مفاعلات نوويّة عربيّة لأغراض سلميّة وطاقة نظيفة

تحدثت إيلاف الى خبيرين لبنانيين في الفيزياء والذرة عن المفاعلات النووية وسألتهما عن تعريفها، عن ايجابياتها وسلبياتها وأي البلدان تملك اليوم هذه المفاعلات، وكيف يستفيد لبنان في حال انشئت مفاعل نووية فيه، فأكدا أن من سلبياتها تعريض الحضارات البشرية إلى الزوال ولم يشجّعا على انشائها في لبنان.

ريما زهار من بيروت: تتّجه بعض الدول العربية إلى بناء مفاعلات نووية لاغراض سلمية ولتوفير طاقة نظيفة، والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد ما هي فوائد الطاقة ومخاطرها من هذه المفاعلات النووية، وكيف يمكن بداية تعريف المفاعل النووية وما هي انواعها وما هي البلدان التي تستخدمها وهل تخدم لبنان في حال انشئت، وما هي ايجابياتها وسلبياتها وهل صحيح انها آلات حرب تطلق طاقة كما يقولون؟

ويعرّف الدكتور أنطون ضو(خبير في الناسا في العلوم والطاقة الشمسيّة، وباحث فئة أولى في العلوم الفضائيّة والفيزيائيّة) المفاعل النووية في حديثه لإيلاف فيقول :quot;المفاعلات النوويّة هي منشآت هندسيّة ضخمة تتم فيها السيطرة على التفاعلات النوويّة داخل مواد محددة، بما في ذلك إنشطار الذرّة، لإستخدامها في تصنيع الأسلحة أو إنتاج الطاقة الكهربائيّة.

وفي الحالة الثانيّة، أو ما يسمّى بالمنشآت السلميّة، يتم تحويل الطاقة الحراريّة المنبعثة من إنشطار الذرّة إلى طاقة كهربائيّة عبر توربينات و مولّدات بطرق شبيهة إلى حدّ ما بالطرق المتّبعة في المولّدات الحراريّة الشائعة. و يكمن الفرق الأساسيّ في إستعمال الإنشطار الذريّ كمصدر أوّلي للطاقة عوضًا عن إشتعال المواد النفطيّة.

وتستخدم اليوم مختبرات ومفاعلات نوويّة صغيرة نسبيًا لأغراض أخرى مثل تنقية و تحلية المياه، إنتاج النظائر الكيميائيّة الإشعاعيّة لإستعمالات معيّنة كالتصوير والعلاج الطبيّ، الصناعة، ضبط الوقت، التأريخ، والإختبارات العلميّة في كل الميادين.

ولا يزال الكثير من العلماء يعتقدون أن لا بديل عن الطاقة النوويّة في المستقبل لسد الحاجة المتزايدة للطاقة الكهربائيّة. وكان العالم الإيطاليّ الأصل إنريكو فيرمي أول من إقترح بناء مفاعل نووي. وقد بنت الولايات المتحدة الأميركيّة أوّل مفاعل لإنتاج الأسلحة وأوّل مفاعل لإنتاج الطاقة.

عن انواع المفاعلات النووية يقول:quot;تختلف المفاعلات والمنشآت النوويّة بحسب إختلاف طريقة الإختبار الذريّ المعتمد والهدف من بنائها، على الرغم من وجود عنصر أساسيّ لجميع أنواع المعرفة والتكنولوجيا النوويّة مما يجعل إحتياز وتشغيل مفاعل نووي سلميّ بالخطورة نفسها لبدء أبحاث لحيازة أسلحة نوويّة. ومن ناحية الإختبارات العلميّة، يميّز باحثو علم الذرّة بين أسس وإنفعالات نوويّة متعدّدة، ومنها التحلل الإشعاعيّ، الإندماج، والإنشطار النووييّن.

ولعل الإختبار الأخطر والأكثر إعتمادًا في المفاعلات النوويّة المنتجة للطاقة أم الأسلحة هو الإنشطار النوويّ، بحيث أنّه بإمكان العلماء السيطرة على إنشطار الذرّة خارجيًّا في المفاعل عبر إستعمال غرف تفاعل متسلسل حيث تتحوّل المادة الأمّ إلى وقود نوويّ. ومن أكثر الوقود النوويّ إستعمالاً اليورانيوم والبلوتونيوم.

