روما: لم يحتج باولو روسّي لأكثر من أربع ساعات لينصّب نفسه على عرش كرة القدم العالمية، وبطلا لايطاليا التي قادها إلى الفوز بكاس العالم 1982 في اسبانيا، وهو اللقب الاول لها بعد الحرب العالمية الثانية.

ففي 241 دقيقة بين 5 و11 تموز/يوليو 1982، أحدث ضجة في تاريخ الكرة في بلده باهدافه الستة التي سجلها والتي جعلت منه أحد اقوى الهدافين الذين عرفتهم الكرة الايطالية، وصارت حناجر ابناء بلده كلها تنادي باسمه.

اكتشفه مسؤولو يوفنتوس في أحد الفرق الصغيرة في ضواحي مدينة فلورنسا، فلم يفوّتوا الفرصة وضمّوه بسرعة إلى النادي بعد العروض التي قدّمها والمستوى الجيد الذي اظهره مبشّرا بقدوم هداف من الطراز الرفيع.

غير أن انتقال روسي إلى يوفنتوس لم يكن موفقا، وسرعان ما تحوّل الحلم إلى كابوس، فأصيب بكسر في المعصم، ثم خضع لثلاث عمليات جراحية في الغضروف ليجد نفسه في صيف عام 1975 على لائحة اللاعبين الذين يريد النادي التخلص منهم.

وأخيرا تمت إعارته إلى نادي كومو الذي لعب معه اول مباراة في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1975. وكما كانت البداية غير موفقة في هذه المباراة التي خسرها، كان كذلك الموسم الذي قضى معظم اوقاته في عيادة الفريق.

وفي صيف العام التالي، تم تحويله الى نادي فيتشنتسا المتواضع الذي يلعب ضمن أندية الدرجة الثانية.

تفجّر الموهبة

بعيدا عن أضواء الدوري وجاذبيته، تفجّرت مواهب روسي وسجل 21 هدفا في الموسم 1976-1977، وسمح لفريقه بالصعود الى دوري الاضواء.

في الموسم التالي، قاد فريقه إلى المركز الثاني خلف يوفنتوس محدثا المفاجأة، بل وتوّج هدافا للبطولة برصيد 24 هدفا متقدما على ألمع النجوم.

لم يكن غريبا أن يستدعيه مدرب المنتخب الايطالي إنزو بيرزوت الى التشكيلة في 21 كانون الاول/ديسمبر 1977.

خاض أوّل مباراة دولية امام بلجيكا في لياج، ثم شارك في مونديال الارجنتين 1978، وتمكّن من تسجيل ثلاثة اهداف.

كما بدأ نجمه يلمع بفضل تميّزه واللعب البسيط الذي يمارسه معتمدا على فعاليته والسرعة في التنفيذ.

وبعد هذه العروض التي قدمها في المونديال، صار روسي حديث الصحافة في ايطاليا وارتفع سعره في السوق بشكل كبير.

لكن بعد فشله في انقاذ فريقه فيتشنتسا من الهبوط إلى الدرجة الثانية في الموسم 1978-1979، طلب النادي مبلغ 5 مليارات ليرة مقابل التخلي عنه وهو ثمن عجز حتى يوفنتوس عن تسديده.

تجدّدت قصّة هداف إيطاليا مع الاعارات وانتقل الى بيروجيا وهنا بدأت رحلته نحو الجحيم.

الجحيم

في شباط /فبراير 1980، اندلعت الفضيحة المعروفة باسم "توتونيرو" الخاصة بالمراهنات الرياضية التي تورطت فيها شركتان وأحد اكبر المراهنين، ما جعل الدوري الايطالي يمرّ باخطر ازمة في تاريخه.

كان من بين الأندية المتهمة بالتواطؤ بترتيب النتائج في هذه القضية ميلان الذي تم اسقاطه الى الدرجة الثانية.

أما من بين اللاعبين، فبرز اسم نجم روما الصاعد برونو جوردانو والحارس الدولي السابق انريكو ألبيرتوزي وباولو روسي الذي اتهم بتوّرطه في ترتيب نتيجة مباراة فريقه ضد أفيلينو في 30 كانون الاول/ديسمبر 1979.

تمّت معاقبته بالابعاد لمدة ثلاثة اعوام، ثم خُفّضت العقوبة إلى سنتين بعد الاستئناف.

قال روسي مدافعا عن نفسه: "كان يجب أن يدفع الثمن شخص مهم، وفهمت بسرعة انني الضحية التي تم تعيينها... كنت كبش فداء لمنع أزمة أخطر وأعمق".

