لوزان: دفعت الرياضة الروسية ثمن التنشط الممنهج لدولتها بالغياب عن أولمبيادي طوكيو الصيفي العام المقبل وبكين الشتوي عام 2022، بعد قرار محكمة التحكيم الرياضية الخميس في لوزان، في آخر فصل من الملحمة المستمرة منذ فترة طويلة.

وقلص القضاة الثلاثة الذين عينتهم أعلى محكمة رياضية في العام، إلى النصف عقوبة الاستبعاد لأربع سنوات التي اقترحتها الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات ("وادا") العام الماضي، في حين منحت الفرصة أمام الرياضيين الروس الذين لم يسبق معاقبتهم بسبب تناول المنشطات، للمشاركة تحت علم محايد.

واعترف القضاة في قرارهم بأن "عواقب" الغش الروسي أي التزوير على نطاق واسع لبيانات مختبر موسكو لمكافحة المنشطات "ليست بالأهمية التي كانت تأمل فيها الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات".

ولتبرير تساهلهم، قال القضاة إنهم "أخذوا في الاعتبار مسائل تناسبية العقوبات، وعلى وجه الخصوص، الحاجة إلى تعزيز تغيير الثقافة وتشجيع الجيل القادم من الرياضيين الروس على المشاركة في رياضة دولية نظيفة".

باختصار، تمت حماية الرياضيين إلى حد كبير من العقوبة الجماعية التي طالبت بها وادا والتي تضمنت في البداية ثلاث نسخ من الألعاب الأولمبية، حتى الأولمبياد الصيفي في باريس 2024، ما قد يؤدي إلى نهاية مسيرة العديد منهم.

وفي حال ظل الاستبعاد سارياً حتى 16 كانون الأول/ديسمبر 2022، فإن آثاره على كأس العالم التي ستنتهي في قطر بعد يومين من ذلك التاريخ لم تتضح بعد: يمكن للرياضيين الروس بالتأكيد التنافس تحت راية محايدة، لكن البيان الصحافي للمحكمة لا يوضح كيف يمكن تطبيق هذا التسامح على الرياضات الجماعية.

من جهة أخرى، أمرت المحكمة الوكالة الروسية لمكافحة المنشطات ("روسادا")، بدفع 1,27 مليون دولار لوادا لتعويض الخبرات التي قامت بها منذ كانون الثاني/يناير 2019 بشأن تزوير بيانات مختبر موسكو.

وكانت وادا خصصت ما يقرب من 4 ملايين دولار في عامي 2015 و2016 في تحقيقين آخرين حول المنشطات المؤسساتية في روسيا، لا سيما بشأن الغش الذي حدث خلال الأولمبياد الشتوي عام 2014 في سوتشي بمساعدة الأجهزة السرية الروسية.

- ترحيب "وادا" -

ورحبت "وادا" بقرار المحكمة، وقال رئيسها ويتولد بانكا في بيان إن "الوكالة سعيدة بفوزها بهذه القضية التاريخية".

واضاف ان المحكمة "أكدت بوضوح استنتاجاتنا بأن السلطات الروسية تلاعبت بوقاحة وبشكل غير قانوني ببيانات مختبر موسكو للتغطية على برنامج منشطات ممنهج".

ومع ذلك أعرب بانكا عن "خيبة أمله" لأن المحكمة لم تصادق على توصية وادا باستبعاد روسيا لمدة أربع سنوات.

وجاء قرار المحكمة الذي طال انتظاره، بعد جلسات استماع استمرت لمدة أربعة أيام بين "وادا" و"روسادا" في مكان سري الشهر الماضي.

ووقعت المواجهة أمام ثلاثة قضاة في محكمة التحكيم الرياضية في أعقاب مجموعة من العقوبات التي اقترحتها وادا في كانون الأول/ديسمبر 2019 ورفضتها روسادا، بسبب التلاعب ببيانات فحوص المنشطات في مختبر موسكو للفترة بين 2011 و2015.

وكان الكشف الكامل عن البيانات شرطا رئيسيا لإعادة روسيا الى كنف العائلة الدولية من قبل "وادا" في أيلول/سبتمبر 2018 بعد حظر دام قرابة ثلاثة أعوام على خلفية الكشف عن برنامج واسع النطاق لدعم التنشط بإشراف الدولة بين العامين 2011 و2015.

واعتبرت "وادا" أن البيانات التي تم تسليمها كانت مليئة بالمشاكل، واصفة إياها بأنها "ليست كاملة أو ليس موثوقا بها تماما"، مشيرة الى أن المئات من النتائج التحليلية قد أزيلت، بينما تم حذف البيانات الأولية والملفات.

