ذهبت المنتخبات العربية إلى الصين وكلها تحلم بأن تكون هي اليونان, وحين سقط المنتخب السعودي اليوم (الاثنين) أمام العراق تحول إلى تقمص الحلم البرتغالي وكان العراق هو من تقمص دور اليونان. أحلام المنتخب السعودي التي تحطمت على صخرة منتخب عراقي يشبه طائر الفينق الخارج من الرماد والحرائق كان تأثيرها سريعا حيث وضع رأس الهولندي جيرارد فان دير تحت المقصلة وهو الذي كان يطمح إلى الحصول على لقب رابع للمنتخب السعودي في نهائيات آسيا في الصين بعد ألقاب سنوات 1984و 1988 و1996.
كبرياء المنتخب السعودي المهدور كان أكبر من أن يعيده إقالة مدربه الهولندي, لذلك فإن أعضاء الطاقم الفني للمنتخب كلهم عادوا من الصين مباشرة إلى منازلهم بعد الهزيمة المفاجئة أمام المنتخب العراقي بهدفين لهدف واحد.
المدربون الأجانب يحلمون بالذهاب إلى الخليج ويعتبرون المنطقة دجاجة تبيض ذهبا, لكنهم يتناسون أن ضريبة هذا الحلم أكبر من الحلم نفسه, فالمنتخبات العربية تعول كثيرا على كبريائها الكروي, لذلك فإن رؤوس المدربين تتساقط كما يتساقط التفاح الأخضر من الأغصان بداية الصيف. ففي العالم أجمع هناك شيء اسمه "الحلم الخليجي" وكل مدرب مهما علا اسمه في بورصة التدريب يتوق إلى اليوم الذي يحمله البساط السحري إلى هذه الأرض التي يتوقعونها أرض الأحلام لتحقيق النجاح المادي أولا, ثم المجد الكروي والمهني ثانيا.
المنتخب السعودي يخرج لأول مرة في تاريخه منذ الدور الأول لنهائيات آسيا, فهو كان دائما يحقق نبوءة المنتخب اليوناني حتى قبل أن تحلم اليونان يوما بأنها ستصبح درسا للمنتخبات الطموحة, لذلك فإن هذا الخروج القاسي لمنتخب يحمل في جعبته ثلاثة ألقاب آسيوية ومبارتين نهائيتين كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر المدرب الهولندي فان دير الذي تولى المسؤولية قبل سنتين وجاء رحيله بشكل لا يرضاه أحد لنفسه.
إعفاء الطاقم الفني للمنتخب السعودي بعد الخسارة أمام العراق جاءت مقرونة بالاعتذار الذي قدمه إلى السعوديين المسؤولون عن قطاع الرياضة في البلاد, والاعتذار لا يكون إلا عندما تكون الهزيمة مقرونة بالتقصير في أشياء كثيرة, في اللعب, في الحماس, في القتالية, وفي الهزيمة أمام منتخب اعتقد الناس أن لاعبيه هربوا من القنابل في بغداد وجاؤوا إلى الصين للاحتماء بسورها العظيم من دبابات أمريكا ونيران المقاومة.
السعوديون عولوا كثيرا على مباراة اليوم من أجل ما أسمته صحف سعودية "إعادة الهيبة" إلى الكرة السعودية, فجاءت الخسارة حاملة معها انتكاسة سيكون من الصعب التغلب عليها على المدى القريب.
مدرب المنتخب القطري فيليب تروسيه الذي ذهب هو أيضا إلى الصين وفي جعبته الحلم اليوناني كان أفضل حظا مادام أنه تدارك مصيره قبل أيام وأعلن أنه سيترك المنتخب مباشرة بعد عودته من الصين, وبذلك يكون مثل المحتضر الذي أعد كفنه بيده بعد إحساسه بدنو الأجل, وكان الأجل محتوما حين خرجت قطر بدورها من النهائيات وأصبح تروسيه مثل كل المشاجب وعلقت عليه كل الأخطاء وقالت فيه الصحف القطرية ما لم يقله مالك في الخمر.
الأحلام الكثيرة للمنتخبات العربية في الصين نقصت درجتين, وفي حال إخفاق منتخبات عربية أخرى فإن العرب لم يكونوا جديين في طلب الكأس ولو في الصين, وقبل كل ذلك فإن الملحمة اليونانية ماتزال مخيمة على سماء بلاد المليار نسمة, والجميع ينتظرون من يكون هذا اليونان الآسيوي.