جدل يصادف الاطباء عندما يحين الوقت لمواجهة اللحظات الاخيرة في حياة المريض فيتأرجحون بين ضرورة إعلامه بحاله أم التأجيل.

أشرف أبوجلالة من القاهرة: لحظات ما أصعبها، تلك التي يعيشها المرضى الذين تلاحقهم بعض الأمراض المستعصية، وفي مقدمتها السرطان، ويبدأون خلالها في إدراك أن خطوات قليلة باتت تفصل بينهم وبين الموت، وذلك بعدما يبدأ الأطباء المعالجون بمناقشتهم حول حقيقة حالتهم الصحية. وتلك هي الوضعية التي اختلف في شأنها الأطباء، فبعضهم يفضِّل التحدث إلى المريض عن حقيقة حالته حين يتبقى له عام أو أقل في الحياة، إذ يرون أن ذلك يمنح المريض وأسرته فرصة للتخطيط، سواء إن كانوا سيفعلون كل شيء ممكن من أجل إبقائه على قيد الحياة، أو أن يستسلموا للأمر الواقع ويتجنبوا أجهزة التنفس، والإنعاش، والعلاج الكيميائي الإضافي وشبكة الأنابيب والإبر والمضخات وغيرها من الأجهزة التي غالبًا ما تصاحب عملية الوفاة في المستشفى. لكن وفي مقابل ذلك، يقول فريق آخر من الأطباء، وهم كثيرون، وبخاصة من كبار السن والاختصاصيين، إنهم يفضلون إرجاء الدخول مع المرضى في مثل هذه النقاشات، حسبما أظهرت دراسة نُشِرت في مجلة السرطان.

وترى صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية في معرض تقرير لها عن تلك الدراسة إنه لم يتضح إلى الآن بصورة تامة ما إن كان هؤلاء الأطباء غير مهتمين بالتحدث مع مرضاهم، أو إذا ما كانت المبادئ التوجيهية غير واقعية. فالنصيحة الطبية التي تبدو ذات جدوى في الدراسات البحثية قد لا تتلاءم مع العواطف لدى كلا الجانبين عند مواجهة المرضى وأسرهم والاعتراف لهم بأن الأمور ستنتهي عما قريب، بمعنى أن كل ما يمكن للطب أن يقدمه هو قدر قليل من الراحة، بينما يكون المريض بانتظار الموت.

من جهتها، تقول دكتور نانسي كيتينغ، المؤلفة الأولى في الدراسة والأستاذ المساعد في الطب وسياسة الرعاية الصحية في جامعة هارفارد الأميركية، إنهم لم يكونوا ملمين بكثير من الأمور عن كيفية أو موعد أو حتى ما إن كان يدخل الأطباء في تلك المحادثات الصعبة مع المرضى المدرجين على لائحة الموت. لكنها أشارت إلى أن فريقها البحثي اشتبه في أن فتح قنوات تواصل بين المريض والطبيب في مثل هذه الظروف لن يكون أمرًا مجديًا، لأن الدراسات أظهرت أنه وعلى الرغم من أن معظم المرضى يريدون مفارقة الحياة وهم على الفراش في منازلهم، يرفض معظمهم فكرة الموت داخل المستشفى.

وقد شملت تلك الدراسة 4074 طبيبًا، ممن يولون مرضى السرطان برعاية صحية، وقد تم توجيههم بأن يتصوروا ذلك المريض الذي يتبقى له في الحياة مدة تتراوح ما بين أربعة إلى ستة أسابيع، ومازال يشعر أنه بخير. ثم توجه أسئلة للأطباء عند الإقدام على مناقشة التشخيص، سواء إذا ما كان يرغب المريض في الخضوع لأجهزة الإنعاش أو يتلقى الرعاية الخاصة بالمسنين، وكذلك المكان الذي يرغب أن يموت فيه. وقد جاءت النتائج بمثابة المفاجأة: فقد تبين أن الأطباء كانوا أكثر ترددًا بشأن طرحهم لأسئلة معينة عما كان يتوقع الباحثون. وعلى الرغم من أن 65 % منهم قالوا إنهم يفضلون الدخول في نقاش مع المريض بشأن التشخيص quot;الآنquot;، قالت نسبة أقل من ذلك بكثير إنها تفضل مناقشة باقي المواضيع في الوقت ذاته: وكانت النسب كتالي ( الإنعاش بنسبة 44 % ) ( الإقامة في دور رعاية خاصة بالمسنين بنسبة 26 % ) ( مكان الوفاة بنسبة 21 %).