وفي حين أن بعض النتائج قد حذفت في 2016 أو 2017، بعد انكشاف فضيحة التنشط، أزيلت معلومات أخرى في كانون الأول/ديسمبر 2018 أو كانون الثاني/يناير من هذا العام، أي قبيل تسليم البيانات إلى "وادا".

هذا الخلاف الذي لا مثيل له في تاريخ العدالة الرياضية، اكتسى أهمية للرياضيين الروس المهددين بالغياب عن المسابقات الدولية، ووادا التي بذلت جهودا استقصائية غير مسبوقة، والعالم الرياضي واللجنة الأولمبية الدولية في المقام الأول، قبل سبعة أشهر من انطلاق أولمبياد طوكيو.

وطالبت وادا باستبعاد الرياضيين الروس لمدة أربع سنوات ما يعني غيابهم عن دورة أولمبياد طوكيو وكأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر والأولمبياد الشتوية 2022 في الصين والصيفي 2024 في باريس.

وكان رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ أعلن في كانون الثاني/يناير الماضي أن لجنته والاتحادات الدولية بحاجة إلى قرار محكمة التحكيم الرياضية "الذي لا يترك مجالا للتأويل".

ودعا باخ "كاس" إلى اتخاذ قرار دون غموض "لأنه إذا كان هناك مجال للتفسير، يمكن أن يكون لدى الاتحادات الدولية قراءات مختلفة وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حيرة تامة".

وحدّدت وادا نوعين من التلاعب: حذف آثار نتائج إيجابية لفحوصات منشطات، ودس رسائل ملفقة وزائفة في قاعدة بيانات أساسية بين تشرين الثاني/نوفمبر 2018 وكانون الثاني/يناير 2019، وذلك في محاولة لدعم نظرية أن المدير السابق لمختبر موسكو غريغوري رودتشنكوف الذي كان خلف الشرارة الاولى للكشف عن فضيحة التنشط الممنهج، قد أدخل، واثنين من نوابه، بيانات زائفة في النظام كجزء من مؤامرة ابتزاز.

- "ضرب الرؤوس" -

وتعود القضية إلى عام 2010، وتتعلق بالأجهزة السرية ووزارة الرياضة الروسية، وأثارت التوترات بين موسكو والهيئات الرياضية التي يُنظر إليها على أنها أدوات للهيمنة الغربية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن في تشرين الأول/أكتوبر الماضي "نحن نمنع، بوسائل غير رياضية جدا، رياضيينا من تحقيق النجاح الذي يستحقونه"، مضيفا "أنتم تعرفون ما يقوله المدربون في هذه الحالات: عندما تلعب خارج القواعد، لا يجب أن تئن بل تضرب الرؤوس بقوة أكبر من الخصم".

قبل عشر سنوات، نبَّهت عداءة المسافات المتوسطة الروسية يوليا ستيبانوفا وزوجها فيتالي، المراقب السابق في "روسادا"، وادا إلى تعاطي المنشطات بشكل مؤسساتي في روسيا، وانتهى بهما الأمر بالكشف عن ذلك في حديث لقناة "أيه آر دي" الألمانية والتي كان قد بثت في كانون الأول/ديسمبر 2014 سلسلة من الأفلام الوثائقية المؤلمة.

تحولت الفضيحة إلى رواية تجسس عندما اعترف رودتشنكوف الذي أجبر على الاستقالة من مختبر موسكو ولجأ إلى الولايات المتحدة، في ربيع 2016 بالتدبير ولسنوات طويلة، التستر على تنشط الرياضيين الروس بالتنسيق مع وزارة الرياضة التي كان يقودها فيتالي موتكو المقرب من بوتين.

ولتضليل مراقبي وادا في أولمبياد 2014 في سوتشي، أوضح رودتشنكوف أن التلاعب كان يحصل ليلا داخل مبنى شغله خبراء مكافحة المنشطات من جميع أنحاء العالم. كانت العينات "أ" المقرر تحليلها فورا، تمرر من ثقب بين غرفة وأخرى حيث يتواجد رودتشنكوف صاحب اليد الخفيفة. أما العينات "ب" المقرر حفظها أو فتحها في حال وجود أي نتائج مشبوهة للعينة "أ"، فكانت تستبدل من قبل عملاء جهاز الامن الفدرالي ببول "نظيف" مخزن مسبقا بحسب شهادته التي وثقت في تقرير ماكلارين ثم تقرير شميدت الذي طلبته اللجنة الاولمبية الدولية.