&

في بداية صيف 2014، قمت برحلة رائقة الى مدينة الكاف على الحدود مع الزائر، بصحبة الصديق عبدالجليل بوقرة، والاستاذ المحامي البشير الأخضر، شقيق الراحل العفيف ألأخضر الذي توفي صيف 2013 بعد صراع مرير مع المرض. وكان الهدف من الرحلة حضور تمارين فرقة من الشبان والشابات يعدّون مسرحية من وحي المسيرة الفكرية للعفيف الاخضر الذي أمضى الشطر الاعظم من حياته مناضلا من أجل الفكر التنويري، في عالم عربي لم يظهر نحوه غير الجحود،وتعامل معه ومع أفكاره بقسوة وآحتقار ونكران الجميل،مفضّلا عليه تجار الدين،وفقهاء الظلام،ومرتزقة الثورات الكاذبة! ونحن نغادر العاصمة،أفزعتني أكوام الفضلات المتراكمة في كل مكان بما في ذلك الاحياء التي يسكنها المترفون.في الطريق،استمتعت بمشاهدة مناظر طبيعية خلاّبة ...جبال،وغابات وحقول قمح ذهبيّة اللون تتماوج في سراب الصيف،وأودية تزيّنها أزهار الدفلى،وقرى بيضاء هادئة .ومرة أخرى ،فتنني جمال بلادي فاستعر الغضب في صدري على أولئك الذين يستبسلون في تشويه صورتها، ويبذلون كلّ ما في وسعهم لكي تكون بشعة وقبيحة مثلهم.
وحتى وصولنا الى الكاف لم ينقطع ألأستاذ المحامي البشير الاخضر الذي لا يزال يتمتع بذاكرة فيل رغم أنه يقترب حثيثا من سنّ الثمانين،عن رواية فصول من تاريخ تونس قبل وبعد الإستقلال ،مستحضرا شخصيات سياسية وقضائية كان لها دور في أحداث فاصلة ومهمة.وفي حديثه كشف الاخضر عن جوانب مظلمة طبعت مرحلة ما بعد الاستقلال حيث عمد أنصار بورقيبة الى ارتكاب جرائم فظيعة ضدّ خصومهم اليوسفيين،وضد العائلة الحسينية التي حكمت تونس منذ منتصف القرن الثامن عشر،وحتى عام 1957.فقد أودع الامين باي ،وأبناؤه وأفراد عائلته السجن .أما النساء فقد طردن من القصر بعد أن تمّ سلب كلّ ما يملكن من حليّ وجواهر ثمينة وأثاث .ولم تثر دموعهنّ ودموع أطفالهنّ السخينة عطف أيّ أحد من أنصار بورقيبة من الرجال والنساء.بل أن أشدّ قسوة عليهنّ كانت وسيلة بن عمار التي ستصبح في ما بعد حرم بورقيبة!
قي تبرسق،توقفنا لتناول طعام الغداء بدعوة من صديق للعفيف يدرّس الفلسفة، وهو في حوالي الخمسين من عمره.ومنذ البداية تبيّن لي أنه يساري راديكالي.لذا تحاشيت أثناء الحديث معه تجنب أي موضوع يمكن أن يورّطني معه في نقاش قد يزعجني ويخرجني عن طوري فيفسد مزاجي ، وتفسد الرحلة أيضا.لكن عليّ أن أعترف بأنني آستلطفته كثيرا لما روى لنا ما يلي:في فترة المراهقة ،كان العفيف يسير خلف بقرات .وكان الثلج الذي تساقط بغزارة يغطي الحقول والوهاد.وكل الدنيا من حوله بياض في بياض.فجأة تمزق حذاء العفيف بعد أن داس على قطعة ثلج كانت قد تحولت الى ما يشبه الزجاج،فسال دمه غزيرا على البياض .وفي ما بعد سيقول بإن تلك الصورة كانت أوّل صورة شعريّة فتنته قبل أن يكتشف الشعر في مفهومه الاصيل والعميق.
حضرنا تمارين الفرقة،وأبدينا آراءنا في البعض من سلبيّاتها .في الوقت ذاته،حرصنا على تشجيع الممثلين والممثلات على مواصلة العمل وفاء لروح العفيف الذي لم ينل من تونس تكريما واحدا، ولم يحظ بالمكانة اللائقة بها كمفكر آستثنائي حرص على أن يكون بعيدا عن &الأضواء حتى النهاية،محتفظا بحريته الشخصيّة فلا يقبل المساومة بها بأي شكل من الأشكال .بعدها ذهبنا الى فندق يطلّ على سهول الكاف الممتدة حتى حدود الجزائر.وهناك آستمتعنا بمشاهدة جزء من مقابلات المونديال لكرة القدم،ثم آنطلقنا لنمضي السهرة في بيت الاستاذ البشير الاخضر .وأثناء العشاء اللذيذ الذي أعدّته لنا خادمته اللطيفة ، واصل رواية حكاياته البديعة بصوته الخفيض عن أحداث مهمة من تاريخ تونس عاشها عن كثب،أوكان في قلبها.ولم نذهب الى النوم إلاّ في ساعة متأخرة.
