يصطدم الكثير من الشبان المهاجرين إلى أميركا بواقع صعب يختلف كثيرا عن الصورة التي رسموها في أذهانهم قبل الهجرة إلى quot;أرض الأحلامquot;، فقد يضطر الشاب العربي للعمل في شتى أنواع المهن بهدف توفير قوت يومه، بينما لا تستغرب إن وجدت في محطة البنزين طبيبا يملأ لك وقود سيارتك وإن سألته عن جنسيته فهي عربية.
واشنطن: السفر إلى أميركا حلم ما فتئ يداعب خيال الشباب العربي بكافة أطيافه، حلم اتخذ طرقا عديدة شرعية كانت أو غير ذلك بهدف واحد وهو الذهابإلى quot;أرض الأحلام والوعدquot;. بينما تجد في ذلك المكان أيضا شبابا يطمح إلى التخرج من الجامعات الأميركية والحصول على الشهادات التي تؤهله العمل في المجالات التي يتمنى أن يكون بها. ولكن هل كل ما يلمع ذهبا؟
كثيرون هم الشباب العرب الذين جاؤوا مهاجرين من أرضهم بقصد السفر لإكمال تعليمهم في أميركا والعودة للوطن بالشهادة أو الحصول على الشهادة والبقاء للحصول على عمل جيد، ولكن كثيرة هي المشاكل أو العقبات التي يواجهها الشباب مما يضطرهم أحيانا العمل بوظائف قد لا يقبل العمل بها فيما لو كان في بلده أو قد لا تليق به كإنسان حاصل على أعلى الدرجات والمؤهلات العلمية، ولكنه في النهاية يقبل مضطرا كي يعيل نفسه ويساعد في مصاريفه، فالحياة في أميركا على الرغم من جمالها إلا أنها في النهاية مكلفة.
يقول محمد 22 عاما من الأردن، طالب جامعي جاء إلى أميركا بهدف التعليم وإكمال دراسته الجامعية في السنة الثالثة ومتخصص في دراسة إدارة الأعمال في جامعة أوكلاهوما في مدينة نورمان أنه يدرس في الجامعة صباحا حتى العصر، ويرسل له والده النقود التي تكفي مصروفات الجامعة والسكن ويضيف:quot; ولكن الحياة هنا متطلباتها كثيرة لذلك اتجهت مؤخرا للعمل في إحدى محطات الوقود والحصول على مبلغ ليس كبيرا ولكنه يساعد قليلا في المصروف quot; ثم يضيف قائلا :quot; لا أستطيع في أماكن أخرى كون الفيزة التي لدي هي فيزة طالب وهي لا تخولني للعمل، بلفقط للدراسة، كما أن عملي في المحطة يكون من الساعة 6 مساء حتى 12 بعد منتصف الليل وهذا مناسب لي.quot;
أما شاكر 50 عاما وهو عربي - أميركي من أصل لبناني له قصة وهدف مختلفان فقد جاء إلى أميركا في أوائل الثمانينات للإستقرار والعملفي مهنة الطب،واستقر به الحال في مدينة تلسا في ولاية أوكلاهوما وبعد فترة وجهد لم يستطع معادلة الشهادة التي لديه بعد أن كانطبيبا متمرسا لمدة 10 سنوات في دول الخليج. ولم يستطع اجتياز الإمتحان المخصص للأطباء فما كان منهإلا أن عمل في بدايته في محطة بنزين كي يستطيع تعلم اللغة ومن ثم استثمر ما لديه من مال في شراء محطة بنزين التي هو المالك لها.
يقول شاكر:quot; كان طموحي الهجرة والحصول على جنسية أخرى تساعدنا في سهولة التنقل والعيش من دون تعقيدات وعندما جاءت الفرصة لم أتوان أنا وزوجتي، فعندما حضرنا كان الوضع في لبنان سيئا جدا ولكن لم أستطع العودة للوطن الأم أو العودة لدول الخليج وكان لابد من الإختيار. واخترنا البقاء وضحيت بكل شيء. نعم لست طبيبا الآن ولكن لدي محطة بنزين والآن أنا بصدد شراء واحدة أخرى وأعيش حياة كريمة مع زوجتي وأبنائي.quot;
ويشير سامر سعيد 19عاما،من أصل فلسطيني وجاء مهاجرا مع عائلته قبل 5 سنوات من الأردن وهو طالب في السنة الأولى في جامعة شمال تكساس ويسكن في مدينة دينتون في ولاية تكساس الأميركية، إلى أن غلاء الحياة والمصارف هي ما يدفع الشباب للقبول بوظائف لا تلبي طموحهم وحتى أن الأجور متدنية جدا، وخصوصا بعد دخول الأزمة المالية والتي أثرت كثيرافي مختلف أمور الحياة في أميركا فالأجور متدنية، وساعات العمل أقل وزيادة البطالة، كلها عوامل ساهمت في ذلك بالإضافة إلى أن الأسرة أحيانا لا تستطيع توفير كل المستلزمات الجامعية وحتى رسوم الجامعة لذلك يضطر الطلاب القبول بالعمل في محطات الوقود والتي تعد من الأعمال الخطرة أحيانا وخصوصا في الليل.
