دمشق:quot;شخصياً أنا لا آخذ كلامهم على محمل الجد ولا أصدقهم، لأنهم ممثلون يؤدون الدور المطلوب منهم و يقبضون الثمنquot; هكذا علق الطالب السوري طارق عند سؤاله عن مدى رضاه عن الفنان السوري وتصريحاته إزاء ما تمر به سوريا من أحداث، وفي تعليقه جملة تعيد للأذهان عودة الممثل السوري إلى دائرة (المشخصاتي) الضيقة رغم محاولاته في البروز إلى دائرة الفنان الأوسع والتي تتطلب أشياء أكبر لكن الأحداث الأخيرة وضعته على المحك هذه المرة ودفعته (الثورة) أو(الحراك الشعبي) إلى فوهة الحدث فبات عليه أن يدفع فاتورة النجاح والشهرة والنجومية وأن يلعب دور المحلل السياسي.

جميع الناس بدأت تتأثر وكان من الطبيعي أن يحتل نجوم السينما والفن مساحة كبيرة من الاهتمام الشعبي والإعلامي، وكغيرهم من أبناء البلد وبعد عدة أيام من بداية الأزمة، خرج الفنانون السوريون عن صمتهم ليتحدث بسام كوسا، وبعده النجم عابد فهد، معبرين عن رأيهم وردات فعلهم كأي مواطن سوري يحب بلده، فعبر كل بطريقته، والكثير من الفنانين الكبار انطلقوا من أمام مبنى نقابة الفنانين بمسيرة يؤيدون فيها سورية وقائدها منهم تولاي هارون، وباسل خياط، وفراس إبراهيم، وفادية خطاب، والقائمة تطول.

ولأن كل فنان يعبر بطريقته سواءً بمواقف ميدانية كما فعل كل من الفنان نضال سيجري، وباسم ياخور، إضافة إلى المخرج الليث حجو، توجهوا إلى محافظة اللاذقية وقاموا بتهدئة الناس، كما زار وفد من النجوم quot;دوماquot; وقاموا بتعزية أهالي الشهداء، وشارك الفنان مصطفى الخاني، في جولة شملت عدداً من المحافظات السورية، وقام بزيارة عائلات الشهداء، والتقى بالطلاب من مختلف الأعمار وتحاور معهم حول الحملة التي تتعرض لها سوريا.

وكان عدد من الفنانين قد أصدروا بيانات متناقضة حول مواقفهم من الأحداث الدائرة في سورية، منهم وفيق الزعيم، ومها المصري، ورئيسة نقابة الفنانين فاديا خطاب، الذين توجهوا لزيارة الجنود المصابين في مستشفى تشرين، حيث وجهت شتائم لهم، وطلب الطاقم الطبي منهم مغادرة المستشفى فوراً بحسب ما ذكرته بعض المواقع، والكف عن ممارسة quot;الإنسانية المزيفة التي يحاولون إقناع الناس بهاquot;، كما شدد بعض الأطباء على أن هؤلاء الفنانين quot;لا يمثلون إلا أنفسهمquot;.
وفي المقابل ثمة شريحة واسعة من مشاهير الفنانين السوريين عبّرت عن دعمها وتضامنها مع أطفال المدن التي دخلها الجيش، منهم الفنانة مي سكاف، و منى واصف، وكذلك كندة علوش، ويارا صبري، وماهر صليبي، والمخرجة رشا شربتجي، ابنة المخرج هشام شربتجي الذي اتخذ موقفاً مغايراً،.
ولأن الدراما السورية تعتبر رائدة في الدراما العربية، لما قدمت من مسلسلات تاريخية، واجتماعية، ووطنية، جسدت فيها قيم الشعب العربي والمسلم في العزة والكرامة، وعدم الصبر على الضيم، والوحدة ضد الأعداء، والتمرد على الظلم والقهر، والثورة على الفساد والاستبداد. وعلى المستوى المحلي والوطني برزت فيها معاني الرجولة والشهامة والإباء، ورفض الذل والهوان، ومعاني البطولة، والتضحية، والفداء ضد المحتل، وأعوانه، فقد أنشأ عدد من الجمهور قائمة عار على موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) تصدرها الفنانون السوريين ووصل عدد مشتركيهم إلى أكثر من 16000 مشترك حتى لحظة كتابة المقال، وطالبوا المصريين من خلالها بعدم توفير فرص عمل للفنانين المؤيدين للنظام في مصر، وحظر دخول الفنانين السوريين الذين وردت أسماءهم في quot;قائمة العارquot;.
ومن هؤلاء الممثل الكوميدي السوري الأشهر دريد لحام، الذي كان قد أعلن تأييده المطلق للرئيس بشار الأسد، مشدداً على ان مهمة الجيش حماية الشعب وتوفير الأمن والاستقرار وليس محاربة إسرائيل، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة في صفوف المعارضين للنظام السوري، كما تضم اللائحة الممثلة صفاء سلطان التي جسدت شخصية المطربة المصرية ليلى مراد في مسلسل quot;قلبي دليليquot;.
وثبت بالأدلة القاطعة تخبط الفنانين السوريين وتشرذمهم وعدم أهليتهم للخوض في القضايا السياسية فقد تبادلت الاتهامات الشنيعة والتي وصلت إلى حد التخوين بمجرد مخالفة أحدهم للآخر، وهذا دليل على عدم قدرة الفنان على تحمل المسؤولية في الأزمات الوطنية، ويمكننا القول بأن معظم نجومنا غدوا نيازك مطفأة وجازت عليهم الفاتحة.
بعد كل هذا، بدأ الكثير من الناس بالرد على النجوم حتى قبل أن يتكلموا أو يصرحوا ليعتبروهم في البداية خائفين ومترددين لا يجرؤون على التصريح برأيهم، وبعد أن بدأت التصريحات كانت التعليقات على الفيس بوك وغيره بأنهم، خَونة أو جبناء أو متملقون، فمن قال إنه مع الحرية أصبح خائناً، ومن قال أنه مع النظام فهو متملق، ومن وجد أن الصمت هو الأفضل وصف بالجبان.

ورغم محاولات لمّ شمل صنّاع الدراما السورية، إلا أنّ الحال تزداد سوءاً. ومن بين تلك المحاولات مبادرة قام بها رئيس حركة laquo;فلسطين حرةraquo; ياسر قشلق، إذ جمع الأسبوع الماضي عدداً من نجوم الدراما السورية بغية إجراء حوار وطني ولكن الجلسة التي أقيمت في أحد فنادق دمشق، لم تؤدّ إلى المصالحة بل انقلبت جدالاً وبدأت أجواء التوتر عندما اعترضت مي سكاف على كلمة قشلق الذي رأى أنّ الثورة المصرية مجرد انقلاب.
وكانت نهاية هذا اللقاء مرافعة نارية قدّمتها سكاف أمام وسائل الإعلام قبل أن تغادر القاعة.
تصريح الممثلة السورية ،انتشر منذ أيام على موقع laquo;يوتيوبraquo; بعنوان laquo;تصريح مي سكاف حول الحوار الوطني السوري للفنانينraquo; وتصدرت سكاف حينها قائمة الشرف السورية.

في الحالة السورية ليس هناك موقف يماثل موقف المطربة السورية أصالة نصري من حيث الجرأة والشجاعة في مناصرة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها بلادها، ففي رسالتها المعنونة quot;إلى ثوار سورياquot; قالت أصالة إنها ترفض السفر إلى سوريا للمشاركة مع الفنانين السوريين في rdquo; تمثيليات rdquo; لدعم نظام بشار الأسد ثم أضافت في الرسالة ذاتها التي نشرت الكترونياً.

وفي سياق قريب تداولت المواقع الالكترونية خبراً عن إعلان ميادة الحناوي انضمامها إلى الثوار في سورية ومهاجمة الرئيس بشار الأسد على خلفية تصريحاتها في المؤتمر الذي عقد لها في المغرب على هامش مهرجان laquo;موازين إيقاعات العالمraquo;. وقد تم تفسير ما قالته الفنانة السورية بطريقة خاطئة، إذ صرحت بأنها مع الإصلاح والحوار الهادئ وتلبية مطالب الشعب المحقة بعيدا عن استخدام العنف والإرهاب.

