شهد العام 2011 وفاة الفنانين اللبنانيين محمود مبسوط، وكريم أبو شقرا، والموسيقار وليد غلمية، الذين رحلوا تاركين خلفهم إرثًا ثقافيًّا عريقًا للأجيال القادمة، وأعمالاً مازالت خالدة في أذهان الكثيرين.


بيروت: مما لا شك فيه أنَّ العام 2011 كان عام التَّحولات الجذريَّة والمحوريَّة في العالم العربي، الذي شهد العديد من الأحداث الَّتي غيَّرت أنظمته، وقلبت موازينه، ووإتَّجهت به نحو ولادة شرق أوسط جديد، كما شهد الكثير من حالات الوفاة بين فنانيه، الذين أغنوا الثقافة والفن والذاكرة العربيَّة بأعمالهم وميراثهم على مدى أعوام قدَّموا خلالها الكثير، فلبنانيًّا توفي الفنان محمود مبسوط المعروف بـquot;فهمانquot;، والفنانة كريم أبو شقرا، والموسيقار وليد غلمية، كما طالت إشاعات الوفاة العديد من الفنانين نذكر منهم السيِّدة صباح، وماجدة الرومي، ومارسيل خليفة.

محمود مبسوط - فهمان
غيَّب الموت فجر الخامس والعشرين من شهر يوليو الماضي، الممثِّل الشَّعبي اللبناني، محمود مبسوط، المعروف بquot;فهمانquot;، بعدما هوى على خشبة المسرح، مسدلاً السِّتارة على مسيرة فنِّيَّةٍ كان خلالها أحد رموز الكوميديا الشَّعبيَّة اللبنانيَّة، ومصدر الضحكة على وجوه اللبنانين في العديد من المراحل الصعبة الَّتي رزحوا تحتها.

وارتبط اسمه مع زميله وصديقه الممثِّل، صلاح تيزاني، بمسلسل quot;أبو سليمquot; الإجتماعي الفكاهي الذي كان يعرضه quot;تلفزيون لبنانquot; الرَّسمي في السِّتينات والسَّبعينات من القرن الفائت، وطبعت ذاكرة جيل تلك المرحلة، وقدَّم مبسوط مع تيزاني برنامجًا على القناة السَّابعة في quot;تلفزيون لبنانquot;، وفي العام 1962 ولدت شخصيَّة quot;فهمانquot; الَّتي لازمته حتَّى آخر أيَّامه، وquot;فهمانquot; شخصيَّة هزليَّة تميَّزت بالمقالب المضحكة والكذب الأبيض، وضروب الإحتيال غير المؤذية، ومنذ تأديته هذه الشَّخصيَّة بات محمود مبسوط أحد نجوم الشَّاشة الصغيرة اللبنانيَّة، ولازم ذاكرة جيلٍ بكامله، واشتهر عن الراحل أنَّه لا يحفظ أدواره بل يرتجل على الخشبة وأمام الكاميرا.

وعمل مبسوط مع الأخوين الرَّحباني في quot;سفر برلكquot; (1967)، وquot;بنت الحارسquot; (1971)، وأطلَّ تحت إشرافهما في مسلسل من quot;يوم ليومquot; في العام 1972، كما شارك في أكثر من 30 فيلمًا تحت إدارة مخرجين لبنانين وعرب من بينهم هنري بركات، وعاطف الطيب، وسمير حبشي، وبرهان علوية، وشارك كذلك في نحو 25 مسرحيَّة، وفي العام 2001 أسَّس فرقة quot;طقش فقشquot; الَّتي تقدِّم لوحات كوميديَّة وتجول في القرى اللبنانيَّة محييةً المهرجانات والأعراس.

كريم أبو شقرا
كما رحل في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي الفنان اللبناني كريم أبو شقرا، بعد أيَّامٍ من إحتفاله بعيده الـ67، وهو الذي عرف بأدواره الكوميديَّة وإسكتشاته السَّاخرة من وضع البلد، وذلك بعدما إبتعد عن الفن منذ سنوات بسبب معاناته مع مرض السكري الذي أدَّى إلى بتر ساقه وأجلسه في الفراش في آخر أيَّامه.