فيقول: quot;أعمل في محطة بنزين كي أساعد نفسي فالمصاريف كثيرة كما وأسعار البنزين مرتفعة جدا فكان لابد من الحصول على عمل حتى لو لم يرض طموحي فهو عمل موقت فقط ليساعدني في المصاريف وأحصل على 8 دولارات في الساعة ليست بالكثيرة ولكنها تساعد قليلاquot;.
في المقابل كان لخليل العراقي 40 عاما قصة مختلفة حيث جاء خليل من العراق لأميركا إبان الحرب ليستقر في ولاية ميشغان الأميركية والتي يقطنها مئات العراقيين حيث جاء خليل بطريقة غير شرعية ولم يحصل على أوراق ثبوتية وهو الحاصل على شهادة جامعية من العراق من جامعة بغداد في الهندسة المعمارية، وكونه حتى الأن لم يكمل جميع أوراقه بالإضافة إلى اللغة التي لا يتقنها جيدا قبل العمل في محطات البنزين في المدن العربية كونه لن يكون تحت المساءلة. فيقول:quot; أعمل في محطة بنزين حوالي ثماني ساعات يوميا وأحيانا أكثر وآخذ أجرا ليس كثيرا ولكنه يساعدني وعائلتي، فقد جئنا قبل 8 سنوات إبان الحرب على العراق بمساعدة بعض الأقارب وها أنا منذ ذلك الحين وأنا أعمل في محطة البنزين هذه التي يمتلكها أحد الأصدقاء من العراقيين كي أستطيع أن أعيل نفسي وعائلتيquot;.
ويؤكد خليل أن اللغة عائق كبير أمام الشباب القادم من الدول العربية للعمل هنا وصعوبة معادلة الشهادات وعدم قبول شهادات جامعية صادرة من دول أخرى هو ما يجعل الشباب يتجه للعمل في هذه الوظائف، فيقول:quot; أنا كنت أعمل مهندسا في العراق ولكن الآن أنا عامل في محطة بنزين لماذا ؟؟؟ أولا كون لغتي الإنكليزية ليست قوية، ثم أميركا لم تقبل شهادتي الصادرة من العراق وحتى لو أردت أن أعيد دراستي في الجامعة، هنا تكاليف الدراسة باهظة جدا ثم ليس لدي أوراق حتى الآن. إذن فعلي أن أصمت وأقبل ما جاد الله به عليّquot;.
ولاتختلف رواية خليل عن محسن عطية 35 عاما مصري الجنسية يحمل مؤهلا ويعيش في ولاية نيويورك الأميركية ويعمل في محطة بنزين لرجل عربي -أميركي من أصول مصرية تزوج من امرأة أميركية وله منها طفلان فيقول محدثا:quot; أعمل في هذه المحطة منذ زمن طويل وأجري ليس سيئا هو جيد والحمد الله أعمل ما يقارب 8 ساعات يوميا وربما أحيانا أكثر. والعمل في محطات البنزين فيه خطورة كثيرة أحيانا وخصوصا في الليل ولكن ماذا نفعل فهو رزقنا الذي قسم لناquot;.
ومحسن لديه شهادة بكالوريوس في التجارة من جامعة عين شمس في مصر جاء مهاجرا إلى أميركا كي يكمل حلمه بالحصول على الماجستير والاستقرار، فيقول أميركا كانت بالنسةإلي الحلم الذي من خلاله أستطيع الحصول على حياة كريمة لم أحصل عليها في بلدي. فعلى الرغم من أنني أعمل عاملا في محطة بنزين إلا أنني أعيش بكرامة واحصل على دخل جيد يعيلني وزوجتي، وأولادي يذهبون إلى المدارسquot;.
في نهاية المطاف نتوقف لنقول إن مهنة العمل في محطة بنزين هي مهنة متواضعة وليست وضيعة وعلى الرغم من الإحترام الذي نكنّه لكل من يعمل في هذه المهنة وكل المهن، إلا أننا أمام تساؤل كبير ما الذي يجعل هؤلاء الشبابيقبلون بالعمل في مهنة قد لا ترضي طموحهم المهني مضحّين بشهاداتهم التعليمية وخاصة أن لديهم أرقى وأرفع الدرجات التعليمية مقابل البقاء في أميركا. أين يكمن الخلل؟؟
التعليقات