عادةً ما تثير فكرة ظهور الشَّخصيَّات الدِّينيَّة في الأعمال الفنيَّة، الكثير من الجدل في العالم العربي، وغالبًا ما يمنع عرضها، ما ينتج عن ذلك فقرًا عربيًّا من ناحية الإبداع الفني، وتأخرًا باللحاق بالركب الثقافي وتبادل المعارف، إذ يبقى العربي متلقيًا لا مصدِّرًا، حتَّى من ناحية الثقافة والحضارات والفن والأفكار.


بيروت: يشكِّل ظهور الشَّخصيَّات الدِّينيَّة في الأعمال الفنيَّة، مسألةً حسَّاسةً مازالت تثير الكثير من الجدل في العالم العربي، حيث اعتمدت معظم المسلسلات والأفلام على أسلوب تقديم سيناريو يتحاشى إبراز وجوه الشَّخصيَّات.

ومع كثرة الأقاويل حول وقف عرض مسلسل quot;الحسن والحسينquot; الذي رصدت لإنتاجه ميزانيَّةً ضخمةً بلغت حوالى ثلاثة ملايين دولار، وبدء إثارة المشاكل حول مسلسل quot;الفاروقquot; المتوقَّع عرضه في العام المقبل ويتناول سيرة عمر بن الخطَّاب، لا بُدَّ من مواجهة مُتغيرات العصر برؤيةٍ أكثر نُضجًا، خصوصًا أنَّ الجماهير العربيَّة تتابع المسلسلات الإيرانيَّة الَّتي تتناول الشَّخصيَّات المقدَّسة مثل quot;يوسف الصِّدِّيقquot; وقبله quot;مريم المُقدَّسةquot;، والَّتي بدأت تغزو العديد من القنوات العربيَّة، في حين تقف الإنتاجات العربيَّة جانبًا، تواجه المنع من عرضها، ما يشكِّل تفوقًا غربيًّا، في بث أفكار معيَّنة، يتلقيها المشاهد العربي دراميًّا، فما الذي يمنع العرب من تنفيذ أعمالٍ تجسِّد الصحابة والأنبياء، بدل استيرادها؟

في الغرب، تمَّ ويتم تقديم العديد من الأعمال الَّتي تتناول حياة الكثير من الأنبياء، كنوح ويوسف وموسى، وهي من الأعمال الَّتي حقَّقت نجاحًا كبيرًا، وهذا الأمر بات عاديًّا، ويندرج ضمن حريَّة تبادل الثقافة والرأي، حيث لا تضع هذه الدول قيودًا أمام الإبداع والفن تحت أيَّه حجَّةٍ كانت، ولاتجرؤ على المنع مهما بلغ خيال الكاتب، وأبرز مثال على ذلك، عرض فيلم quot;آلام المسيحquot; للمخرج ميل غيبسون على الرغم من إعتراض اللوبي اليهودي عليه، وكذلك عرض فيلم quot;دافنتشي كودquot; رغمًا عن الموقف المعارض الصادر من الفاتيكان.

أما في عالمنا العربي فإنَّ المنع هو الأصل من دون إتاحة المجال للعرض والمشاهدة والنقد، حيث كان للأزهر موقف ثابت من فكرة تجسيد الأنبياء والصحابة وأهل بيت النبي على الشَّاشة، وأضيف لهم بعد ذلك العشرة المبشرون بالجنَّة، وبذلك، يكون المجمع قد قطع الطريق أمام عدد من المشاريع الدراميَّة والسينمائيَّة التي أُعلنت أخيرًا.

وبالعودة إلى الخمسينيات من القرن العشرين، رفض الأزهر فكرة تقديم الممثل، يوسف وهبي، شخصيَّة النبي محمد، على الرغم من تعبيره عن استعداده لترك عالم التَّمثيل نهائيًّا بعد تقديم هذا الفيلم.

ومن الأعمال الَّتي قدِّمت ووافقت عليها المراجع الدِّينيَّة لإلتزامها بشروطها نذكر فيلم quot;الرِّسالةquot; للمخرج السوري الراحل، مصطفى العقَّاد، الذي يعتبر من أكثر الأعمال شهرةً وإنتشارًا على المستوى العالمي، حيث يروي قصَّة الإسلام منذ مبعث الرَّسول إلى وفاته، أنتج في السَّبعينات بعد أخذ موافقة مرجعيَّاتٍ سنيَّةٍ، وموافقة المجلس الإسلامي الشِّيعي الأعلى في لبنان، من خلال الإمام المغيَّب، موسى الصَّدر، حيث وضعت عدَّة شروط على المخرج العقَّاد والتزم بها، إذ لم تظهر صورة النبي في كلِّ أحداث الفيلم، على الرغم من دوره الرَّئيس، كما غابت شخصيَّات رئيسة في تاريخ الإسلام، مثل الإمام علي بن أبي طالب، الذي ظهر سيفه quot;ذو الفقارquot; فقط في مشهد النـزال قبل معركة بدر، في حين تمَّ إبراز شخصيَّة حمزة بن عبد المطلب عم الرَّسول، الَّتي أدَّاها، الممثّل، عبدالله غيث، ولم يظهر صوت الرَّسول إلَّا من خلال راوٍ يروي عنه، كما ظهرت وجوه شخصيَّاتٍ، من أمثال زيد بن حارثة، وعمَّار بن ياسر، وبلال الحبشي، وكان العقَّاد في أواخر سنين حياته يعمل على إخراج عملٍ دراميٍّ كبيرٍ حول الإمام الحسين ولكن لم يتم ذلك.