ولد كريم أبو شقرا في 21 نوفمبر من العام 1944 في كفر عمي في منطقة عاليه، شارك الفنانة صباح بطولة العديد من الأفلام والمسرحيَّات كـquot;أيَّام اللولوquot;، وquot;كنز الأسطورةquot;، وquot;نوسي نوسيquot;، وهو الذي ظهرت موهبته في مسرحيَّات مقتبسة لموليير مع مجموعة من الأصدقاء منذ الصغر، كما أسَّس فرقة quot;وشاح الأرزquot; في عاليه الَّتي عرضت مسرحيَّة quot;الآباء والبنونquot; لميخائيل نعيمة، وفي أواخر السِّتينيات، اختاره quot;محترف بيروت للمسرحquot; لتجسيد ست شخصيَّات مختلفة في مسرحيَّة quot;إضراب الحراميةquot; للمخرج روجيه عسَّاف، وشارك أيضًا في مسرحيَّات مع جلال خوري، ويعقوب الشدراوي، وميشال نبعة، ومنها quot;مرجان وياقوت والتفاحةquot;، وquot;lsquo;يزاquot;، وquot;جحا في القرى الأماميَّةquot;، وquot;رفيق سجعانquot;، وquot;قبضايquot;، وquot;الستارةquot;.

أثناء الحرب اللبنانيَّة، قرَّر أبو شقرا أنّْ يتَّجه إلى الشانسونييه، حيث انتقد السياسيين والمتحكمين بمصير البلد والشَّعب بطريقةٍ ساخرةٍ، وهي المسرحيَّات الَّتي وجدت قبولاً لدى اللبنانيين، ونجحت في زرع الإبتسامة على وجهوهم والأمل في قلوبهم في تلك الأوقات الصعبة، ومن هذه الأعمال quot;الصلح سيد الحكامquot;، وquot;خلوا للصلح مطرحquot;، وquot;خوازيقquot;، وquot;جندرما يا شبابquot;، وquot;نوسي نوسيquot;، وquot;طبش الباب وفلquot;، وغيرها.

كما له مشاركات في التلفزيون من خلال quot;عازف الليلquot; وquot;حول غرفتيquot;، مع الراحلة هند أبي اللمع، كما قدَّم اسكتشات انتقاديَّة على تلفزيون لبنان في 170 حلقة من quot;كاريكاتور كريم أبو شقراquot;، كما صوَّر العديد من الأفلام السينمائيَّة نذكر منها quot;المرمورةquot; (1985)، quot;أيَّام اللولوquot; (1986)، وquot;أنا الرادارquot; (1988)، وquot;كريم أبو شقرا في خدمة العلمquot; (1994)، وquot;سمك بلا حسكquot;، وquot;شيطان الجزيرةquot;، وquot;ساعي البريدquot;، وquot;قطط شارع الحمراءquot;، وquot;غزلانquot;، وquot;سارق الملايينquot;.

وليد غلمية
أمَّا يوم السَّابع من يونيو الماضي فقد شهد وفاة المؤلف الموسيقي اللبناني ورئيس المعهد الوطني للموسيقى، الدكتور وليد غلمية، عن 73 عامًا بعد صراعٍ طويلٍ مع المرض، وذلك في مستشفى الجامعة الأميركيَّة حيث كان يعالج، تاركًا وراءه إرثًا تستفيد منه أجيال وأجيال، وكان غلمية قائد الأوركسترا السيمفونيَّة اللبنانيَّة الذي شاء أنّْ يحوِّلها إلى الأوركسترا الفيلهارمونيَّة اللبنانيَّة في العام 2009.

ولد غلمية في مرجعيون في جنوب لبنان في العام 1938، ودرس الموسيقى في السَّادسة من عمره، ثمَّ إنتقل إلى بيروت لمتابعة دراسته، وبعدها غادر إلى الولايات المتَّحدة الأميركية لينال فيها شهادة الدكتوراه فـي الموسيقى، وبدأ التَّأليف الموسيقي في الـ25 من عمره، ولديه أعمال موسيقيَّة عدَّة غنائيَّة وتصويريَّة وأوركستراليَّة لمسرحيَّاتٍ وأفلامٍ، وكان لا يزال يشغل عند وفاته منصب رئيس الكونسرفاتوار الوطني العالي للموسيقى منذ العام 1991، وعندما نذكر غلمية، يتبادر إلى الذهن مهرجانات بعلبك، وقيادة أوركسترا السيِّدة فيروز، ومجموعة من الألحان، ومسؤوليَّات عديدة في منظمة اليونسكو.