إيلاف من الرياض: "لم ينته العصر الحجري بسبب نقص الحجر، لكن سينتهي عصر النفط قبل وقت طويل من نفاد النفط في العالم". يبدو هذا شعاراً من شعارات يرفعها دعاة حماية البيئة ممن يعارضون استخدام الوقود الأحفوري. لكن، في الواقع، هذا ما تنبأ به الشيخ أحمد زكي اليماني، وزير النفط السعودي السابق، الذي برز وجهاً من وجوه حظر النفط العربي في عام 1973. كان اليماني مقتنعًا بأن الابتكارات في مصادر الطاقة البديلة والوقود ستشاهم في إخراج الاقتصاد العالمي من قبضة النفط.

هذا لم يحدث بعد. ما زال النفط والفحم والغاز الطبيعي يشكلون أكثر من أربعة أخماس إمدادات الطاقة الأولية في العالم. هذا الإدمان على هذه المشتقات النفطية، إضافة إلى سلسلة من الحروب والأخطاء السياسية والاتجاهات الاقتصادية المتغيرة، تسبب الآن في أزمة طاقة أخرى في العالم. هل يمكن أن يؤدي هذا إلى ثورة متأخرة في الطاقة؟

في كتاب لا حاجة للمعجزات: كيف تستطيع التقنيات الحديثة إنقاذ مناخنا وتنقية هواءنا (No Miracles Needed: How Today's Technology Can Save Our Climate and Clean Our Air) [400 صفحة، منشورات جامعة كامبردج، 14.99 دولارًا]، يشير مارك جاكوبسون إلى سببين للاعتقاد أن التغيير آت. الأول، مالوف، وهو الجيوبوليتيك. قبل خمسة عقود، كان محتكرو النفط في منظمة أوبك يتلاعبون بأسواق الطاقة. هذه المرة، إنه دور روسيا، وهي قوة نفطية لا يمكن تجاهلها. فقد ذكّرت – بشكل قبيح - بمخاطر الاعتماد على أنظمة الاستبداد البغيضة. الثاني هو تزايد القلق من التغير المناخي. ولتجنب أسوأ آثار هذا التغير، وافق نحو 200 دولة على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. يتجه كثيرون نحو نظام طاقة بلا طبعة كربونية. ضاعف هذان السببان من الجهود المجتمعة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.

سياسات صارمة

وضعت المفوضية الأوروبية سياسات صارمة لتكثيف بدائل متجددة محلية، بما في ذلك كهرباء مولدة من الرياح والهيدروجين الأخضر. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يؤدي تنفيذ السياسات الحالية إلى ذروة في الاستهلاك العالمي للفحم والغاز بحلول عام 2030، والنفط بحلول منتصف العام نفسه. السؤال الصعب هو: هل تصح تنبؤات اليماني وتنهي الابتكارت عصر النفط؟

يدعم هذا الأمل مجموعة من المفكرين تضم بيل غيتس. ففي كتاب حديث مؤثر، حاجّ غيتس بأن "الحاجة الملحة لإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي تتطلب رهانات كبيرة على مجموعة متنوعة من التقنيات الوليدة والواعدة، ابتداءً بالطاقة النووية المتقدمة وانتهاءً بالتقاط الغبار مباشرةً من الهواء". وقد حذر من المبالغة في الثقة في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مسلطًا الضوء على قيود يفرضها توليدهما المتقطع. كما اكتشف جون كيري، المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص بمسائل التغير المناخي، أن الأمر مخالف. ففي الفترة التي سبقت قمة المناخ الأممية في غلاسكو في عام 2021، أشار كيري إلى تقييمات علمية تقول: "ربما يأتي نصف تخفيضات الغازات الدفيئة المطلوبة بحلول منتصف هذا القرن من تقنيات لم نمتلكها بعد". رفض عالم المناخ مايكل مان هذا الكلام، ووصفه بأنه صادر من "مهووس بالتكنولوجيا الخبيثة".

