تشهد تونس منذ السابع عشر من يناير ( كانون الثاني) الحالي ،وهو يوم الإحتفال بالذكرى الخامسة لما سمّي ب"ثورة الياسمين" تارة ، وتارة اخرى ب"ثورة الكرامة والحرية"، أحداث عنف وشغب وتخريب في غاية الخطورة بدأت بانتفاضة في مدينة القصرين (وسط البلاد على الحدود مع الجزائر) ليمتدّ لهيبها الى كامل أنحاء البلاد بما في ذلك الأحياء &الفقيرة في العاصمة مثل "حيّ التضامن" الذي يعتبر من أكبر الأحياء &في القارة الإفريقية من ناحية الكثافة السكانية.وقد استغل &المنحرفون &واللصوص هذه الإنتفاضات التي اندلعت بسبب الفقر والتهميش والبطالة في أوساط الشباب كما هو الحال في نهاية 2010،وبداية2011،لحرق المراكز ألأمنيّة ،والهجوم على المؤسسات العامة والخاصة،ونهب المحلات التجارية الكبيرة ،وأيضا بعض البنوك ،ناشرين الفزع في قلوب التونسيين الذين يخشون عودة تلك الأيام السوداء التي عاشوها قبيل سقوط نظام زين العابدين بن علي وبعده.وأمام آستفحال مخاطر هذه الأحداث ،وجه الرئيس الباجي قائد السبسي للشعب التونسي عبر وسائل الإعلام كلمة مختصرة أشار فيها إلى أن تونس "باتت مستهدفة في أمنها وفي استقرارها "،وأنه يتوجب التمسك بالوحدة الوطنية لقطع الطريق على الذين يخططون لتخريب البلاد،وإغراقها في الفوضى والجريمة.واتهم السبسي أحزابا سياسية بالوقوف وراء الاحداث &المذكورة لكن من دون أن يسميها.وفي بيان صدرظهر الجمعة ،أعلنت الحكومة عن بسط حظر التجول في جميع أنحاء البلاد لأجل غير مسمى معبرة عن عزمها الشروع في بعث مشاريع تنموية في ما سمته ب"المناطق المحرومة" ، وفي تشغيل أعداد وفيرة من الشباب العاطل عن العمل.
&
لكن ما هي الأسباب &الحقيقية لهذه ألأحداث،ومن هم المتسفيدون منها؟
بعد الإطاحة بنظام بن علي احتل المشهد السياسي التونسي ما يقارب 150 حزبا في بلد يبلغ عدد سكانه11 مليون نسمة!.وجميع هذه الأحزاب &راحت تطلق وعودا ورديّة أغرقت التونسيين في الأحلام الجميلة،وجعلتهم يعتقدون أنهم سيعيشون مستقبلا رخاء لم يسبق له مثيل،وأنهم سينعمون بحياة سعيدة تتحقق فيها كل رغباتهم المادية والمعنوية.
وحال عودته من لندن التي عاش فيها منفيا ما يقارب العشرين عاما،خاطب راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية التونسيين قائلا بإن بلادهم ستكون خلال سنوات قليلة"مثل سويسرا أو أفضل من سويسرا".وراح اليساريون الذين سيتجمعون في ما بعد في ما أصبح يسمى آلآن ب"الجبهة الشعبية" يرقصون في الشوارع ،واعدين العمال والفلاحين والفقراء بتحقيق عدالة اجتماعية قد تكون الأمثل &لا في العالم العربي فقط،بل في العالم برمته.لكن سرعان ما انكشف للتونسيين خداع هذه الأحزاب ونفاقها.فقد أظهرت الحكومة الأولى التي تزعمتها النهضة ،والتي سميت ب"حكومة الترويكا"،عجزها عن إدارة شؤون البلاد في جميع المجالات،مقتصرة على ارضاء أنصارها،وموفرة لهم تعويضات مادية ارهقت الميزانية بشكل لم تعرفه تونس لا في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة ولا في عهد بن علي.لذلك اندلعت انتفاضات شعبية سرعان ما أسقطت حكومة "الترويكا"لتأتي بعدها حكومة من التقنوقراط تمكنت من تخفيف حدة التوتر على المستوى الإجتماعي والسياسي .كما أنها نجحت في تنظيم انتخابات خريف 2015 التي أتاحت لحزب نداء تونس الذي يترأسه قائد السبسي لتسلم السلطة.غير أن قادة هذا الحزب شرعوا في التناحر من أجل الزعامة ،وفي التراشق بالإتهامات ،تاركين البلاد تتخبط في أزماتها الخطيرة.لذا لم يكن من الغريب في شيء أن ينتفض من أصيبوا بالخيبة ، وانقطع &أملهم في تحسن أوضاعهم ،وأن يحتجوا على حكومات تتعاقب من دون أن تفعل ما يرضي أبسط رغباتها في حياة أفضل.وقد استغلت بعض الأحزاب &الصغيرة والفاشلة هذه الإنتفاضة الجديدة التي قد تكون مشروعة في البعض من مطالبها فرصة لصبّ المزيد من الزيت على النار.وقد تكون الخلايا الإرهابية المعتصمة في الجبال،أو تلك النائمة في انتظار لحظة الإنقضاض على البلاد ،هي المستفيدة الاولى من أعمال العنف والشغب،ومعها "حزب التحرير "المحظور الذي يترأسه أستاذ في التعليم الثانوي لا يخفي دعواته الى إقامة الخلافة في تونس.وهذا ما آتضح من خلال الشعارات التي رفعت في كل من القصرين ،وسيدي بوزيد،وفي قبلي بأقصى الجنوب .أما المستفيد الثاني فهو الرئيس المؤقت السابق محمد المنصف المرزوقي الذي لم ينقطع منذ فشله في انتخابات &خريف 2015،في الدعوة الى اسقاط الحكومة الجديدة،وفي تحريض سكان مناطق الجنوب بالخصوص على التظاهر والإحتجاج.
وفي أكثر من مرة ،تمكن المرزوقي المعروف بشطحاته البلهوانية من أن يبث الفوضى والفتنة العشائرية بسبب تصريحاته الشعبوية التي لا تولي أي اهتمام لمصلحة البلاد واستقرارها وأمنها.ومن الطبيعي أيضا أن يستفيد زعيم ما يسمى ب" الجبهة الشعبية" اليساري المتطرف حمة الهمامي من هذه الأوضاع &الخطيرة والمتفجرة.فهو لا يخفي أنه من أنصار الثورة الدائمة.وحال سقوط نظام بن علي،دعا الى تسليح الشعب.وكان وراء ما سمي باعتصام "القصبة 1”،و"القصبة 2” زارعا في البلاد ثقافة العنف والتخريب والعصيان ، ومحرضا أنصاره على تدمير ما سماه ب"دولة البوليس" متسببا في إضغاف الأجهزة الأمنية ، وفي شل مؤسسات الدولة من خلال حملات" ارحل" .

وإجمالا يمكن القول أن تونس تعيش راهنا على فوهة بركان .ولا أحد بإمكانه أن يعلم ما يخفيه المستقبل لها ولشعبها الذي أثقلته الكوارث والنكبات المتتالية فبات شبيها بفاقد للصواب!&