وفي سن الرابعة والعشرين، وجد نجم ايطاليا نفسه في بطالة قسرية، وكان المكان الوحيد الذي يمكن أن يلعب فيه هو بلد غير عضو في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

كان البلد انذاك هو جنوب افريقيا. وبرغم الاغراءات المادية الكبيرة التي عرضت عليه إلا أنه رفض الفكرة أساسا وبقي لمدّة سنتين بعيدا عن الملاعب وعن انظار الجمهور الايطالي الذي اعتبره بريئا من كل التهم.

وفي صيف عام 1981، عرض يوفنتوس مليارات الليرات لشراء روسي من فيتشنتسا، وهو ما تم فعلا، لكن روسي غيّر ألوان الفريق دون أن يحملها، ولم يلعب الا قبل نهاية الدوري بثلاث مباريات في 18 نيسان/ابريل 1982.

العودة

برغم ذلك، قرّر بيرزوت ضمّ روسي الذي بدأ مسيرته كجناح قبل أن يتحوّل الى رأس حربة، إلى المنتخب الذي سيشارك في مونديال اسبانيا.

وهنا يعترف هداف ايطاليا بفضل مدرب المنتخب عليه حيث قال "أدين له بالكثير".

وفي مباراة الدور الاول أمام البيرو، أبدل بيرزوت روسي لكنه همس له في اذنه "لا تقلق، اخرجتك لأن الاجواء غير لائقة، لكن حضّر نفسك لبقية المشوار، سوف تلعب".

وفعلا لعب روسي 241 دقيقة وكأنه في الاحلام، وبعد ان أدى المنتخب الايطالي دوراً أول هزيلا لم يستطع ان يحقق خلاله اكثر من ثلاثة تعادلات امام البيرو (1-1) والكاميرون (1-1) وبولندا (صفر-صفر)، وتحقيق فوز باهت على الارجنتين في الدور الثاني (2-1)، واجه زملاء الحارس العملاق دينو زوف في المباراة الثانية من هذا الدور منتخب الاحلام البرازيلي بقيادة زيكو، احد اقوى المرشحين للفوز باللقب.

وفي الدقيقة الخامسة من هذا اللقاء، فتح أنتونيو كابريني اللعب باتجاه منطقة المنتخب البرازيلي وتلقى روسي الكرة وتابعها برأسه مسجلا الهدف الاول، ثم ادركت البرازيل التعادل في الدقيقة 12 عبر سقراطيس.

وفي الدقيقة 25، خطف روسي كرة اثر خطأ دفاعي وسدّدها باليمنى قوية مسجلا الهدف الثاني، لكن المنتخب البرازيلي ادرك التعادل منتصف الشوط الثاني عبر فالكاو.

وفي الدقيقة 75 ومن كرة من ركنية فشل الدفاع البرازيلي في ابعادها، سدد ماركو تارديلّي بقوة، ووسط المدافعين تلقى روسي الكرة وتابعها داخل الشباك، مسجلا هدفه الثالث الذي قضى به على احلام البرازيل (3-2)، ونصّب نفسه ملكا على التشكيلة الايطالية ورمزا لجماهير بلاده.

واصل روسي تألقه في مباراة الدور نصف النهائي أمام بولندا (2-صفر)، وسجّل الهدفين وأهل منتخب بلاده الى المباراة النهائية أمام ألمانيا الغريبة.

وعلى ملعب سانتياغو برنابيو في العاصمة مدريد، وفي الدقيقة 56 من هذا النهائي وبعد أن اهدر كابريني ركلة جزاء، رفع كلاوديو جنتيلي كرة نحو المرمى الالماني مرّت أمام أليساندرو ألتوبيلي ثم أمام كابريني، إلا أن روسي قابلها بضربة رأس رائعة مسجلا هدف ايطاليا الاول، وهدفه السادس في هذا المونديال فحمل لقب الهداف بعد أن حسمت بلاده النهائي 3-1.

هكذا وفي ظرف 241 دقيقة، ومن سبع لمسات للكرة صار "بابليتو" حديث الشارع الرياضي، ووسائل الاعلام المحلية والعالمية، والأهم من ذلك قلب كل التكهنات وأهدى بلده كأسا عالمية غالية على نفوس الايطاليين.

بعد المونديال ونيله جائزة الكرة الذهبية في 1982، شكّل ثلاثيا رائعا في يوفنتوس مع الفرنسي ميشال بلاتيني والبولندي زبيغنييف بونييك، توّجه باحراز كأس اوروبا للاندية البطلة 1985.

لم يستطع المحافظة على مستواه وتنقل بين ميلان وفيرونا، فاعتزال بسن 31 عاما مسجلا 154 هدفا في 400 مباراة في الدوري و20 هدفا لايطاليا في 48 مباراة دولية. عمل كمحلل تلفزيوني، قبل أن يفارق الحياة في كانون الاول/ديسمبر عن 64 عاما.