صفقة خضراء

في هذا الكتاب، يعزز جاكوبسون، وهو أستاذ للهندسة في جامعة ستانفورد وباحث في النهج المعروف باسم "الصفقة الخضراء الجديدة"، النقاش. برأيه، على العالم أن يتصدى عاجلًا للآفات المتصلة بالاحترار العالمي وانعدام أمن الطاقة وتلوث الهواء المحلي، "وهذا لا يتطلب تقنيات معجزة، بل على العكس، فإن 95 في المئة من التقنيات التي نحتاجها متوفرة تجاريًا. ونعرف تماماً كيف نحصل على الباقي". يتمثل جوهر خطته في التوسع الهائل في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، جنبًا إلى جنب مع بعض الطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية، وبالتالي تخزين الطاقة ونقلها. للوهلة الأولى، يبدو ذلك معقولاً. فمقرر أن تنمو الطاقة المتجددة بمقدار 2400 غيغاوات بين عامي 2022 و2027، أي ما يعادل سعة الطاقة الكاملة في الصين اليوم.

في الوقت نفسه، التقنيات المستخدمة في نقل الطاقة راسخة جدًا إلى درجة أن الأكاديمية الوطنية الأميركية للهندسة أشادت بتوصيل الكهرباء عبر الشبكة باعتباره أعظم إنجاز هندسي في القرن العشرين. وعلى الرغم من أن تخزين الطاقة ليس موجودًا في كل مكان حتى الآن وبأسعار معقولة، فإن الأنظمة القائمة على البطاريات تعمل بنجاح على الشبكات من كاليفورنيا إلى أستراليا.

كتاب جاكوبسون مقنع بطرق أخرى أيضًا. فعلى غرار غيتس، يعتقد أن كل شيء يمكن أن يكون كهربائيًا. وهو محق في التنديد بعدم كفاءة محركات الاحتراق الداخلي والمولدات الأخرى التي تعمل بحرق الأحافير مقارنة بالبدائل الكهربائية. كما يقر بأن نقل الطاقة مسافات طويلة يتطلب وقودًا مثل الهيدروجين، بدلاً من الكهرباء، إن كان يجب الحد من انبعاثات الكربون. إنه يدحض بذكاء المخاوف من توليد الطاقة من الرياح وأشعة الشمس، ملاحظًا الآتي: "غالبًا ما لا تتوافر محطات الطاقة الكبيرة بسبب نقص الصيانة وانقطاع التيار". ولكن!

عيبان

ثمة نوعان من النقائص في حجته. النوع الأول هو ما يدعى المبالغة. يدافع أنصار البيئة عن فكرة الإسراع في إزالة الطبعة الكربونية في غضون عقدين من الزمن. يريد جاكوبسون نجاحًا كاملًا في ذلك، بحلول عام 2035. فهل كان ماجلان يطمح إلى الإبحار حول 99 في المئة من الأرض مرة واحدة؟ وجدت دراسة أجرتها وزارة الطاقة الأميركية في عام 2021 أنه على الرغم من أن الاقتراب من نسبة 100 في المئة قد يكون فعالًا من حيث التكلفة، فإن النسبة القليلة الأخيرة ستكون باهظة الثمن. أما العيب الثاني فهو أنه، بنبذ المعجزات التقنية، يرفض بلا داعٍ العوامل التي تغير قواعد اللعبة/، كالاندماج النووي الذي يمثل رهانًا طويل الأجل محفوف بالمخاطر لكن مغر، وقد جذب مؤخرًا مليارات الدولارات من الاستثمار الخاص.

تصر هيئة الطاقة الدولية، التي توافق جاكوبسون في الدعوة إلى تحقيق ذروة في استهلاك الأحافير، على الوصول إلى صافي انبعاثات غازات الدفيئة الصفرية بحلول عام 2050، وهذا هدف يتبناه العديد من البلدان، ويتطلب "قفزات هائلة في الابتكار" في البطاريات المتقدمة، والهيدروجين، الوقود الصناعي، واحتجاز الكربون والتقنيات الأخرى التي لم تصبح تجارية بعد.