حسّونة المصباحي: ثمة وجوه في المشهد السياسي التونسي تكون اطلالتها وتصريحاتها في وسائل الاعلام، او في التجمعات الشعبية منذرة بالشؤم، ومدمرة للاعصاب، ومثيرة للغضب والاستياء. وهذه الوجوه تعتمد على طرق شعبوية خسيسة وفجة اعتقادا منها ان مثل هذه الطرق تمكنها من الحصول على الشهرة، وعلى اعجاب الجماهير العريضة. وغالبا ما يكون هؤلاء سلبيين، بحيث لا تكاد تخرج من افواههم كلمة خير، أو عبارة تعيد الطمأنينة والفرح إلى قلوب التونسيين التي اتعبتها الازمات والعمليات الارهابية، والمخاوف من الحاضر ومن المستقبل بحيث باتت مهددة بالذبحات المفاجئة اكثر من اي وقت مضى.

ويبقى سيد الشعبويين هو الرئيس المؤقت السابق محمد المنصف المرزوقي الذي طلع على التونسيين يوم دخوله الى قصر قرطاج ليقول لهم إن الخمسين سنة التي اعقبت الاستقلال كانت "خرابا في خراب"، ناسفا بذلك كل الإنجازات التي تحققت خلال هذه الفترة والتي بها تفتخر غالبية التونيسيين.
&
وفي اغلب خطبه وتصريحاته التي تبرز عاهاته النفسية، وعدم قدرته على الحفاظ على الاتزان والرصانة، سعى المرزوقي دائما الى التنقيص من القيمة التاريخية للزعيم الحبيب بورقيبة، والتحقير من شانه. وسعيا منه للتقرب من الشعب، لبس البرنس، والقشابية، ووضع على رأسه مظلة المزارعين الفقراء، وارتدى لباس البدو الرحل.
&
ويبدو أنه لا يزال راغبا في انتهاج نفس الاساليب بعد ان بعث للوجود حزبا جديدا سماه "حراك تونس الارادة". ولعله لم يدرك بعد ان البصمة الوحيدة الذي ستبقيه في التاريخ هي اللقب القبيح الذي اطلقه عليه التونسيون في فترة رئاسته للبلاد، والتي تميزت بهفوات مفجعة، وبجهل تام بالسياسية واصولها. ولم يكن رفاق المرزوقي في حزبه القديم (حزب المؤتمر) يختلفون عنه. فجميعهم من "ملة واحدة"، وكل واحد منهم "يبصق في فم الاخر" بحسب العبارة التونسية المعروفة.
&
ورغم انها انسلخت من الحزب المذكور، فان العجوز الملقبة بـ"أم زياد" تتفنن في اعداد اطباق النكد اليومية حتى ان التونسيين الذين اصبحوا يضيقون ذرعا بوجهها العابس طوال الوقت سموها "بومة الخراب".
&
ويكثر محمد عبو الذي كان في قيادة حزب المرزوقي، ثم انفصل عنه ليؤسس حزبا اخر لم يتمكن من الحصول ولو على مقعد واحد في البرلمان خلال انتخابات خريف 2014، من التصريحات العشوائية التي تزيد في تنغيص حياة التونسيين. من ذلك مثلا أنه أفسد عليهم فرحة حصول الرباعي الراعي للحوار الوطني على جائزة نوبل للسلام. ففي يوم الإعلان عن الجائزة صرح محمد عبو، بأنها- أي الجائزة - لا تعني له شيئا.وهو يعتبرها شبيهة بنجاح تلميذ بالغش في شهادة الباكالوريا! ومن شدة استيائهم منه، طالبه الكثير من التونسيين على صفحات الفايسبوك ان يخيط فمه كما فعل ايام وضعه زين العابدين بن علي في السجن.&
&
ولا تختلف سهام عبو عن زوجها في اطلاق ما يفسد الصباحات والمساءات في "تونس الخضراء". وهي تملك قاموسا من الشتائم المقذعة، وبها تستعين لكي تستفز الاخرين وتخرجهم عن طورهم فيفقدون توازنهم، ورصانتهم.
&
ويعج الاتحاد العام التونسي للشغل بأطر تعتبر ان النضال النقابي لا يعني غير المطالبة الدائمة بالزيادة في الاجور، والمطالبة بتشغيل العاطلين في بلاد تخنقها القروض الاجنبية. لذلك تعطلت الحركة الاقتصادية، وباتت الاحتجاجات والاضربات لعبة مسلية لدى البعض من النقابات مثل نقابة التعاليم الثانوي التي يقودها قومي متطرف لا يكاد ينقطع عن التهديد والوعيد، باثا الرعب في قلوب التونسيين، والفوضى في المؤسسة التربوية.
&
والتهريج ظاهرة من الظواهر الخطيرة الأخرى التي باتت حاضرة يوميا في المشهد السياسي التونسي. فقد استغل &سياسيون فاشلون، وفنانون فاقدون للموهبة، وصحافيون يجيدون الكذب والحذلقة، الفوضى السائدة في المشهد الإعلامي والسياسي لكي يصبحوا "نجوما". فهم يتدخلون في كل القضايا، ويدلون بآرائهم بشأنها، سامحين لأنفسهم باسم حرية التعبير بشتم شخصيات كبيرة، والتعدي على كرامتهم، وإهانتهم من دون حسيب ولا رقيب. وفي الحوارات التي تجري معهم هم لا يتحدثون عن الازمات التي تتخبط فيها البلاد راهنا، بل عن بطولاتهم الوهمية، مظهرين جهلا فادحا بمعطيات الواقع.&
احد هؤلاء كان يعيش في بيروت في سنوات الحرب الاهلية، وعاد من هناك عاشقا للهجة اللبنانية. لذا يحلو له ان يتكلم بها في البرامج الاذاعية والتلفزيونية التي يدعى اليها وكأنه يريد ان يوحي للتونسيين بان لهجتهم متخلفة، وبائسة، وعاجزة عن التعبير عن افكاره "العبقرية”.
لا يمل هذا الصحافي من الثرثرة والادعاء . بل هو يسمح لنفسه بان يحيط التونسيين علما بغزواته العاطفية، مرددا في كل مرة بان شيبه يسحر الحسناوات، ويزيده اقتناعا بانه - أي الشيب قمر بهي - كما في اغنية العراقي ناظم الغزالي.&
&
صحافي اخر يعيش في لندن رشح نفسه للانتخابات الرئاسية لعام 2014. وفي كل مرة يعود فيها الى تونس، يذهب الى مسقط راسه "سيدي بوزيد" التي انطلقت منها الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بنظام زين العابدين بن علي لينصب نفسه زعيما للفقراء، محرّضا اهالي الجنوب والوسط على الثورة على اهالي المناطق الساحلية، وزارعا الفرقة والتباغض بين التونسيين. ولكي يثبت انه "ابن الشعب"، يلجأ مثل المرزوقي الى اساليب سخيفة وبدائية كأن يرتدي زي اهالي منطقته، أو يرفع صوته في اجتماع شعبي مرددا اغاني قبيلته البدوية.
تلك هي تونس الان ...رهينة في قبضة سياسيين لا يتقنون غير تعذيبها بالنكد اليومي،​ ​وتنغيص حياة اهلها!
&
&