حكايا البيض المسلوق وخاتم الفضة والرفيس
أطفال الجزائر وصيام رمضان لأول مرة

كامل الشيرازي من الجزائر: تفضّل الكثير من العائلات الجزائرية حث أبنائها الصغار على صوم شهر رمضان، ويحبّذ الجزائريون إرجاء صيام أطفالهم إلى ما بعد الأول من رمضان، ويرتضون أن يكون الصوم الأول للولد أو البنت أواسط رمضان، لا سيما إذا تزامن ذلك مع السابع والعشرين من الشهر الفضيل، وتتمايز طرق احتفال العوائل الجزائرية بصيام أبنائها لأول مرة باختلاف تقاليد كل منطقة.
ويميل الأطفال في حماستهم لصيام رمضان إلى تقليد آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم، فيتخذون من الكبار نماذج تشجعه على مقاومة الجوع والعطش والانتصار عليهما حين سماع آذان الإفطار وليس قبل ذلك، ويبرز الاحتفال بالجزائر في كيفية quot;تصويمquot; الأطفال من عائلة إلى أخرى.
في عاصمة الجزائر وضواحيها، نجد ثمة عوائل من تشجع صغارها على الصوم ولو لنصف يوم، كخطوة لاكتشاف البراعم لعالم الصوم والتعوّد عليه تمهيدا لتمكينهم لاحقا من الإمساك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر والى غروب الشمس، وهناك من العوائل الأخرى من تحرص على تصويم أطفالها يوما بيوم، ليتمكّنوا من شحذ بطارياتهم والتحفز أكثر لمزيد من الصيام، كمنهجية لتعويدهم على الصوم.
وكانت الجزائر القديمة أيام زمان، تنفرد بتقليد بديع، حيث كان الجدّ يُمنح للطفلة والطفلة على حد سواء قففا كبيرة، ويتجوّل الأطفال بها في الأسواق والمحلات والأماكن العامة، وما إن يرى التجار تلك القفف حتى يدركون على الفور بأنّ صاحبها يصوم رمضان أول مرة، فيهيلون عليه المكارم، إلى حد تمتلئ فيه تلك القفف إلى حد لا يستطيع الأطفال حملها.
وفي منطقة القبائل الكبرى ومحافظاتها تيزي وزو، بجاية، البويرة وبومرداس، تولي الأمازيغ الأحرار اهتماما بالغا بأول يوم يصومه أطفالهم، ويتبّعون تقاليد مختلفة شيئا ما، حيث يصطحب كل أب طفله الصائم لأول مرة إلى بحيرة (تُعرف هناك بتسمية quot;الثالاquot;)، ومغزى اختيار البحيرة تحديدا يكمن في جعل صيام الطفل مثل جريان الماء المتدفق، بشكل لا يجعل الصوم على الطفل ثقيلا، ويقلّل من مشاقه، ويقضي العرف بين السكان المحليين بإفطار الطفل الصائم، بأن يأكل الأخير بيضة مسلوقة، بحيث يتناول صُفار البيضة فحسب.
في مناطق أخرى، تستبدل عوائل البحيرة بالحنفية، فيقوم الطفل الصائم بأكل صفار البيضة المسلوقة وفمه يعلو الحنفية ليكون صيامه بقية أيام الشهر المعظم يسيرا وخفيفا على نفسه كالماء.
في غرب الجزائر، تترك للأطفال حرية صوم أيام الشهر المبارك بحسب
قدرتهم وتحملّهم، ففي محافظة الشلف (220 كلم غرب)، يتم تصويم الطفل قبيل بلوغه التسع سنوات، واحتفالا بنجاحه في الصيام، يتمّ إكرامه ببذلة جديدة وقسط وفير من المال، فيما تجتهد ربّات البيوت في تحضير أصناف من الحلويات والمأكولات، وقبل أن يشرع الطفل الصائم في تناول طبق quot;الحريرةquot; الشهيرة، تقدم له والدته كأسا من الشربات المحضّر أساسا من الماء والقرفة والليمون وقليل من السكر وماء الزهر، وبداخل الكأس يوضع خاتم من الفضة، ليبّل به الطفل عروقه، فيما يوضع خام من الذهب للطفلة، قبل أن تنظّم في السهرة حفلة رمزية يشترك فيها جميع أفراد العائلة إكبارا للطفل وترغيبا له في مواصلة الصوم والصلاة ومختلف العبادات.
وبمحافظة تلمسان (700 كلم غرب)، يعتني الأعيان والعائلات الكبيرة بحدث صوم الطفل، فترتدي الطفلة لباس quot;الشدّةquot; التقليديquot;، فيما يُمنح للطفل برنوسا يليق بالمناسبة، ولا يختلف الأمر كثيرا في الأرياف والبلدات الجبلية، حيث تصعد العوائل بأطفالها الصائمين إلى سطح البيت وتقدم طبق quot;الرفيسquot; التقليدي، وهناك يتم تكريمهم بالهدايا، أما عن مغزى وضع الطفل الصائم في القمة، فيعود ذلك إلى رفعة الصوم وتسامي الصائم وارتقائه أعلى مراتب الصفاء الروحي.
وتعدّ ليلة السابع والعشرين من رمضان، فرصة يحبذها الجزائريون لطهارة أطفالهم، وعادة ما تُقام حفلات لهذا الغرض بالمساجد، كما أسطح المنازل، في طقس يُقبل عليه الأثرياء والفقراء على حد سواء، من باب التبرّك لدى عموم الجزائريين.