أمَّا في الأعمال الإيرانيَّة، فقد كان لافتًا المسلسل الأخير الذي لاقى رواجًا كبيرًا في العالم العربي والإسلامي، وهو مسلسل quot;يوسف الصِّدِّيقquot; الذي يروي قصَّة النبي يوسف في ما يزيد عن أربعين حلقةً، وقد كان بارزًا في هذا العمل، ظهور وجه النبي يوسف، وهي المرَّة الأولى في الأعمال الفنيَّة الإيرانيَّة الَّتي تظهر فيها صورة أحد الأنبياء في عملٍ فنِّي، حيث كان من المعهود أنّْ توضع هالة من النُّور تغطِّي وجه الممثِّل الذي يؤدِّي دور أحد الأئمَّة أو الأنبياء، أو لا يظهر وجهه أبدًا، لذلك يعتبر ظهور وجهه تطوَّرًا ويشكِّل منهجًا جديدًا في تعاطي الأعمال الفنيَّة مع هذه المسألة، خصوصًا أنَّه يُنتَج في إيران العديد من الأعمال والمسلسلات التَّاريخيَّة والدِّينيَّة الَّتي تتناول حياة الأئمَّة والأنبياء، ولكن اعترض الأزهر على عرض المسلسل على القنوات الرَّسميَّة والخاصَّة.

فغالبًا ما يثار الجدل، عند الشروع بتصوير أو عرض إحدى الأعمال الَّتي تتناول إحدى الشَّخصيَّات الدِّينيَّة، على الرغم من التَّصاريح والأذونات الَّتي تحصل عليها، فصورة الأنبياء والشَّخصيَّات المقدَّسة عليها الكثير من التَّحفظات، خوفًا من تجسيدها في أعمالٍ فنيَّة قد تسيء بشكلٍ أو بآخرٍ لمكانتها الروحيَّة في نفوس البشر، أو بحجَّة تأجيج المشاعر والفتن الطائفيَّة، وهي الحجج المستعملة لتبرير المنع، علمًا أنَّ إيمان الفرد لايمكن أنّْ يتأثر بالأعمال الفنيَّة، بحال إكتسبه عن قناعةٍ وعلمٍ ومعرفةٍ بالأديان، وبالتَّالي الخوف المستتر وراء المنع لا يجب أنّْ يكون موجودًا، لأنَّه عند رؤية الأفكار والمناهج المتعدِّدة، يتاح للفرد إختيار المبدأ الديني الذي يراه صحيحًا وذلك بعد إتاحة الفرصة له للتَّعرف على جميع المعتقدات الدِّينيَّة.

ألا يجب الفصل بين الإعتراضات والفتاوى الدِّينيَّة، وتمتع هذه الأعمال بجودةٍ تاريخيَّةٍ وفنيَّة تجعلها مصدرًا ثقافيًّا للعديد من الدول والأديان.

إلَّا أنَّ علماء المجمع الفقهي، يرون إنَّ تقديم تلك الشَّخصيَّات على الشَّاشة لتعريف الجمهور بها هو سبب غير كافٍ وغير مقنعٍ quot;لأنَّ الأضرار الَّتي ستسبِّبها هذه الأعمال ستكون كبيرةquot;، ويضيفون إنَّ quot;الممثلين الذين سيجسِّدون شخصيَّات الأنبياء والصحابة لن يقتربوا مهما فعلوا من حياة الأنبياء والصحابة، كما أنَّ الجمهور سيربط بينهم وبين شخصيَّات أخرى جسَّدوها على الشَّاشة من قبل، وبالتالي، هناك وسائل أخرى يمكن من خلالها التَّعرف إلى سِيَر الأنبياء من دون الحاجة إلى تجسيدهم على الشَّاشةquot;.

فلماذا التَّأخر في تقديم هكذا أعمال، وهل يخلو التَّاريخ الإسلامي والعربي من شخصيَّات يتَّفق عليها الجمهور العربي بشتى طوائفه الدِّينيَّة والسِّياسيَّة من أجل تقديمها للشَّاشات العربيَّة والعالميَّة.