حقيبة سفر ..
إستكشاف إنساني بالغ الروعة عبر بوابة الرياضة!

عـلي ريـاح



لم نعرف أدب الرحلات الرياضي ـ إن جازتْ هذه التسمية ، في موروثنا الإعلامي الموغل في التخصص الرياضي دون سواه ، حتى فاجأنا الكاتب الرياضي الكبير صفاء العبد بهذه الرحلة الرياضية بكل تجلياتها الإنسانية ، عبر

صفاء العبد
بلاد الله ، وعبر الزمن .. ليضع أولى خلاصات تجاربه في هذا الميدان بين دفتي كتاب أنيق حمل إسم (حقيبة سفر) ..
وحين تدرك ما لزميلنا الناقد المهم من إسهام يثري تاريخ إعلامنا الرياضي، وما يتمتع به من مكانة تأسست على أرضية من الدأب المستمر بحثًا عن الحقيقة التي عودنا على أن يشهرها بقلمه القشيب، ستجد حتمًا تلك الإجابات التي ستدور في ذهنك عن أي سؤال، أهمها ما إذا كان صاحب حقيبة السفر هذه قد أجرى عملية حسابية جمع بمقتضاها قصاصات كل ما وجده في حياته ورحلاته وهو الصحافي الرياضي الذي قيّض له أن يكون شاهدًا على الكثير والمهم من أحداث الرياضية ..
على أن مضمون الكتب لا يساوي حاصل الجمع هذا بمعناه الرقمي .. إنما هو حصيلة ثقافية اجتماعية موسوعية ابتعدت كثيرًا عن ملاعب الرياضة لتنتج مثل هذه المقاربة مع مفردات الحياة بمعناها الشمولي الذي وجد صفاء العبد أنه المعنى الأبقى .. فهو لا يصف السباق الرياضي بتفصيلاته أو خباياه كما قد يتبادر إلى الذهن ، بل يسلط ضوءًا إنسانيًا كثيفًا على كل مكان حلَّ فيه وتعايش معه بكل فضوله الإيجابي وحواسه المتحفزة!
في ديباجة الكتاب يقول المؤلف: ( كنت أتمنى أن أمتلك رقمًا محددًا لعدد الكيلومترات أو الأميال التي قطعتها في رحلاتي تلك، لكنني استطيع أن أقول إنني أمضيت نحو (350) ساعة في السماء على متن الطائرات التي كانت تنقلني من بلد إلى آخر لأخرج بالتالي بهذه الحصيلة من المشاهدات والانطباعات والمواقف التي صادفتني، وهي في الواقع ليست الحصيلة كلها وإنما البعض منها، وبعضها الآخر يمكن أن أتناوله في جزء آخر من الكتاب بعد حين ) ..
قد نجد فيما يعدنا به الزميل العبد استكمالا لمشروع صحفي بالغ الضرورة سبق الجميع إليه ، لكننا لا نملك إلا أن نغبطه على هذه القدرة العالية في الكتابة الصعبة التي تشكل أدب الرحلات .. حين كنت أتجول معه في بلاد الله خلق الله على رأي أستاذ هذا الأدب أنيس منصور ، كنت أعود بالزمن سنوات بعيدة لأستذكر تلك النوادر التي أبدعها منصور ومنها (حول العالم في 200 يوم) .. ففي الهند تجد لدى صفاء العبد قدرة فذة على التقاط كل صورة .. وفي تايلاند تتأكد معه أن للعبادة والمعابد طقوسًا أخرى غير التي عرفناها أو قرأنا عنها... والى فرنسا يطير بك ليضعك في بلاد الأحلام والنظام ، وليقنعك بأن باريس مدينة تعيش هاجس الماضي بروح المستقبل وحضارته ورقيه وتطوره ..وتدور الدول والمدن أمام ناظريك فتزداد التصاقًا بتلك النبرة الإنسانية الشفيفة التي ينقل فيها صفاء العبد كل ما يعيشه أو يراه .. وتطوى الأرض ، كوريا الجنوبية مرورًا بالدانمارك وهولنداوبنما فالمكسيك ، ثم يأخذك الفضول إلى ايطاليا ..
عرفت زميلنا صفاء العبد على مدى ثلاثين سنة ، أستاذًا في كتابة العمود الرياضي ، وفي التحليل الكروي ، وعرفته مؤسسًا للكلمة المحترمة المنطقية في كل معالجاته الرياضية ، وهو أمر يقر به كل من قرأ له أو عرفه
غلاف الكتاب
أو زامله أو تتلمذ على يديه .. لكنني أعترف بأن (حقيبة سفر) انعطافة يفخر وسيفخر بها أي مشتغل في الإعلام الرياضي العراقي والعربي .. انعطافة تؤكد أن في مناخنا الإعلامي ظواهر إعلامية رائعة قادرة على محاكاة الحس الإنساني ، في الرياضة وفي غير الرياضة ..
صفاء العبد بكتابه الذي صدرت طبعته الأولى في الدوحة ، وأتمنى من قلب مخلص أن تصدر طبعته القادمة في بغداد ، ينتشل الإعلام الرياضي من وصمة السطحية أو حتى السذاجة في منتوج كثير من أنصاف الكتاب وأرباع المواهب ممن انتسبوا للإعلام الرياضي وأوحوا للناس بأن هذا الإعلام لا يمكن تجاوز ذلك السقف الذي يتحدث فيه ـ بلغة ناشفة ـ عن الفوز والخسارة !