وتكمن السيطرة على تسلسل التفاعل بواسطة قضبان مؤلّفة من مواد مفرملة لنشاط الكتلة الحرجة من الوقود، كالكادميوم على سبيل المثال. وعبر ذلك يمكن التحكم بمعدّل التفاعل لإنتاج الطاقة مثلاً ومنعه من الإنفلات وإحداث الدمار.

ويسمع الناس الكثير من الكلام حول اليورانيوم المخصّب في وسائل الإعلام. ولتفسير ذلك، يضيف، وجب الذكر بأن جميع العناصر الأساسيّة الكيميائيّة تتضمّن عدة نظائر (Isotopes) تختلف عن بعضها بعدد النيوترونات داخل نواتها. وليس لكل النظائر الإستعمال ذاتها أو الخصائص نفسها ضمن الإختبار النوويّ، بحيث أنّه، على سبيل المثال، ينبغي فصل نظير اليورانيوم الثقيل عن اليورانيوم المستعمل في المفاعلات النوويّة.

عن البلدان التي بدأت اليوم باستخدام هذه المفاعلات يؤكد انه منذ منتصف القرن الماضي، بدأت العديد من الدول أبحاث جديّة و مميّزة عن خصائص الذرّة وإختبارات نوويّة ذات طابع سلميّ و عسكريّ، خصوصًا بعد الحرب العالميّة الثانية، عندما أقلقت الولايات المتحدة العالم بعيد الهول الذي نشرته نتائج إلقاء القنابل على هيروشيما ونكازاكي و روع الخسائر البشريّة والماديّة. و تكوّن ما يسمى بالنادي النوويّ المؤلّف من الإتحاد السوفياتيّ السابق، الولايات المتّحدة الأميركية، المملكة المتّحدة، فرنسا، والصين.

وسرعان ما بانت دول أخرى مع قدرات نوويّة كاملة، منها الهند، باكستان، جنوب أفريقيا، كوريا الشماليّة، والكيان الإسرائيليّ. ويملك اليوم هذا الأخير ما يناهز السبعة مفاعلات، أهمها مفاعل ديمونة. ويشاع بأن إسرائيل تمتلك اليوم ما يفوق عن المئة رأس حربيّ نوويّ. و بدأت دول عديدة حديثًا بتفعيل برامجها النوويّة ومنها، مثل إيران، من أثار مخاوف أوساط دوليّة نافذة.

وردًا على سؤال هل تخدم لبنان في حال انشئت؟ يجيب:quot;لبنان حاليًّا بعيد جدًا عن إمتلاك أيّ تكنولوجيا مؤثّرة في بناء مختبرات أو مفاعلات نوويّة مهمّة، وتنحصر إمكانيّاته بمعلومات ووثائق أكاديميّة و بعض الإختبارات الطفيفة غالبيّتها أكاديميّ مبدأيّ أم طبيّ بحت.
ومن غير الممكن أن يمتلك لبنان هكذا تكنولوجيا ضمن سيطرته الكاملة لغياب المكونات المبدئيّة للتشغيل من خبرات و مواقع قرار علميّة فاعلة، وإستتباب أمنيّ متلكئ، وإمكانيّات ماديّة ضعيفة، ناهيكم عن المناخ الأمنيّ والسياسيّ العاصف في المنطقة جمعاء والضغوط والمخاوف الدوليّة الهائلة.

وهذه المخاوف ليس لها أثر سلبيّ على لبنان فقط، بل على الدول العربيّة بشكل عام، بحيث أنّه بالرغم من إهتمام بعض الدول العربيّة بالمعرفة والأبحاث النوويّة عبر بعض المراكز والوحدات الرسميّة، فهي أدرى بأن المناخ الإقليميّ والدوليّ غير مشجّع حاليًّا للمضيّ قدمًا في هذا المضمار، و لكنّها بدأت حديثًا المراهنة على بعض التغييرات التي قد تنعكس إيجابًا، ضمن شروط محددة، على إمكانيّة إستراتيجيّة لدخول ممثل عربيّ إلى النادي النوويّ.

عن ايجابياتها وسلبياتها يقول: quot;فرضيًّا، تخدم التكنولوجيا النوويّة أية دولة تستخدمها سلميًا على الصعيدين الإنسانيّ والإقتصاديّ، خصوصًا في توليد الطاقة الكهربائيّة. ومن فوائد المفاعلات النوويّة لتوليد الطاقة الكهربائيّة، على سبيل المثال لا الحصر، تدني كلفة الإنتاج عشرات الأضعاف على المدى البعيد، نسبة التلوّث الغائبة تقريبًا مقارنةً بالمفعول الفتّاك للبيئة للمعامل الحراريّة التقليديّة، و كميّة الإنتاج الهائلة ضمن المساحة المطلوبة للمفاعل.

