ريو دي جانيرو : تأسف البرازيلية ديزي سيتينفوس للمنحى السائد بـ"عدّ الموتى" جراء كوفيد-19 و"تناسي ألم العائلات"، ووجدت من يواسيها في مجموعة دعم نفسي عبر الإنترنت بعدما أودت الجائحة بوالدتها على غرار أكثر من 191 ألف شخص في البرازيل.

وتقول هذه المدرّسة البالغة 30 عاما المقيمة في ولاية ريو غراندي دو سول في جنوب البلاد "الناس يخشون الحديث عن حالة الحداد التي يعيشونها ويدّعون أن كل شيء على ما يرام. في المجموعة، نتحدث عن مخاوفنا ونخبر عن طريقة عيشنا الحداد في يومياتنا".

وبعد وفاة والدتها، تواصلت ديزي مع آخرين عانوا المأساة عينها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتعرّفت على جمعية "ريسينيفيكاندو أو لوتو" (مفهوم جديد للحداد).

وأنشأت جمعيات برازيلية عدة مجموعات دعم لمساندة ذوي ضحايا كوفيد-19 ومساعدتهم في تجاوز صعوبة الإفادة من متابعة نفسية حضورية بسبب القيود المتصلة بمكافحة الجائحة.

التأثير النفسي على أهالي الضحايا

ويؤكد خبراء في الصحة الذهنية أن كل وفاة متصلة بكوفيد-19 تترك أثرا نفسيا على أربعة إلى عشرة أشخاص. ووفق هذا المنطق، تضم البرازيل التي أودى فيها الوباء بأكثر من 190 ألف شخص، ما بين 760 ألف شخص و1,9 مليون يعيشون حالة حداد.

وتزيد الإجراءات الصحية المرتبطة بالوباء حزن العائلات إذ تحرمها توديع أحبائها إلا عبر مراسم مقتضبة تقتصر على أقرب المقربين.

وفي ولاية مارانياو الفقيرة في شمال شرق البلاد، دفعت عائلة روزينيليا ماتشادو (49 عاما) فاتورة باهظة جراء الفيروس. فقد شفيت الوالدة البالغة 73 عاما من الإصابة فيما لم تكن ابنتها آنا كارولين محظوظة مثلها إذ خسرت حياتها بسبب كورونا عن 31 عاما.

وتقول روزينيليا "توقفت عن الأكل ولم أنم لأيام عدة. حتى أنني فكرت في الانتحار". وقد تابع وضعها معالج نفسي كما حازت دعما نفسيا من جمعية "أكوليير بيرداس إيه لوتو" (استقبال الحداد).

وتوضح هذا الأستاذة في مادة الفلسفة أن "الأمر الأقسى هو تقبل الألم والنظر إلى نفسي في المرآة والتحدث عما حصل".

المساعدة على عيش فترة الحداد بصورة أفضل

وتقدم الجمعية التي أنشأتها في 2018 المعالجة النفسية روزانا دي روزا، برنامجا مجانيا عبر الإنترنت من 12 مرحلة للمساعدة على عيش فترة الحداد بصورة أفضل. ويستند البرنامج إلى تجربتها الشخصية بعد وفاة طفليها.

ويعمل المعالجون النفسيون وغيرهم من الاختصاصيين بصورة تطوعية، ويشاركون في أنشطة حوارية جماعية أو فردية كما في جلسات تأمل.

تضم أكثرية المستشفيات البرازيلية وحدات للمساعدة النفسية للمرضى وعائلاتهم، غير أن الجائحة بدّلت الوضع تماما.

وتقول جوفانا روسيلينزي وهي منسقة خلية للمساعدة النفسية في مستشفى سانتا كاتارينا الخاصة في مدينة ساو باولو (جنوب شرق) "قبلا، كنا قادرين على متابعة العائلات على مدار الساعة في وحدات العناية المركزة، لكننا اضطررنا إلى وقف ذلك بسبب كوفيد-19".

وتضيف "علينا الاكتفاء باتصال هاتفي واحد يوميا لتقديم ملخص عن وضع المريض الصحي لأقاربه".

لكن لإبقاء التواصل بين مرضى كوفيد-19 الذين يخضعون للعلاج في المستشفى وعائلاتهم، أطلقت هذه الاختصاصية النفسية مشروع "رسائل علاجية" الذي يقدم فيه ممرضون رسائل إلى المرضى وينظمون "زيارات افتراضية" عبر الفيديو.

وقد أُدخل مانويل غاما وهو موظف حكومي في سن 67 عاما، إلى هذا المستشفى بعدما أصيب بالفيروس وخضع لعملية جراحية بعد احتشاء في عضلة القلب.

لكن فيما كان لا يزال في المستشفى، توفيت زوجته إثر تبعات إصابتها بكوفيد-19.

ويوضح غاما "لقد أخذوا كل الاحتياطات اللازمة لإبلاغي بالنبأ الذي أبلغتني به طبيبتي المتخصصة في الأمراض التنفسية. كان دعمها أساسيا لمساعدتي على تحمّل مثل هذا الألم".

وخلال مرحلة المساعدة على التعافي، خضع غاما لجلسات تقويم للنطق وصحة تأهيلية مرات عدة يوميا. لكن الدعم النفسي كان الأساس في مساعدته على استعادة حياته الطبيعية.

ويقول "كانت الاختصاصية النفسية تتصل بي يوميا. لم أطلب متابعة نفسية في الأساس، لكن الأطباء قالوا لي إنني لن أشفى إذا ما كنت في وضع ذهني غير سليم".