&لا اثر للزوجة في الادب التونسي الحديث.وان وجد هذا الأثر فانه يقترن بالنقنقة والنكد وتنغيص الحياة. فقد تزوج الشاعر الراحل الشهير ابو القاسم الشابي على الطريقة التقليدية من امراة لم تكن تربطه بها اية علاقة عاطفية.لذا فان كل قصائد الحب التي كتبها كانت من وحي قراءاته،وليس من وحي الواقع.وكانت زوجة محمود المسعدي امراة قاسية، وصعبة المراس.وكان لها صوت وتصرفات رجل.لذا كان صاحب"حدث ابو هريرة قال..." يهابها ويطيعها كما يطيع الطفل امه الصارمة.

اما العلاقة المثالية بين الزوج والزوجة في الادب العربي فتجسدت بصفة فعلية بين طه حسين وزوجته الفرنسية سوزان التي ساندته في كل المعارك الفكرية التي خاضها ضد الظلامية والتزمت.وبعد وفاته،كتبت عنه كتابا رائعا هو"معك".
وفي الادب العالمي، نعلم ان تولستوي كره زوجته في النهاية كرها شديدا، وفر منها قبيل وفاته لتجده بعد ذلك في احدى محطات القطار .وكانت له هيئة فلاح عجوز،مشردا في المدينة الكبيرة.أما نابوكوف فقد كانت لعلاقته بزوجته فيرا تاثير هائل على مسيرته الابداعية من بدايتها الى نهايتها.
فعندما كان يعمل أستاذا في جامعة كورنيل الاميركية لم يكن نابوكوف (1899-1977) قد اشتهر عالميا ،غير أن طلبته كانوا ينصتون اليه باجلال وتقدير بسبب قدرته الفائقة على تحليل النصوص المستغلقة على الفهم ،ومعرفته الواسعة بآداب العالم، وجرأته على "تحطيم" رموز الادب والشعر ،خصوصا &دستويفسكي، وغوركي، وهمنغواي.
وكان نابوكوف يأتي الى قاعة المحاضرات مصحوبا دائما بزوجته السيدة فيرا ،اليهوديّة الاصل، والتي كانت قد فرّت مثله من روسيا بعد انتصار البلاشفة. هذه المرأة ذات القامة الهيفاء، والشعر الابيض كانت تأتي دائما أنيقة ، وتظلّ صامتة طوال الوقت ، ملبيّة بين وقت وآخر بعضا من طلبات زوجها الذي كان يقدّمها لطلبته على أنها مساعدته.
وكان صاحب"لوليتا" قد التقى فيرا في برلين عام 1923.وكان هو في الرابعة والعشرين من عمره.أما هي فكانت في سنّ الواحدة والعشرين.ومنذ البداية وقع كلّ واحد منهما في حبّ الاخر .وفي عام 1925 تزوّجا.وعند صعود النازيين الى الحكم مطلع عقد الثلاثينات من القرن الماضي ، تركا ألمانيا وتوجها الى جنوب فرنسا حيث أقاما هناك ثلاثة أعوام.وقبل اندلاع الحرب الكونية الثانية انتقلا &الى الولايات المتحدة الاميركية.ويقال إنهما وصلا الى هناك وليس معهما غير 100 دولار! وعلى مدى ثمانية أعوام ، وقبل أن يحصلا على الجنسية الامريكية، ويتمكّن نابوكوف من أن يصبح أستاذا في جامعة كورنيل . عاش الزوجان حياة صعبة للغاية.وكانا يَسْكنان شقّة ضيّقة .
وكانت فيرا تصحّح ما يكتبه زوجها ، وترسله الى الناشرين .كما أنها كانت تكتب رسائله. ويقول العارفون بحياة نابوكوف بأن زوجته فيرا كانت وراء النجاحات التي حقّقها على المستوى الادبي.وقد تمكّنت من ان تفرض "لوليتا"،تلك الرواية الجريئة التي تصف علاقة حبّ عاصفة بين رجل في الخمسين من عمره،وفتاة دون سنّ الخامسة عشرة،على كبار الناشرين. وعند صدورها حققّت هذه الرواية شهرة عالمية لكاتبها.ولعلّ فيرا تشبه تلك المرأة في قصّة"باكمان" التي كتبها نابوكوف عام 1924،والتي كانت تجلس دائما خلف حبيبها، عازف البيانو، في الحفلات التي كان يقيمها .وبسبب ذلك حصل على شهرة كبيرة.فلمّااختفت تلك المرأة ،ماتت موهبته، وهجره محبّوه وعشاقه!
ويقول بريان بويد الذي كتب سيرة نابوكوف،وعرف فيرا عن قرب:”لقد عرفت جيّدا فيرا خصوصا خلال الإثني عشرة سنة الاخيرة من حياتها.وتمكنت من أن أحصل على ثقتها.وهو أمر لم يكن سهلا. في البداية كانت تثمّن حماسي غير أنها كانت تراقب جهودي من فوق.ولم تكن تبادر أبدا بتقديم معلومات غير مطلوبة من جانبي.وفي الحقيقة أقول بإنها كانت محتالة جدّا بحيث أنها كانت قادرة على تفادي أيّ سؤال يتعلّق بها ،ولا يتعلق بزوجها.مع ذلك كانت تدقّق في كلّ ما أكتب بانتباه شديد.وشيئا فشيئا أخذت تجد متعة في قراءة ،وإعادة قراءة السيرة التي كنت بصدد كتابتها".
وكانت فيرا أول من أقنعت زوجها بضرورة ترجمة عمل بوشكين "أوجين " الى اللغة االإنجيلزية .وكان هذا العمل قد ترجم عدة مرت الى لغة شكسبير غير أن صاحب"لوليتا" لم يكن راضيا عن تلك الترجمات.وقد تطلبت الترجمة خمسة اعوام من العمل الدؤوب. وقامت فيرا بكتابة كل صفحات المخطوط تماما مثلما فعلت زوجة تولستوي مع "الحرب والسلام".
وعندما حصل نابوكوف على الشهرة والثروة ، استقر مع زوجته فيرا في أحد الفنادق الفخمة بمدينة"مونترو" السويسرية .وحتى وفاته في شهر يوليو(تموز) 1977 ، ظلّ يمارس هوايته المفضّلة المتمثلة في صيد الفراشات.وكانت فيرا الى جانبه دائما وأبدا.لذلك يبدو أنهم على حق أولئك الذين يقولون بإن نابوكوف وزوجته فيرا نجحا في أن يجعلا من زواجهما عملا فنيا بديعا!