بإمكانك أن تتحول إلى تربة صالحة لشجرة توت

رانية الاخضر من استوكهولم: مارغاريتا برغفال في قمة الحزن. تجلس على كرسيها الآلي في شقتها الصغيرة في دار العجزة الخاص في قلب العاصمة السويدية استوكهولم، وتتصفح مجلة للأطفال لأنها كما تقول تريد أن تعرف ماذا يقرأ احفادها في هذه الأيام. مارغاريتا تجاوزت سن الخامسة والسبعين، زوجها اولف توفاه الله قبل عشرة أشهر بسبب حادث سير مروع، ولكن جسده لم يدفن بعد، فهو محفوظ في ثلاجة في مدينة يونشوبينغ السويدية من اجل دفنه فيما بعد بطريقة بيئية. مارغاريتا تحضر نفسها هي ايضًا كي تدفن بعد مماتها بالطريقة ذاتها. فهي تريد ان تصبح شجيرة توت وزوجي سيصبح شجرة ثرو. هذه امنيتنا منذ اكثر من ثلاث سنوات لذا لم ادفنه بالطريقة المتعارف عليها وانتظر حتى توافق الدولة على اسلوب الدفن البيئي الجديد من أجل دفنه. وعندما اموت اريد ان أدفن بالطريقة نفسها ولا أريد ان يأكلني الدود ويتعفن جسدي تحت التراب.

مارغاريتا تحتضن صوة زوجها في دار العجزة
فبعد فرز النفايات حسب الاصول البيئية وبعد اعتماد اسلوب قيادة صديقة للبيئة، يأتي دور الدفن وفق الطرق البيئية. مشروع الدفن الجديد الذي عمره اربع سنوات لم تنفذه السويد الى الآن، فهو لا يزال فكرة على ورق وبحاجة إلى موافقة الحكومة عليه كما يتطلب تبني البلدية له من أجل تمويله خاصة وأنه يكلف بحدود المليونين دولار.

تشرح صاحبة المشروع سوزان ماساك ان الطريقة التي توصلت اليها بعد استشارات كثيرة مع اخصائيين،هي بيئية لم ينفذها احد من قبل. اذ يوضع الجسد اخل تابوت وينزل في غاز النيتروجين تحت درجة 196 تحت الصفر لتجميده. وبعد ذلك يتم هز التابوت بقوة بمساعدة ماكينات خاصة لتفتيته كليًا. وبعد ان يتفتت الجسد ويصبح كالبودرة يتحول الى تراب صالح للزرع. وتقول سوزان ماساك quot;هذا المشروع هو فكرة سويدية لا يوجد لها مثيل في أي دولة اخرى في العالم. فمنذ ان طرحت المشروع قبل اربع سنوات اتصل بي الكثيرون ممن أعجبتهم الفكرة ويودون ان يدفنوا اقربائهم وأن يوصوا بدفنهم حسب هذه الطريقة. ولكن لم نحصل على تصريح من الدولة بعد كي ننطلق ببناء المنشآت اللازمة للمشروعquot;.

تقول مارغاريتا برغفال انها قرأت عن المشروع في احدى الصحف المحلية وأعجبتها الفكرة التي ناقشتها مع زوجها الراحل quot;فقال لي اولف انه يريد ان يدفن بهذه الطريقة. كانت هذه آخر وصية تركها ليquot;. اولف الذي مات في حادث سير كان يعمل طبيبًا في السويد وفي دول اخرى كبريطانيا وفرنسا. تعرفت مارغاريتا عليه عندما كانا في سن المراهقة ومن ثم تزوجا وانجبا خمسة اطفال. مارغاريتا تحكي عن اجمل سنوات حياتها مع زوجها الراحل وتتمنى ان تلتحق به عما قريب. وتقول quot;كان يحبني كثيرًا وكنت اسافر معه الى دول كثيرة. انا الان لست نادمة على اي شيء في حياتي وجاهزة للموت. لقد شبعت من الحياة لأني عشت تجارب كثيرة فيها. اريد ان اذهب الى اولف فهذا الجسد لا قيمة له الان، لا توجد سوى الذكريات الطيبة والصور الجميلة التي احتفظ بهاquot;.

وتخفض رأسها مستحضرة بعض ذكرياتها ثم تقول quot;لا اعرف اذا خانني اولف، قد يكون فعل ذلك ولكن لست متأكدة من ذلك. على كل لا اهتم كثيرًا بهذا الامر خاصة اني عشت معه سنوات راحة كثيرة والان اريد ان احقق امنيته وادفنه بطريقة بيئيةquot;. تعبر مارغاريتا عن رغبتها الكبيرة بأن تدفن هي ايضا بالطريقة ذاتها لانها تشعر بالقرف من quot;الدود في القبر. لا اريد ان يتعفن جسدي تحت التراب. اريد ان التحم بالدائرة البيئية واعود الى الطبيعة التي اتيت منهاquot;.

يوجد حتى الان عشرة جثامين مثلجة تنتظر منذ مدة موافقة الدولة على المشروع الجديد. وهذه الجثث المثلجة موجودة في اماكن مختلفة من السويد ولكن حفظها في تلك الثلاجات الكبيرة لا يتم مجانًا بل مقابل ثمانية دولارات لليلة الواحدة.

وفي الأحوال العادية تجبر الدولة اهل الميت على دفنه خلال مدة لا تتجاوز الشهرين. ولكن يمكن تمديد تلك المدة في حالات استثنائية مثل حالة الدفن البيئي الذي لم يشهد النور بعد. وبسبب عدم انجاز المشروع حتى الان قررت مصلحة الضرائب التي تقع على عاتقها مسؤولية الدفن خلال شهرين منذ تاريخ الوفاة اجبار اهل المتوفين المثلجين بأن يتم دفنهم في مدة اقصاها مطلع العام المقبل. وتهدد مصلحة الضرائب بغرامات مالية وملاحقة قضائية في حال لم يتم الامر. هذا التهديد يشغل بال مارغاريتا التي تقول quot;لو اجبروني على دفن زوجي بالطريقة الكلاسيكية فسوف ابحث عن مكان اخر خارج البلاد لدفنه بطريقة بيئية. هذه امنيته واريد ان احققها له. وفي حال لم اجد مكانًا اخرًا لاحقق له وصيته سوف اشحن الجسد الى دولة اخرى واحفظه هناك بثلاجة خاصةquot;.

التعداد السكاني لشعب السويد تجاوز في العشر سنوات الاخيرة التسعة ملايين نسمة من بينهم ما يقارب المليون ونصف المليون فوق سن الخامسة والستين وهو سن التقاعد في هذه البلاد. في حال مرض الانسان ولم يستطيع خدمة نفسه يمكنه ترك منزله الى دور العجزة حيث تقدم الخدمات الصحية والاجتماعية بطريقة مدروسة. والى ان تتحقق أمنية مارغاريتا تبدو فكرة الدفن البيئي وكأنها آخر صيحات الموضة في عالم بيئي تطمح السويد الى تحقيقه بامتياز.