إيلاف من الرباط: تسببت روايات وشائعات ما بعد جائحة "كوفيد-19" في ضعف الإقبال على لقاح الأنفلونزا الموسمية هذا العام، حيث يشهد المغرب تراجعا ملحوظا في نسب التطعيم رغم الانتشار الواسع لفيروسات الزكام الحاد وسط المواطنين مع بداية ديسمبر الجاري.
ويبرر العديد من المرضى الذين أصيبوا بنزلات برد قوية امتناعهم عن التلقيح بالخوف من المضاعفات التي يعتقدون أنها مشابهة لتلك التي ارتبطت بلقاحات كورونا، وفق ما يتداوله أغلب المغاربة خلال السنتين الأخيرتين.
وتشير معطيات ميدانية، حصلت عليها "إيلاف"، إلى أن الإقبال على اللقاح يبقى ضعيفا، رغم التحذيرات الصحية والدعوات المتكررة للتطعيم، خصوصا بالنسبة للفئات الهشة. ويحدث ذلك في وقت يشهد فيه المغرب ارتفاعا في حالات الإصابة بالفيروسات التنفسية الحادة، من بينها الأنفلونزا ومتحورات الزكام، وهو ما أدى إلى ضغط واضح على مصالح الاستقبال بعدد من المستشفيات.
ويؤكد أطباء المستعجلات أن شدة الحالات المسجلة هذا الموسم تفوق تلك المسجلة في السنوات الماضية، مما يعزز الدعوة إلى الوقاية عبر اللقاح. إذ كشفت المعطيات أن نسب التطعيم تراجعت بشكل كبير مقارنة بما قبل الجائحة، حيث تحتفظ العديد من الصيدليات بكميات مهمة من حقن اللقاح غير المستعملة داخل مبرداتها.
وتشير التقديرات إلى أن نسبة الملقحين في المغرب لا تتجاوز 1.5%، وهي نسبة بعيدة جدا عن مستويات 70% التي توصي بها منظمة الصحة العالمية للفئات المعرضة للمخاطر.
ويرجع مهنيو الصحة هذا التراجع إلى تأثير الشائعات التي رافقت مرحلة ما بعد كورونا، إذ انتشرت أخبار تزعم أن عددا كبيرا ممن تلقوا لقاحات "كوفيد-19" أصيبوا بأعراض جانبية خطيرة.
ورغم غياب أدلة علمية تؤكد هذه الادعاءات، إلا أن أثرها النفسي كان واضحا، ودفع الكثيرين إلى التردد في تلقي أي نوع من اللقاحات، بما فيها لقاح الأنفلونزا الموسمية.
كما يساهم ضعف الوعي الصحي في الخلط بين اللقاحات، حيث يعتقد البعض أن لقاح "كوفيد-19" يغني عن لقاح الأنفلونزا.
ويزيد من حدّة نفور المواطنين من التلقيح هو أن عددا من مهنيي الصحة أنفسهم لا يتلقون اللقاح، وهو ما ينعكس سلبا على ثقة المواطنين ويضعف الرسالة الصحية الرسمية.
وفي تعليق له حول الوضع، قال الدكتور الطيب حمضي، الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، أن ارتفاع الإصابات مرتبط بظهور متغير جديد للفيروس ينتمي إلى سلالة A(H3N2). وقال "لقد شهد هذا المتحور سبع طفرات خلال الصيف الماضي، ولوحظ انتشاره أولا في اليابان، ثم في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، قبل أن يصل المغرب". وهذه الطفرات، إلى جانب شدة الفيروس المعروف لسلالة H3N2، هي التي تفسر تسجيل حالات أكثر حدة من المعتاد. وأضاف إن "الأنفلونزا الحالية ليست مجرد زكام عادي"، مشددا على أنها قد تكون خطيرة أو حتى مميتة لدى الفئات الهشة، خلافا لما يعتقده كثيرون.
ويعتبر حمضي أن التطعيم السنوي "واحد من أنجع وسائل الوقاية"، إذ يحمي من الإصابة بنسبة قد تصل إلى 90%، ويقلل الحالات الخطيرة والوفيات بنسبة تتراوح بين 50 و80% لدى كبار السن.
ولا يخفي الخبير الصحي المغربي قلقه من "ضعف الثقافة اللقاحية" لدى فئات واسعة من المغاربة بخصوص لقاح الأنفلونزا، مذكّرا بأن انخفاض معدلات التلقيح في مواسم سابقة أدى إلى تفشي أمراض أخرى مثل الحصبة، نتيجة تراجع الوعي بأهمية اللقاحات عامة.
وتواصل وزارة الصحة حملاتها السنوية لحث الفئات الأكثر هشاشة على التطعيم، بما يشمل كبار السن فوق 65 عاماً، والأطفال دون الخامسة، والحوامل، والمصابين بأمراض مزمنة، إضافة إلى مهنيي الصحة.




















التعليقات