يروي الكتاب تاريخ الملكية الخاصة وهو يتعمق بدراسة التبريرات التي قدمتها المجتمعات عبر العصور من أجل تفسير عدم توزيع الملكية على الجميع بشكل عادل.

"إيلاف" من بيروت: يستعرض المفكر الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي في كتابه الجديد "رأس المال والأيديولوجيا" Capital and Ideology (1104 صفحات، منشورات بيلكناب، 27.89 دولارًا) تاريخ الإنسانية من زاوية اللامساواة والتوزيع غير العادل للثروات والتبريرات التي تؤسس لهذا الظلم المجتمعي، وهو أقرب إلى الكتابات الاجتماعية لماركس وأتباعه، وخصوصًا "الأيديولوجيا الألمانية" (1845-1846)، الكتاب الذي سعى إلى شرح الوسائل الاجتماعية والسياسية التي حافظ بها الرأسماليون على السلطة على الطبقات.

العودة إلى ماركس

في عام 2013، وضع بيكيتي كتاب "رأس المال في القرن الحادي والعشرين"، وهو عمل سرعان ما جعله أحد أهمّ المنظّرين في مجال العلوم الاجتماعية، ورشّحه لنيل أكثر من جائزة علمية ومنصب أكاديمي.

انطلقت فكرة العمل من العودة إلى أفكار كارل ماركس بعد الأزمة الاقتصادية التي هزّت العالم في عام 2008، غير أن بيكيتي لم يذهب مثل زملائه إلى عدد من أفكار ماركس وتوظيفها في تفسير ما يحدث، بل استعاد مشروعه برمته فكان مؤلّفه إعادة كتابة لكتاب ماركس "رأس المال" مع الأخذ في الحسبان ما عاشته البشرية من تغيّرات تكنولوجية وقِيَمية، وهي تغيّرات ليست بالسهلة.

معركة أيديولوجيات

لا يستعرض هذا الكتاب المجتمعات الرأسمالية فحسب، بل يستكشف أيضًا المجتمعات الاستعمارية التي تملك العبيد، والمجتمعات الإقطاعية أيضًا. يقول بيكيتي إن النخب سعت إلى الاحتفاظ بمركزها المهيمن، مستخدمة "أيديولوجيات" وصفها بأنها "مجموعة من الأفكار والخطابات المسبقة التي تصف كيف ينبغي هيكلة المجتمع".

بالنسبة إلى بيكيتي، كل هذه الأيديولوجيات غير شرعية أو غير عادلة من الناحية الحاسمة. ويقوده هذا الأمر إلى الدعوة إلى الانتقال إلى نسخة متشددة من الاشتراكية. افتراضه هو أن عدم المساواة خيار سياسي. إنه شيء تختاره المجتمعات وليس نتيجة حتمية للتكنولوجيا والعولمة. وفي حين رأى ماركس التاريخ صراعًا طبقيًا، بيكيتي يرى أنه معركة أيديولوجيات.

أنموذج جديد

يفسر بيكيتي مناهج تبرير اللامساواة، ومن هنا نفهم فكرة عنوانه، فإذا كان كتاب "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" يرسم مشهد العلاقات بين مختلف الفاعلين في الحياة الاقتصادية، فإن كتاب "رأس المال والأيديولوجيا" يفسر كيف تستمر هذه العلاقات.

وهنا، يتجاوز بيكيتي ماركس؛ فالثاني يعتبر أن اختلال العلاقات يؤدّي بالضرورة إلى ثورة تمسك فيها الطبقات المسحوقة بجهاز الدولة، غير أن المفكر الفرنسي يعتبر أن هناك أدوات تساهم في استمرار حالة الاختلال تلك، وبهذا المعنى المخصوص يفهم الأيديولوجيا في سياقها الاقتصادي.

يتنقل الكتاب بين الثراء الاستثنائي لمادة بيكيتي التجريبية وصولًا إلى اتساع نطاقه الثقافي، ومن تحالف نادر بين الدقّة الإحصائية والمراجع المخطوطة إلى مستوى الطموح الفكري والسياسي لمؤلّفه.

هدف بيكيتي تقديم أنموذج جديد بديل من المشروع الاجتماعي الديموقراطي الشائع. ربما يبدو هذا الطموح مبالغًا فيه، لكنّه محقّ إلى حدّ ما. ففي سياق حالات الغضب الاجتماعي الراهنة، لم تعد كتالوغات المقترحات المُنزلة تقنع الناخبين، ولا تزود صانعي السياسات بدليل لاتخاذ القرارات في الوقت الصائب في بيئة غير متوقعة.

إحصاءات تاريخية

يعتمد بيكيتي على مجموعة رائعة من الإحصاءات التاريخية. لذلك، يقول إن في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كان التفاوت في الدخل في روسيا السوفياتية أقل بشكل هامشي مما كان عليه في أوروبا. وتوضح أرقامه كيف تغير تعريف "النخبة" بمرور الوقت.

قبل ثورة عام 1789، امتلكت الكنيسة الفرنسية ربع ممتلكات البلد تقريبًا؛ أما اليوم، فإن جميع المنظمات غير الربحية في فرنسا تملك واحد في المئة فقط. وهكذا، يوضح وجهة نظره من خلال الأرقام.

في عام 1867، قال ماركس: "الفرق الأساس بين مجتمع قائم على العمل بالعبودية، ومجتمع قائم على العمل المأجور، يكمن فحسب في الطريقة التي يتم بها استخراج هذا الفائض من العمل في كل حالة".

بعبارة أخرى، كانت الرأسمالية استغلالية وغير أخلاقية مثل العبودية أو الإقطاعية. وبينما يلقي بيكيتي نظرة على ألف عام من التاريخ العالمي، فإنه يصل إلى استنتاج مماثل بشكل لافت للنظر.

ركائز أساسية

غالبًا ما تفشل جداول الأعمال الواقعية في مواجهة التحديات الملحة. وصلت مستويات انعدام المساواة في الثروة والدخل والحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحّية إلى مستويات لا يمكن معالجتها عبر التلميح إليها، كما كان يحصل عادة خلال النقاشات حول السياسات.

يعتمد جدول أعمال بيكيتي الجرىء على ثلاث ركائز أساسية: الأولى، تمكين الموظفين من خلال إصلاح جذري لحوكمة الشركات؛ والثانية، إعادة توزيع ضخمة للثروة والدخل من خلال إصلاح النظام الضريبي؛ والثالثة، الانتقال إلى الفيدرالية عبر الوطنية وهو انتقال ينطبق بشكل أساس على أوروبا.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور هنا: