بمسيرةٍ فنيَّةٍ هائلةٍ تربو عن الستين عامًا، وبأكثر من أربعمائة أغنية في رصيده الثري، يعدُّ الفنان، محمد العماري، (71 عامًا) أب الأغنية الجزائريَّة، وظاهرة فارقة في سمائها الزاخرة بكوكبة طويلة من الأعمدة المتألقين على غرار الراحلين يوسف وهبي، ومحمد العنقي، وبلاوي الهواري وغيرهم.


الجزائر: وُلد محمد العماري في السابع من يونيو/حزيران 1939 بالجزائر العاصمة، بدأ يغني وهو لم يكد يجاوز التسع سنوات، حيث أطرب الفتى الجزائري الصغير مواطنيه في أواخر أربعينيات القرن الماضي برائعة quot;رانا هناquot; (نحن هنا)، وأتبعها بعشرات الأغاني في ظرف محلي سياسي صعب كانت ترزح الجزائر فيه تحت نير الاحتلال.

وبروحه المرحة وتواضعه الشديد، يستعيد quot;العم محمدquot; مثلما يحلو لعشاقه مناداته، ذكريات أيام الشباب الأوَّل، إذ يعتبر العماري أنَّ صعوده إلى الخشبة قبل 62 عامًا، quot;مثَّل تحديًا لفرنسا وإمعانها في محاولة محو هوية وكينونة الذات الجزائريَّةquot;.

وتسلَّق العماري سريعا سلَّم المجد، واستطاع ابن حي القصبة العريق وسط العاصمة، أنّْ يصنع لنفسه إسمًا بعد استقلال الجزائر في الخامس من يوليو/تموز 1962، عبر مجموعة منوَّعة من الأغنيات العاطفيَّة، كما اشتهر بروحه الوطنيَّة من خلال أغانيه الخالدة quot;جزايريَّةquot;، quot;هاذي بلاديquot;، فضلاً عن التصاقه الشديد بقضايا التَّحرر والإنسانيَّة من خلال أغنيتي quot;فلسطينquot; وquot;الفيتنامquot;، إضافة إلى تعلقه الجارف بالقارة السمراء quot;إفريقياquot;، وهو ما عبَّر عنه من خلال الديو الذي جمعه بالفنانة الإفريقيَّة الراحلة، ميريام ماكيبا، وتأديتهما رائعتي quot;أفريكا هي هوايquot; وquot;أنا حرَّة في الجزائرquot;.

واقترن العماري دومًا بـquot;الغناء الملتزم و النضاليquot;، واشتغل مع عديد الملحنين الكبار أمثال السوري، تيسير عقلة، والجزائريين الأمين بشيشي، وبلاوي الهواري، وحداد الجيلالي، وحُظي العماري أيضًا بعددٍ غير قليل من التكريمات والجوائز خلال جولاته المكوكيَّة الَّتي قادته إلى أدغال إفريقيا السوداء، وتجواله في أزيد من ثمانين مناسبة بين أوروبا، آسيا، وأميركا اللاتينيَّة.

ويصف الأستاذ، عبد الكريم تازروت، الذي تتبّع مسيرة العماري عن قرب، الأخير بـquot;المعجزةquot;، مبرزًا أنَّ هذا الاسم اللامع في الأغنية الجزائريَّة لا يزال محافظًا على شبابه وجمال أدائه، علىالرغم من تخطيه العقد السابع، تمامًا مثل بقاء رنته الصوتيَّة عذبة وحنجرته قويَّة تأسر قلوب الهائمين بفن العماري وأغانيه الهادئة الموحية.

وينقل تازروت في السيرة الذاتيَّة quot;محمد العماري: صوت القصبة الصادحquot;، جوانب حميميَّة ومكنونات شخصيَّة مؤثرَّة بأسلوب فني عصري يزاوج بين الحركة والصوت والأحاسيس، ما مكَّنه من نقل فنه باقتدار إلى الأجيال الجديدة، مسلحًا بروحه الشبابيَّة المتوثبة.

من جهته، يقول الأستاذ quot;عاشور شرفيquot; أنَّ الأغنية الجزائريَّة شهدت ثورةً حقيقيَّةً على يد العماري، إذ تميَّز عن سائر الفنانين الجزائريين بسرعة حركاته فوق الركح، وقصَّة شعره وأزيائه الفنيَّة الفريدة وطريقة غنائه وحضوره فوق الخشبة.

ولا يحب العماري البتة سماع كلمة quot;اعتزالquot;، إذ يشدِّد على أنَّه لن يعتزل الغناء الذي يسري في دمه، حيث يعتبر، من يُكنى بـquot;وحش الخشبةquot;، نفسه quot;شخصًا بلا روحquot; في حال لم يغني ويتلاحم مع جماهيره الوفية.