في طريق العودة الى تونس،روى لنا الاستاذالبشير الاخضر قصة حبّ عاشها في زمن المراهقة في ريف مكثر.قال:في فصل الصيف ، يأتي من السهول السفلى بدو ليشاركونا الحصاد بغية الحصول على ما يحميهم من جوع الشتاء الطويل.ذات صباح من صيف 1950 فتحت عيني فوجدت نفسي أمام شابّ وشابّة لم يتجاوزا سنّ العشرين.وكان واضحا أنهما حديثا العهد بالزواج،غير أن الحاجة لم تترك لهما فرصة آستكمال شهر العسل.ومن النظرة ألأولى أذهلني جمال الفتاة ، وأرعبتني أنوثتها الوحشية فرحت أسترق إليها النظر طوال النهار.وكانت ترتدي "ملية " على اللحم.لذا يبرز نهداها،وتنكشف الأجزاء الخفية من جسدها المثير خصوصا حين تنحني لتجمع سنابل القمح.وكلّما فعلت ذلك تلتهب نار الرغبة &في جسدي،وتظلّ مشتعلة لساعات طويلة من دون أن تكون لي القدرة على إطفائها.وكانت نار الرغبة تزداد التهابا حين تبتسم لي في غفلة من زوجها.ومرة ،تشجعت وآختطفت قبلة من شفتيها العذبتين .ولعلّ زوجها انتبه الى فعل مريب حدث في غفلة منه.لذا استدار رافعا المنجل في الهواء كما لو أنه يهمّ بقطع رأسي .للحظات ظلّ جامدا،مصوّبا نحوي نظرات كأنها السنة من لهب قادرة على ان تحولني الى رماد في ظرف لحظات، ثم انحنى من جديد ليواصل الحصاد.عندئذ سارعت بالعودة الى البيت وبي إحساس أن دقّات قلبي يسمعها كلّ الحصّادين المنتشرين في الحقول.في الليل شكوت حالي لرجل غريب من ريف القيروان كان يسكن كوخا قرب بيتنا. وكان قد قارب سنّ الثمانين ،غيرأنه كان لا يزال يتمتع بالصحة وبقوة الذاكرة.وكان يروق له أن يروي لي أثناء السهر معه مغامرات عجيبة عاشها في زمن شبابه.وللتدليل على ذلك كان يظهر آثار المعارك الكثيرة التي خاضها ،والتي كانت لا تزال واضحة على أجزاء مختلفة من جسده.بعد أن أكملت شكواي قال لي الشيخ:”هل تريد الفتاة؟". فأجبته &طبعا..ولكن كيف أقدر على ذلك؟" . فابتسم &الشيخ آبتسامة توحي بالدهاء ،ثم قال لي:”هذه الليلة ستكون معك...أضمن لك ذلك!”.ومن دون أن يطلعني على تفاصيل الخطة التي دبّرها ،وثقت فيه ،وبدأت أستعدّ لخوض المغامرة التي ستمكنني أن أكون في صفّ الرجال الصناديد.في الليل،بعد أن استسلم الجميع للنوم، جاءني الشيخ .وقادني ماسكا بيدي الى الوادي العميق الواقع شرق بيتنا ،ثم قال لي:”لا تتحرك...وستأتيك الفتاة بعد قليل!”...ثم ابتلعه الظلام.بعد لحظات آرتفع نباح الكلاب،وحدثت جلبة. من شدّة الفزع، رحت أرجف ،وبي إحساس أن جسدي تحول الى حجر .ولم يلبث الشيخ أن ظهر من جديد ليقول لي بصوت مخنوق بإنه عليّ أن أعجّل بالعودة الى البيت لأن أمي وأخي العفيف ارتابا في أمري ، وخرجا للبحث عني.أمّا العريس فيحرس عروسه الجميلة ببندقيّة صيد!!!...في نهاية موسم الحصاد، عادت الفتاة مع زوجها الى السّهول السفلى .لأشهر طويلة ظلّ نهداها الأسمران المستديران يرقصان في ذاكرتي، ويذكيان نار الرغبة في جسدي!
&