وذلك ممكن بشرط عدم وجود إرادة مؤذية تبغي تطوير الأسلحة، أم نقص ماديّ أو تقصير ما في إدارة وصيانة المفاعل، وتدريب القدرات، يؤدّي إلى كارثة محلّية و إقليميّة كما حدث في إنفجار تشرنوبيل في أوكرانيا التابعة سابقاً للإتحاد السوفياتيّ، وكانت كارثة أثّرت على مئات آلاف البشر.

ولدى سؤاله هل صحيح ان المفاعلات النووية هي آلات حرب تطلق طاقة كما يقولون؟ يجيب: quot;المفاعلات النوويّة المنتجة للطاقة الكهربائيّة هي سلميّة بالمجمل، و عادةً تتواجد ضمن مسافة آمنة من المدن المحيطة بها. وقد تتحول إلى أهداف لأعداء الحضارة التي تستخدمها، فتستهدف لإلحاق الدمار والسوء، وهي ليست آلات حرب.

ولكن كما ذكرت سابقًا، فإنّ الأبحاث النوويّة في أيّ مفاعل تساعد الحضارة المستعملة له لفهم الطاقة النوويّة أكثر وتزيد من إمكانيّة هذه الحضارة لإستعمال هذه المعرفة في برامج وأبحاث عسكريّة. فتصبح البرامج السلميّة نقاط إنطلاق لتجارب تؤدّي إلى مراكز أخرى موازية تكوّن آلات حرب جديدة. وللعبرة، فإنّ غالبية الدول المستعملة للتكنولوجيا النوويّة السلميّة تمتلك أيضًا ترسانةً عسكريةً نوويةً.

وهذا أيضًا مصير جميع مراكز الأبحاث العلميّة، فنجد على سبيل المثال، تطوّر العلوم الطبيّة و فهم و مكافحة الجراثيم، و معها الحروب والإرهاب الجرثوميّ. وكلّ ذلك يصب في فلسفة أن البحوث والمعرفة، بما فيها الذريّة، قد تكون على السواء ثروة لتقدّم الإنسانيّة أم سبب إضمحلالها و زوالها، بحسب رغبة و خيارات الطبقات الحاكمة.

أما المفاعل ومراكز الأبحاث العسكريّة فهي بالتأكيد تتحكّم بطاقة كبيرة لدرجة أنّ توازن الرعب الحائل دون حرب نوويّة فتّاكة بات الأمر الوحيد المانع لهكذا كارثة، قد تعرّض الحضارات البشريّة بأسرها للخطر والزوال. أمّا الكلام عن طاقات جديدة ذات خلفيّة نوويّة قد تكون وراء كوارث جديدة سائدة في العالم، كالزلازل والفيضانات، فهي بالغالب من صنع خيال أصحاب المقالات، بالرغم من أنّ هذا الأمر غير مستبعد بالكامل.

خبير فيزيائي

بدوره تحدث الخبير الفيزيائي في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور منيب عيد لإيلاف فاعتبر في تعريفه للمفاعل النووية بانها لها قسمان الاولى المبنية على الانشطار، والثانية على الاندماج، ولهما المبدأ ذاته، الذي يعتمد على تغيير الكتلة وجزء صغير منها يتحول الى طاقة.

والكتلة لا تختفي لكنها بحسب قانون انشتاين تتحول الى طاقة. والمفاعلات الذرية مفيدة للانسان في مجال الكهرباء لكنها خطرة من حيث انها يجب ان تكون تحت السيطرة، ومن ايجابياتها منع الاحتباس الحراري، وان لم تكن تحت السيطرة تصبح هذه المفاعلات كالقنبلة الذرية، اما اي بلدان بدأت اليوم باستخدام هذه المفاعلات؟ يجيب: quot;في كل دول أوروبا، وبدأت السعودية اليوم بها ربما لتحقيق توزان مع مفاعل ايران النووي، وهو يفضل استعمال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء بدل النووي، والمستقبل برأيه ليس للمفاعلات الانشطارية، وعن استخدامه في لبنان فهو ضد ذلك، لان لبنان مساحته صغيرة ويمكن بدل النووي الاستفادة من الشمس. ويضيف خطورتها قد تؤثر على كل المنطقة، فلنتذكر تشيرنوبيل وكم تضررت المنطقة منها.