إيلاف من لندن: لم يعد الذكاء الاصطناعي في الطب مجرد فرضية مستقبلية، بل أصبح واقعاً يتطور بوتيرة متسارعة. خلال الأيام القليلة الماضية فقط، كشفت فرق بحثية عالمية عن سلسلة من الاختراقات التي لا تُصلح جانباً واحداً من الرعاية الصحية، بل تُحدث ثورة في أربع جبهات رئيسية، محولةً السجل الطبي من مجرد أرشيف للماضي إلى خريطة طريق للمستقبل.
الثورة الأولى: الطب التنبؤي
- قراءة المستقبل في بياناتك الصحية
في اختراق هو الأبرز، كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" هذا الأسبوع عن نموذج الذكاء الاصطناعي "Delphi-2M"، الذي طوره "مختبر البيولوجيا الجزيئية الأوروبي" (EMBL). هذا النظام، الذي نُشرت نتائجه في مجلة "Nature" المرموقة، لا يتنبأ بمرض واحد، بل بأكثر من 1000 حالة مرضية محتملة قبل عقود من ظهورها. وبحسب الباحثين، فقد تم تدريب النموذج على 400 ألف سجل طبي بريطاني، وأثبت دقته بشكل مدهش على 1.9 مليون سجل دنماركي لم يسبق له رؤيتها، مما يثبت "قابلية نقل" نادرة للنماذج الطبية.
وفي السياق ذاته، أعلن باحثون في 17 سبتمبر الجاري، وفقاً لموقع "News-Medical"، عن أداة ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ بالمضاعفات الخطيرة لجراحات القلب عبر تحليل فحوصات روتينية، مما يبرهن على أن الطب التنبؤي بدأ ينتقل من المختبرات إلى غرف العمليات.
الثورة الثانية: اكتشاف الأدوية
- سنوات من البحث تختصرها الخوارزميات
وإذا كان التنبؤ هو خط الدفاع الأول، فإن الذكاء الاصطناعي يقتحم الآن معقلاً آخر: سرعة اكتشاف العلاج نفسه. ففي مقابلة مع شبكة "بلومبيرغ" نُشرت في 12 سبتمبر، أكد ديميس حسابس، الرئيس التنفيذي لـ"DeepMind" التابعة لغوغل، أن الذكاء الاصطناعي سيقلص زمن اكتشاف الأدوية من سنوات إلى أشهر. وتعمل نماذج مثل "AlphaFold" على محاكاة تفاعلات البروتينات، مما يسمح للعلماء باختبار آلاف المركبات الدوائية افتراضياً في وقت قياسي، وهو ما قد يغير المعادلة الاقتصادية والعلمية لتطوير علاجات جديدة.
الثورة الثالثة: هندسة الجينات
- الذكاء الاصطناعي كشريك في المختبر
لم يعد دور الذكاء الاصطناعي مقتصراً على تحليل البيانات، بل أصبح يشارك بفعالية في تصميم التجارب البيولوجية. ففي 16 سبتمبر، كشف باحثون في جامعة ستانفورد عن أداة "CRISPR-GPT"، وهي نموذج لغوي متخصص يساعد العلماء على تخطيط وتنفيذ تجارب تعديل الجينات بكفاءة ودقة أعلى. وبحسب ما نُشر في "News-Medical"، فإن هذه الأداة تُمثل قفزة نوعية في مجال هندسة الجينوم، وتوفر للباحثين "مساعداً ذكياً" يسرّع من وتيرة الابتكار.
الثورة الرابعة: طب الطوارئ
- قرارات مصيرية مدعومة بالبيانات
بعيداً عن الأبحاث المستقبلية، يُستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم لإحداث فرق حقيقي في أقسام الطوارئ المكتظة. ففي تقرير نُشر بتاريخ 15 سبتمبر، تم استعراض كيف أن المستشفيات بدأت في تطبيق خوارزميات تقوم بتحليل بيانات المرضى فور وصولهم في الزمن الحقيقي. هذه الأنظمة قادرة على التنبؤ باحتمالية الإصابة بالسكتات الدماغية أو النوبات القلبية، وتنبيه الأطباء للحالات الأكثر خطورة، مما يساهم في توجيه الموارد الطبية النادرة بشكل أكثر فعالية وإنقاذ الأرواح.
هذه الأبحاث والإنجازات، التي تتكشف فصولها يومياً، ترسم ملامح مستقبل لم يعد فيه الطبيب وحيداً في مواجهة المرض، بل شريكاً لذكاء اصطناعي فائق القدرة، مما يطرح بدوره سؤالاً جوهرياً حول طبيعة العلاقة بين الإنسان والآلة في أقدس جوانب الحياة: صحتنا.
















التعليقات