تونس: رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي رئيس تاريخي لحزب النهضة الإسلامي يندّد اليوم ب"انقلاب" يقول إن الرئيس قيس سعيّد نفذه، لكنه غير قادر على حشد تأييد شعبي لموقفه بعد تراجع شعبية حزبه الذي يمارس السلطة منذ عشر سنوات.

ونفّذ الغنوشي الثمانيني الاثنين اعتصاما لمدة 12 ساعة أمام مقر البرلمان ومنعه الجيش من دخوله غداة إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد تجميد أعمال مجلس النواب لثلاثين يوما وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه وتولي الرئيس نفسه السلطة التنفيذية.

وكان الغنوشي طالب أنصاره في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في العام 2019، بالتصويت بكثافة لصالح قيس سعيّد الذي فاز بغالبية كبرى أمام منافسه آنذاك رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي.

وعاد الغنوشي الذي كان معارضا شرسا لنظامي كل من الرئيس الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، إلى تونس من لندن بعد عشرين عاما من المنفى، واستقبله آنذاك الآلاف من أنصار حزبه ورددوا "أقبل البدر علينا".

بعد عودته، عمل الغنوشي الذي اعتبر لفترة طويلة متشددا مقربا من جماعة الإخوان المسلمين المصرية، على محو كل أثر للتطرف الإسلامي في خطابه، وأصبح يقدّم نفسه على أنه معتدل يقود حزبا شبيها بحزب العدالة والتنمية في تركيا.

وقبلت الحركة عدم تضمين الدستور التونسي الجديد الذي أقرّ في 2014، العمل بالشريعة الإسلامية.

يعتبر الغنوشي شخصية مثيرة للجدل، فالبعض يصفه بالإسلامي المتشدد في حين يرى فيه آخرون سياسيا براغماتيا متلونا مستعدا للتضحية بكل شيء مقابل البقاء في السلطة.

ويقول المحلل السياسي سليم الخرّاط لفرانس برس إنه "محنك سياسيا وله خصال الحرباء وأظهر أنه يتأقلم مع كل الأوضاع بما في ذلك التخلي عن مبادئه".

ويضيف أن النهضة، بعد عشر سنوات من الحكم، "تجمع سخط" التونسيين في قلب أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية.

وتدنت شعبية رجل السلطة الثاني في البلاد والأول في حزبه خلال السنوات الأخيرة، حسب استطلاعات للرأي.

واجه منذ أن تولى رئاسة البرلمان إثر انتخابات 2019، معارضة شديدة من أحزاب في البرلمان حيث يرأس أكبر كتلة ولكن من دون أن يتمتع حزبه بالأغلبية، وتقدم معارضوه بعريضة لسحب الثقة منه لكنه تمكن من البقاء إثر مناقشات وتصويت دام ساعات طويلة.

سعى الغنوشي الذي تجمعه علاقات متطورة مع قطر وتركيا إلى التواجد في السلطة منذ 2011 والى أن يكون حزبه ورقة مفصلية في كل التحالفات السياسية التي تتولى السلطة في البلاد.

وكان تبعا لذلك حليفا مع الحزب الليبيرالي "قلب تونس" ورئيسه رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي الملاحق قضائيا في تهم فساد وتبييض أموال، كما كان داعما للرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي في إطار ما عرف "بسياسة التوافق" لتأمين مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.

انتقد "الشيخ" كما يلقبه أنصاره لغموض مواقفه تجاه تصاعد وتنامي المجموعات الجهادية إثر الثورة.

ويحمّله معارضوه مسؤولية صعود تيار السلفية الجهادية في تونس خصوصا بعدما أدلى بتصريح صحافي في 2012 قال فيه إن "معظم السلفيين يبشرون بثقافة ولا يهددون الأمن"، قبل أن يعلن لاحقا أن "هؤلاء الناس يمثلون خطرا ليس على (حركة) النهضة فقط بل على الحريات العامة".

منذ بداية نشاطه السياسي في السبعينات، كان يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، ثم تبنى فكر الإخوان المسلمين ليدعم لاحقا النموذج الإسلامي التركي بقيادة رجب طيب إردوغان.

منذ العام 2016، أعلن أن حزبه أصبح مدنيا وأصبح يقدم نفسه على أنه "مسلم ديموقراطي" ويدافع عن بعض الأفكار المحافظة.

ولد راشد الغنوشي واسمه الحقيقي راشد الخريجي في منطقة الحامة من محافظة قابس (جنوب) في عائلة متواضعة ودرس الشريعة ثم الفلسفة في القاهرة ودمشق.

عاد إلى تونس نهاية الستينات، وبعدها أسس حزب "الاتجاه الاسلامي" في العام 1981 ليغير تسميته في العام 1989 الى "حركة النهضة" خلال السنوات الأولى من حكم الرئيس السابق الراحل زين العابدين بن علي.

حُكم عليه بالإعدام خلال نظام الرئيس الاول لتونس الحبيب بورقيبة وعفا عنه نظام بن علي في العام 1987 ليلاحق قضائيا بعد ذلك ويقرّر اللجوء إلى الجزائر ثم بريطانيا في العام 1991.

ويقول الوزير السابق وعضو حزب النهضة أحمد قعلول إنه نحت صورة المفكر الاسلامي الاصلاحي وفي بريطانيا "جالس كل النخب الأوروبية والعربية القومية منها والإسلامية".

ويرى الخرّاط ان "القاعدة الانتخابية لحزب النهضة تراجعت وانقسمت داخليا".

انتهت ولايته الثانية على رأس الحزب في العام 2020 وطالبه العديد من القياديين بأن يتخلى عن منصبه قبل مؤتمر الحزب العام المرتقب في 2021. وترك بعضهم الحزب بعد رفضه.

وأثرت كل هذه المسيرة المليئة بالتناقضات سلبا عليه، وأضعفته، ما يبرّر أنه يعتمد خطابا هادئا اليوم في مواجهة سعيد، داعيا الى الحوار.

ويقول الخرّاط إنه "وقع ضحية ممارسته، ويدفع ثمن أخطائه السياسية".