الحرس الملكي الانكليزي : تقاليد عريقة بمظاهر احتفالية من القرون الماضية

صلاح حسن من لندن: يعتز الانكليز بتقاليدهم الثقافية والاجتماعية والسياسية خصوصا إلى درجة التقديس ويجعلون من هذه التقاليد مناسبات كثيرة لإبراز قيمهم الحضارية التي تضرب جذورها في عمق التاريخ. كما لا يفوتون الفرصة في استخدام هذه التقاليد في الإعلام للترويج عن منجزاتهم الثقافية التي تعود عليهم في النهاية بالشهرة والأموال عن طريق السياحة وجذب اكبر عدد من الناس من مختلف أنحاء العالم للاطلاع على تجاربهم في المجالات الثقافية والسياسية وبالتالي نقل تأثيرها إلى كل مكان.

في كل يوم يحصل جدل في البرلمان الانكليزي والصحافة حول هذه التقاليد التي تضر بسمعة بريطانيا كما يروج لذلك عدد من مريدي الحداثة في البرلمان وضرورة إلغاء بعض هذه المظاهر التي لم تعد تناسب القرن الواحد والعشرين. لكن الغلبة دائما تكون لصالح المحافظين الذين يرون في هذه التقاليد العظمة الحقيقية لتاريخ بريطانيا، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. في السنوات القليلة الماضية حدث نقاش مطول حول تقليد صيد الثعالب عن طريق الكلاب والفرسان دخلت فيه منظمات الدفاع عن حقوق الحيوان وشارك فيه بعض أعضاء البرلمان لكن النتيجة كانت معروفة سلفا ولم يصوت البرلمان ضد هذا التقليد وبالتالي أصبح الحديث عن إلغاء التقاليد شيئا شبه محرم.

من بين التقاليد الكثيرة التي تزخر بها بريطانيا وعلى الأصعدة كافة تقليد يصر البريطانيون على إبقائه على حاله مهما تغيرت الظروف، هذا التقليد هو الحرس الملكي الذي كان في السابق يحرس قصور الملكة وألان يقوم بدور سياحي تراثي بالقرب من مبنى الحكومة البريطانية. يتألف هذا الصنف من الحرس من مجموعة من الجنود الشبان الشقر بالتحديد يرتدون ملابس عسكرية ملونة خاصة بحراس القصر الملكي مع سيوفهم وحرابهم البراقة وخيولهم السوداء المدربة على كل شيء. يقف هؤلاء الجنود الشبان على يمين ويسار البوابة الكبيرة معتلين خيولهم بصرامة غير معهودة تسمى الانضباط لمدة ساعتين أو أكثر حتى تنتهي نوبة حراستهم. أنهم يعيدون إلى أذهان المشاهدين ما كان يجري في القرن السابع عشر من طقوس وعادات ذلك الزمن الذي لم يكن يستخدم فيه سوى السيف والحصان لحماية كل شيء يتعلق بالقصر الملكي.


تبديل دورة الحراسة لا يقل جمالا عن أداء دور مسرحي في وسط الشارع لمسرحية من ذلك الوقت تقدم بمنتهى الإتقان. أولا يسمع صوت الضابط الذي يأمر جنود النوبة بالتحرك من أماكنهم إعلانا بانتهاء نوبة حراستهم حيث يتحركون شاهرين سيوفهم اللامعة إلى الأعلى من اجل أن ينوب عنهم زملاؤهم متخذين الأماكن نفسها. يقوم الجنود بتأدية واجبهم بمنتهى الجدية وهم يؤدون تحية تسليم الدور إلى الآخرين يشعر معه المشاهد أنهم يقومون بتمثيل دور حقيقي من العصر الفكتوري. الخيول الطيعة بدورها تساعدهم على تسهيل القيام بكل هذه المهام دون أي فزع من كاميرات الجمهور الذي ينظر إلى هذه المشاهد بمتعة كبيرة توازي مشاهدة مسرحية لشكسبير.

يبدو أن الضابط في هذا الحرس يلعب اليوم دور المخرج في المسرح، اذ ما إن ينتهي دور تبديل نوبة الحراسة ويتفرق الجمهور الذي يتألف من السياح والمارة حتى يأمر من جديد وبعد مرور وقت قصير بإعادة اللعبة من جديد لاستقطاب المارة الذين يتجمعون بسرعة لمجرد رؤيتهم المشهد المسرحي وهو يتكرر مرة أخرى. هكذا تستمر اللعبة في الوقت الذي تتحصن فيه مباني الحكومة بأسيجة حديدية ضخمة ويقف خلفها رجال شرطة حقيقيون بكل عدتهم الحربية من الأسلحة الحديثة قريبا من هؤلاء الجنود وعلى مبعدة أمتار قليلة من مكانهم التراثي أو السياحي.


التقاليد الأخرى التي لا يراها الناس في الشوارع يمكن رؤيتها بالذهاب إلى الريف الانكليزي الذي يعد جنات حقيقية من الخضرة والأنهار وذلك الهدوء العجيب حيث الحقول بألوانها الخضراء البهيجة تتمدد تحت الشمس الخريفية الناعمة. التقاليد هناك في هذا الريف أكثر صرامة ويلعب العامل الديني والإيماني فيها دورا كبيرا حتى يشعر المرء انه في بلد أخر غير بريطانيا الجبارة صاحبة الصرعات الحديثة في كل شيء بدءا بالأزياء وانتهاء بأفكار ما بعد الحداثة.