا، وغالباً ما تنحصر تلك العلاقة في الشؤون الكنسيةquot;، معتبراً أن quot;الأرمن في المنطقة جزء من النسيج الاجتماعي الكردستاني، وان مستقبلهم مرتبط بمستقبل إقليم كردستان والعراقquot;.

فازكين هارييك، 40 سنة، نجار يقول في حديثه لـquot;نيوزماتيكquot; إنه quot;يعمل على توثيق صلاته بالوطن الأم أرمينياquot;، مشيرا الى انه quot;في عام 2005 زار ارمينيا وتزوج هناك، وان زوجته تعيش معه في زاخو الآنquot;، موضحاً أن quot;هدف زواجه هو توطيد علاقة بوطنه الأم أرمينياquot;.

ويشير الى أن أعدادا من الشباب الأرمني تزوجوا من نساء أرمنيات في البلد الأم، كما أن عددا آخر زاروا أرمينيا للإقامة فيها لكن سوء الأوضاع الاقتصادية دفعهم الى العودة.

لكن هارييك يؤكد قائلا quot;لا أرغب في ترك مدينتي زاخو، فهي مسقط رأسي وأنا أعتبر نفسي كردياً أرمنياًquot;.

حقوق يضمنها الدستور

عضو برلمان إقليم كردستان العراق عن القائمة الكلدانية الأرمنية بايزار ملكو تقول لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;مسودة دستور إقليم كردستان أشارت إلى وجود الطائفة الأرمنية كأحد مكونات شعب إقليم كردستان العراق، لكن الدستور العراقي لم ينصف الأرمن إذ يشير إلى وجودهم كأقلية في العراقquot;.

وتعتقد بايزار ملكو بضرورة quot;إضافة اسم الطائفة الأرمنية في الدستور العراقي، إذ يوجد أكثر من 20 ألف أرمني في عموم العراقquot;.

وتقول ملكو إن quot;أعداداً كبيرة من العائلات الأرمنية هاجرت إلى البلدان الأوربية وأمريكا خلال التسعينيات من القرن الماضي بسبب الأوضاع الاقتصادية الأمر الذي أثر سلباً على الوجود الأرمني لجهة هروب الكفاءات العلمية والمهنيةquot;.

وأعربت ملكو quot;عن عدم إرتياحها لمحاولة البعض نشر أفكار متطرفة في العراق الأمر الذي يثير القلق بين الأقلياتquot;، مشيرة إلى أن quot;نحو 150 عائلة أرمنية نزحت من بغداد والموصل والبصرة إلى منطقة دهوك خوفاً من العنف والتطرفquot;.

وترى بايزار أن quot;مستقبل الأرمن مرتبط بتطور إقليم كردستان، فأي تطور اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي يحرزه الإقليم سينعكس على وضعهمquot;.

يذكر أنت بعض المصادر التاريخية ترجح وجود الأرمن في العراق إلى فترة ما قبل الميلاد حيث استقرت مجموعة من التجار الأرمن في بابل. وشهد الأرمن اكبر عملية نزوح جماعي إلى العراق بداية العشرينات من القرن الماضي اثر تعرضهم الى حملة إبادة من قبل السلطات التركية راحت ضحيتها أكثر من مليون شخص بحسب المصادر الأرمينية. ويقدر عدد الأرمن في العراق بأكثر من عشرين ألف شخص يقيمون في محافظات دهوك والموصل وبغداد وكركوك والبصرة.