وبعد أن كان المشاهد العربي يجد صعوبة في ترك جهاز التحكم عن بعد في شهر رمضان من كل عام، ليتنقل بين القنوات العربية التي تتنافس في ما بينها لاجتذاب اهتمامه، ويختار واحداً من بين مسلسلات رمضان التي اعتادت أن تسيطر على شاشات التلفزيون، لتأتي الثورات العربية وتغير مفهوم الاهتمام التلفزيوني.

وقال أحمد طالب هندسة لـquot;لإيلافquot; بأنه لا يعتقد بأن عربياً أو سورياً شريفاً سيشاهد مسلسلات هؤلاء الفنانين السمجة بعد اليوم، ويرى بأن الشرفاء من الفنانين والمثقفين السوريين يعدون على أصابع اليد الواحدة وأصالة نصري سوف يمجدها التاريخ وأنا أول من سوف يتغنى بموقفهاquot;.
وقال سليم صاحب محل quot;الفنانات السوريات معذورات لأن كل فنانة سورية من المطربات والممثلات لا يمكن أن تقف على رجليها إلا بعد أن تزور المخابرات مرات عدة ليعلمونها دروس البعثيين وإن كان جميلة فتحظى بمكانة أكبر وتصبح مدللة، وهذا معروف في كل المدن السوريةquot;.


فيما ذهبت رانيا إلى عدم قبولها بتخوين الفنانين السوريين ولا تجريحهم وشتمهم بطريقة لا تمت للأخلاق بصلة عبر quot;غروباتquot; تضم مئات الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأشارت يارا وهي صحفية بأننا جميعنا سورية وفنانو سورية صنعوا الكثير لبلدنا، فمن العار أن نعاملهم بهذه الطريقة، ورداً على كل تعليق مسيء وكلمة ليست في مكانها ورداً على quot;قائمة العار السوريةquot; التي وضعت نجوم سورية وشرفائها فيها، أطلب بتفعيل صفحة على quot;الفيس بوكquot; وتحويلها إلى صفحة quot;الغار السوريةquot; لنؤكد للجميع أن شعب سورية الحر وفنانيها غار على رؤوس الجميع.
وأضاف جمال quot;بأي حق تجرّحون الناس وبأي صفة تخوّنونهم؟ من منحكم سلطة القاضي لتفرزوا الناس كما تشاؤون؟ من يطالب بالحرية يجب أن يبدأ بنفسه ويحترم حرية الآخرين دون أن يتهم من يعارضه الرأي بالخائنquot;.
وقال سليمان أن quot;كلام الفنانين يلهمه ولكن كل إنسان مثقف وواعي فهم حجم المؤامرة على بلدنا الحبيب سورياquot;.

وأشار ريدي صيدلاني بأن الممثل لا ينبغي أن يؤخذ برأيه كمثقف، فهو لن يزيد شيئا، فمثلا لو كان الماغوط حياً لما شكل وجود دريد لحام ورأيه أي ردة فعل مقابل رأي الماغوط. وبالمجمل ما كان ينتظره الناس من معظم الممثلين هو موقفهم الإنساني أكثر من الأخذ بتشخيصهم للحالة بعمق أبعادها لأن معظمهم ليسوا أسيادا إلا على النصوص الجاهزة والمعدة مسبقا !.

الفنان ليس شخصا عاديا لما يقدم من بطولات ويجسد من فكر وقيم، فإما أن يرفع نفسه ليكون عملاقاً، أو يهبط بها ليتحول إلى قزم في حلقة سيرك ،وربما كانت الثورة حلم المثقفين والفنانين والكتّاب ولكن لا ريب أن الممثل العربي أمسى في وضع لا يحسد عليه لدرجة أن كثيرين تمنوا لو أنهم مازالوا في دائرة (المشخصاتي) فحينها لم يكن الممثل مجبراً على تأكيد ما يقدمه من خلال المسلسلات أو الأفلام من بطولات.