وهو الأمر الذي أرجعته دكتور كيتينغ إلى أن الأطباء قد يختلفون مع المبادئ التوجيهية، التي تقوم على رأي الخبراء بدلاً من البيانات. وتتابع بقولها :quot; أو قد لا يشعرون بارتياح إزاء مناقشتها. حيث تكون تلك المحادثات غاية في الصعوبة فضلاً عن استغراقها وقتًا طويلاً. وربما يشعر بعض الأطباء بأن المرضى سيفقدون الأمل. ومن الأسهل القول ( دعونا نجرب جولة أخرى من العلاج الكيميائي ) بدلاً من الدخول في مناقشة صريحةquot;. كما تشير إلى أن التدريب قد يكون من العوامل التي تؤدي دورًا في الموضوع. من جانبه، يقول دكتور دانييل لاهيرو، الأستاذ المساعد في مركز كيميل للسرطان بجامعة جونز هوبكنز والمتخصص في سرطان البنكرياس والقولون والمستقيم، إنه لم يفاجأ بما آلت إليه الدراسة من نتائج.

وتابع بقوله :quot; غالبًا ما تكون مثل هذه النقاشات غير مريحة وتستغرق مثل هذا الوقت الطويل لكي يتم تنفيذها بالصورة الصحيحةquot;. وتلفت الصحيفة في هذا الشأن إلى أن دكتور لاهيرو يحاول تهيئة المرضى في أول زيارة لهم على تقبل الفكرة الخاصة بمناقشة نتائج أخرى محتملة خلال الزيارات اللاحقة. وهو الاتجاه ذاته تقريبًا الذي يؤيده دكتور جون بوكفار، جراح الأعصاب في مركز ويل كورنيل الطبي ويعالج كثير من المرضى المصابين بأورام المخ الخبيثة، حيث قال إنه يفضل أيضًا تأجيل مثل هذه المناقشات حتى تقترب النهاية.

أما دكتور دافيد هيلدن، أخصائي الباطنة في مركز مقاطعة هينيبين الطبي في مينيابوليس والأستاذ المساعد بكلية الطب في جامعة مينيسوتا، فلم يكن متيقنًا من ذلك، ونقلت عنه الصحيفة قوله :quot; أعتقد أن كثيرين منا ينتظرون حتى يتبقى للمرضى أسابيع قليلة في الحياة، وبعدها لا يكون أمامك خيارًا آخرًا. فهذا سيحدث إما في أسبوع أو في أسبوعينquot;. وإن لم يكن هناك نوع من أنواع التخطيط، يحذر هيلدن من أن المرضى قد يواجهون الوضعية التي تثير فزعهم، بأن يتم تثبيتهم على أجهزة في المستشفى بدلاً من الإبقاء على راحتهم في منازلهم. وفي الختام، تعاود دكتور كيتينغ لتؤكد على ضرورة أن يقوم الأطباء بالتمهيد للمرضى بشأن إطلاعهم على حقيقة حالتهم الصحية، على الرغم من أي صعوبات. وتضيف بقولها :quot; عندما تعرف أن شخصًا ما سيموت نتيجة إصابته بأحد الأمراض، فمن العدل أن تساعده على فهم ذلك من خلال التحدث إليه. لكن تلك المحادثات تمثل تحديًا كبيرًاquot;.