خلال فترة حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، شهدت الصفحات المخصصة للجرائم في جل الصحف التونسية إقبالا هائلا من لدن القراء. ويعود ذلك إلى أنّ الصفحات التي تهتم بالقضايا السياسية كانت خالية من الاثارة بسبب تشدّد الرقابة التي كانت تمنع نشر كل ما يمكن ان يشير ولو بمجرد التلميح إلى الطرق التي كان يدير بها النظامان المذكوران شؤون البلاد.

شخصيا، حسبت أن الاقبال على صفحات الجرائم سيشهد هبوطا بعد انهيار نظام بن علي بسبب انتفاء كل العقبات أمام حرية التعبير والرأي، وظهور صحف جديدة مختلفة في توجهاتها، ونزعاتها، بحيث لم تعد هناك قيود تمنع الصحافيين من الادلاء بارائهم في الحياة السياسية في البلاد، ومن انتقاد الاحزاب، والشخصيات التي تتزعمها.

كما أن القنوات التلفزيونية الخاصة والرسمية دأبت خلال الأعوام الخمسة الماضية على دعوة كل من كانوا معارضين لنظام بن علي، والمغضوب عليهم في عهده لكي يتحدثوا بكل حرية، بل وتسمح لهم هذه القنوات بترديد الشتائم والتهديدات على المباشر!

ولكن يبدو أن القراء والمشاهدين التونسيين سرعان ما عزفوا عن كل هذا. وفي أكثر من مرة رفعوا اصواتهم ليعبروا عن استيائهم من هذه الحرية التي لا تعني غير الفوضى والهمجية، ومن هؤلاء الذين يوجعون رؤوسهم في النهار وفي الليل بثرثرتهم الثقيلة حول مواضيع لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد. لذا عادوا إلى صفحات الجرائم يبحثون فيها عن الاثارة.

ولعلهم وجدوا فيها ما يزيد في تعلقهم بها خصوصا بعد تفاقم الجرائم الفظيعة في بلاد "ثورة الياسمين" بحيث لا يكاد يمر يوم واحد من دون حدوث واحدة منها في هذه المنطقة او تلك من البلاد.

وخلال الاسبوع الثالث من فبراير (شباط) الجاري، نشرت الصحف التونسية اخبار جرائم جديدة. ففي حيّ "الجبل الاحمر" الشعبي الذي يفصل العاصمة عن احياء "المنازه" البورجوازية، قام منحرف مشهوربنزوعه للعنف، بتوجيه طعنات قاتلة لبائع سجائر رفض ان يعطيه سيجارة مجانا مثلما تعود ان يفعل في اوقات سابقة.

وفي مدينة دار شعبان الفهري بمنطقة الوطن القبلي (شرق البلاد)، نشبت معركة حامية بين شقيقين بسبب مبلغ مالي. وافضت المعركة إلى سقوط احدهما قتيلا بطعنات سكين في مواضع مختلفة من جسده.

وفي مطعم صغير للوجبات السريعة، يوجد بنفس المنطقة، قام شاب بقتل اخر في العشرين من عمره. كما قام كهل بذبح زوجته الحامل، ثم وجه لنفسه طعنات بسكين نقل اثرها إلى المستشفى وهو بين الحياة والموت. وفي قابس (جنوب البلاد)، هجم شبان على راع من منطقة القيروان (وسط البلاد) وضربوه حتى الموت.

ولا تزال ملابسات الجريمة غامضة إلى حد هذه الساعة. وخلال سهرة حمراء في مدينة قليبية المطلة على جزيرة صقلية، قام احد البحارة بقتل صديق له اثر شجار بسيط نشب بينهما في اخر الليل.

وفي مدينة صفاقس، القت الشرطة القبض على شاب كان قد قتل قريبا له ليلة السادس عشر من الشهر الجاري، ثُمَّ لاذ بالفرار.

وقامت شرطة مدينة سوسة الساحلية بنصب كمين لمجرم خطير كان بحالة فرار اثر قتله لمواطن من مدينة سليانه (شمال غربي البلاد) لسبب لا يزال غامضا. ومن الجرائم التي روعت التونسيين تلك التي اقترفها مواطنان ليبيان قام كل واحد منهما بالقاء الفتاة التي كانت ترافقه من الطابق السادس بالفندق السياحي الذي كانا يقيمان فيه!