باريس: يستعد رائد الفضاء الفرنسي توما بيسكيه لإجراء عشرات التجارب في محطة الفضاء الدولية، تشمل رصد الإشعاعات الضارة وتسيير عربة جوالة من بُعد وتحسين النوم والاهتمام بالجسم، في إطار الاستعداد لمهمات أبعد إلى القمر وما بعده.

ويوضح ريمي كانتون المسؤول عن الوحدة المكلفة اثنتي عشرة تجربة جديدة في المركز الوطني للدراسات الفضائية "نحن نعمل على تقنيات للاستكشاف".

وترتدي هذه التجارب أهمية كبيرة في ظل التحديات الجسيمة المتأتية من إرسال مهمة مأهولة إلى القمر أو ربما الانطلاق في مثل هذه المهمات الفضائية يوما إلى المريخ.

وأول هذه التحديات هو الحماية من سيل الجزيئات من العواصف الشمسية والأشعة الكونية المجرّية التي تلحق أذى كبيرا بصحة رواد الفضاء وبمعداتهم.

أما سكان الأرض، وبدرجة أقل الأشخاص المقيمون في محطة الفضاء الدولية، فهم محميون بـ"درع" في حقل المغناطيس الأرضي.

لكن الابتعاد أكثر يعرّض البشر إلى إشعاعات حقيقية على شكل تدفقات جسيمات مشحونة بطاقة قوية. ويقول ريمي كانتون "إنها إشكالية كبيرة جدا على صعيد استكشاف الفضاء"، إذ يجب "عدم تلقي جرعة قاتلة (من هذه الإشعاعات) قبل أن تطأ القدم سطح المريخ أو بسبب البقاء طويلا على القمر".

وقبل التفكير بالحماية من هذه الإشعاعات، يجب التوصل إلى قياسها بدقة أكبر، وربما استباقها إذا أمكن. وهذا هو موضوع تجربة "لومينا" مع تكنولوجيا متقدمة تستعين بخصائص شبكة الألياف البصرية مع تحفيز بالفسفور.

ويوضح سيلفان جيرار الباحث في مختبر أوبير كوريان ومنسق التجربة التي تقام بالتعاون مع شركة "إيكس بلو" والمركز الأوروبي للبحث النووي، لوكالة فرانس برس "عندما نرسل الإشعاعات، يصبح اللون قاتما بسرعة كبيرة". عندها "يكفي" قياس إلى أي مدى بات اللون قاتما من خلال مقارنة حدة الإشارة الضوئية الموجهة إلى طرف ما بتلك التي يتلقها الطرف الآخر، لاستخلاص جرعة الإشعاع المرسلة.

ومن شأن هذه الآلية السماح بالقياس في الوقت الحقيقي، وفق جيرار، مع درجة حساسية كافية لرصد أي تبدل مفاجئ في الجرعة المرسلة، ما ينبئ على سبيل المثال بعاصفة شمسية.

هذه العواصف غير المتوقعة تدفع تدفقات جزئيات مشحونة طاقة عالية وتتسبب بأذى شديد، وهي "مثل الموجة، تحتاج إلى ساعة للصعود قبل بلوغ مستوى التدفق الأقصى"، على ما يوضح المهندس المتخصص في البيئة الإشعاعية في المركز الوطني للدراسات الفضائية نيكولا بالكون.

وفي أي مهمة فضائية بعيدة، "إذا ما لاحظنا ازديادا مفاجئا"، يمكن "إعادة رائد الفضاء الموجود في الخارج أو الاحتماء في مخابئ أو سترات مع مواد حيوية تخفف أثر بعض الإشعاعات"، وفق المهندس.

وستدرس التجربة أيضا كيف يمكن لرائد فضاء أن "يستخدم المعلومات المتوافرة لديه المرتبطة باللمس والبصر"، لتحسين تصور مراكز القيادة المستقبلية.

وسيضع توما بيسكيه خوذة للواقع الافتراضي مرفقة بآلية تتيح العودة بدفع اليدين "لأن البراعة اليدوية والمهارات الحركية الدقيقة تتراجع كثيرا في مناطق انعدام الجاذبية، إذ نتوقف عن الشعور بثقل الذراعين والقوة التي يمارسها" الشخص. وسيتعين عليه خصوصا التدرب على استخدام ذراع آلية في مهمة للإمساك بمركبة افتراضية.

وستتاح هذه الخوذة أيضا في تجربة "إيمرسيف إكزرسايس" التي يدخل خلالها رائد الفضاء في بيئة افتراضية جاذبة عندما يدوّس بدراجة تدريب "سييس" يستخدمها رواد الفضاء يوميا للحد من تلاشي العضلات الذي يلازم كل الرحلات في مناطق انعدام الجاذبية. وقد طلب توما بيسكيه من ناحيته أن يجوب باريس بالدراجة لهذه الغاية.

بعدها ستقام تجربة "دريمز" التي تقوم على تسجيل مراحل النوم "لفهم كيف يؤثر العزل والجاذبية الصغرى على جودته"، وفق كانتون.

ويرتدي هذا الموضوع أهمية كبيرة في محطة الفضاء الدولية، حيث تتوالى المراحل النهارية والليلية خلال 45 دقيقة، وللمهمات الطويلة الأمد على القمر أو نحو المريخ.