إيلاف من بيروت: مع انتشار اللّقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد ارتفعت الأصوات المذكّرة بوضع الدول الفقيرة ضمن قائمة الأوّليات، وتجدّد النقاش ذاته مؤخراً مع إجراء تجارب سريرية على عقارات قد تعتبر "نقطة تحوّل" في السباق العالمي للحد من إصابات كوفيد-19، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".

وركّز تقرير الصحيفة على عقار واحد على وجه التحديد يحمل نتائج مبشّرة، وهو "مولنوبيرافير" (Molnupiravir) الذي تصنعه شركة "ميرك"، ويمكن تناوله على شكل حبوب كبسولية.

وذكرت الصحيفة أنّ العقار المضاد للفيروسات "أثبت فعاليّته ضد الفيروس التاجي في تجربة سريرية كبيرة"، وأنه يمنح "أملاً جديداً في نقطة تحوّل في الوباء: مستقبل ليس بعيداً حيث يمكن للحبوب البسيطة أن تمنع المصابين من الموت أو الإصابة بأعراض حادة".

وأشارت الصحيفة إلى أنّ هذا الدواء سهل التوزيع ويمكن تناوله من المنزل، ويأمل العلماء أن يعمل هذا العقار إلى جانب اللّقاحات التي يصعب تخزينها في درجات الحرارة العادية والتي يتطلّب حقنها أخصائيّاً في مجال الرعاية الطبية.

وأظهرت نتائج التجربة أنّ "مولنوبيرافير" قلّل من معدّلات الإدخال للمستشفيات والوفاة بين الأشخاص المعرّضين لخطر كبير في وقت مبكر من إصاباتهم.

تصريح استخدام في حالات الطوارئ

ويذكر أنّ الشركة تقدّمت بطلب للحصول على تصريح استخدام في حالات الطوارئ من إدارة الغذاء والدواء الأميركية "أف دي أيه"، ومن المرجّح أن يصدر القرار في أوائل كانون الأول/ديسمبر.

وتشير الصحيفة إلى إمكانية إحداث العقار الجديد فرقًا ملحوظًا، بالأخص في جهود مكافحة الفيروس التاجي بالدول الفقيرة.

ففي حين تصرّ شركتا "موديرنا" و"فايزر" على الامتناع عن توفير ترخيص لقاحيهما للمصنّعين خارج الولايات المتحدة، تسمح شركة "ميرك" لمصنّعي اللّقاحات في الهند ببيع الحبوب بسعر أقل بكثير في أكثر من 100 دولة فقيرة.

ويغطّي الإتفاق معظم الدول في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث معدّلات التطعيم المنخفضة تصل إلى 3 بالمئة فقط.

ورغم أنّ "ميرك" بدأت بإنتاج اللّقاح، ليس من الواضح بعد إن كان بإمكانها توفير كميات معقولة للعام المقبل، وتشير الصحيفة إلى ضرورة الجمع بين مضادات الفيروسات واختبارات موثوقة بأسعار معقولة، ويشير بعض الحقوقيون الذين يطالبون بالمساواة في توزيع الأدوية واللقاحات، إلى أنّ بعض الدول تستثنى من الاتفاقيات الخاصة بالدول الفقيرة، مثل أوكرانيا، التي تضرّرت كثيرًا جرّاء تفشي الفيروس.

وكانت شركات، مثل "فايزر"، قد أعلنت عن نتائج أدوية مماثلة مضادة للفيروسات، لكن الشركات قالت إنّه من السابق لأوانه التعليق على ما إذا كانت ستدخل اتفاقيات مماثلة.

وأكّدت الصحيفة أنّ "هذا يعني أنّ العلاجات يمكن أن تظلّ إلى حد كبير مع الدول القادرة على دفع تكاليف الحصول عليها مبكرًا، كما فعلت مع اللقاحات".

التراخيص الطوعية

وقبل حوالى 20 عامًا، كانت شركة "ميرك" تعرّضت لانتقادات واسعة جرّاء بيعها أدوية فيروس "متلازمة نقص المناعة المكتسبة" (الإيدز) مقابل أسعار لا يمكن تحمّلها في أفريقيا. هذه المرة، أدركت الشركة ضرورة توسيع جهودها مبكراً.

وتوفّر التراخيص الطوعية التي تفاوضت عليها "ميرك" مع شركات تصنيع الأدوية إمكانية أن تشتري الحكومات في أفقر الدول عقار "مولنوبيرافير" مقابل أقل من 20 دولاراً لكل شريط من الحبوب (يكفي لخمسة أيام)، مقارنة بـ 712 دولار في الصفقة الأميركية.

وتجري الشركات الهندية تجارب سريرية على نسختها من العقار، وأكّدت أربع شركات للصحيفة أنّها تتوقّع إعلان النتائج قريباً، وفقًا لمدير تنفيذي في القطاع، لم يكشف عن اسمه لأنّه ليس مخوّلاً بالتحدّث بشكل رسمي، وقال للصحيفة إنه يتوقّع أن تنتج شركته العقار بأقل من 10 دولارات لكل شريط دوائي.

وتقول الدكتورة سويري مون، المديرة المشاركة لمركز الصحة العالمية في المعهد العالي للدراسات الدولية والإنمائية في جنيف، إنه "ليس من قبيل المصادفة أن شركة ميرك لديها خبرة من تجربة الإيدز، فهم يدركون، بقيادتهم وثقافتهم داخلياً، أنهم إذا لم يتعاملوا مع تحديات الوصول لعقارهم، فإنهم سيتعرّضون للانتقاد".

ويكمن التحدّي في هذه الحالة في الحصول على حق الترخيص من شركات تصنيع الأدوية، وتشير الصحيفة الأميركية إلى أنّه إذا لم تضمن الشركات مثل "ميرك" أو "فايزر" توفير علاجات كوفيد-19 على نطاق واسع، فقد تواجه استخدامًا واسع النطاق ضمن الترخيص الإجباري.

تجاوز قيود الملكية الفكرية

وتوضح الصحيفة أنّ الحكومات في هذا الوضع قد "تتجاوز قيود الملكية الفكرية للسماح بتصنيع الأدوية، غالباً في حالات الطوارئ".

ويمكن لشركة "ميرك" أن تحقّق ربحاً من العقارات التي يبيعها صانعو الأدوية في الهند، وأيضاً جرّاء أي صفقات يتم التوصّل إليها من خلال مجموعة براءات الإختراع. أمّا بموجب الترخيص الإجباري، لن يكون لدى الشركة أي قرار في تحديد سعر العقار أو مقدار نسبة الأرباح المتحقّقة على بيعه.

وقالت وكالة الصحة العالمية "يونيتيد" (Unitaid)، ومقرّها جنيف، إنّ هناك حاجة إلى 3.5 مليار دولار في شكل تمويل جديد من الدول الغنية لإتاحة العلاج، ومعظمه مخصّص للأدوية المضادة للفيروسات في البلدان منخفضة الدخل.

وقالت جانيت جينارد، مديرة الإستراتيجية في "يونيتيد": "نحن بحاجة إلى جهد عالمي.. نحن بحاجة إلى أن تزيد الجهات المانحة الأموال للتأكّد من وصول العلاجات إلى الجميع".