إذا كانت احداث عام 2010 قد شكلت مؤشرا للوضع المعقد في السودان فان العام 2011 سيبقى عاما للتحول المفصلي في تاريخ السودان السياسي.


الخرطوم: ينظر السودانيون الى العام المقبل بقلق بالغ، اذ ربما يصبح العام الذي يشهد تقسيم أحد اكبر الاقطار الافريقية اثر استفتاء تقرير مصير جنوب السودان المقرر في التاسع من كانون الثاني- يناير 2011.

وكان حصاد العام 2010 فى مجمله من احداث على ارتباط وثيق بقضية استفتاء الجنوب، كونه الاستحقاق الذي سيكون له دورا كبيرا في تحديد مستقبل السودان، وقد تتعدى تداعياته المستوى المحلي إلى المستوى الإقليمي، في الوقت الذي قد تمتد فيه انعكاساته لتطول مصالح العديد من اللاعبين الدوليين.

وكانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي أجريت في السودان فىي الفترة من 11حتى 15نيسان -ابريل 2010 أبرز المحطات المفصلية التي شهدها السودان في العام الذي يوشك على الرحيل.

وقد اعتبر، وعلى نطاق واسع، اجراء الانتخابات العامة تحولا ديمقراطيا مهما رغم بعض السلبيات التي صاحبت العملية وابرزها مقاطعة قوى سياسية رئيسية للعملية الانتخابية التي أسفرت عن تكريس سلطة المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان وهيمنة الحركة الشعبية على مقاليد الامور في الجنوب.

وبموجب نتائج الانتخابات العامة فقد حصل الرئيس السوداني عمر البشير على ولاية رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، وأدى البشير اليمين الدستورية في 27مايو 2010، فيما تمكن سلفاكير ميارديت رئيس الحركة الشعبية من الفوز برئاسة حكومة جنوب السودان وأدى اليمين الدستورية في 21 ايار- مايو 2010.

وفى الثلاثين من حزيران- يونيو 2010 أصدر الرئيس البشير مرسوما جمهوريا بتعيين مفوضية استفتاء جنوب السودان وهي الهيئة المستقلة المخولة بالاشراف على عملية استفتاء الجنوب برئاسة المحامي المستقل محمد ابراهيم خليل.

ورغم ان تعيين مفوضية الاستفتاء قد تأخر كثيرا الا ان المفوضية وفور تعيينها بدأت سلسلة اجراءات متعلقة بتنفيذ عملية الاستفتاء حتى وصلت الى مرحلة تسجيل الناخبين. وقد اسفرت عملية التسجيل عن تسجيل نحو ثلاثة ملايين بجنوب السودان ونحو 115 الفا بشمال السودان وما يقارب 500 الف جنوبي في ثمانية دول خارجية.

وشهد العام 2010 خلافات متكررة بين شريكي الحكم في السودان، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وكان اول الخلافات حول تعيين مفوضية استفتاء الجنوب، ومن بعدها الاجراءات المتعلقة بتنفيذ العملية وخاصة تسجيل الناخبين الذين يحق لهم التصويت.

وفى خضم الاتهامات العسكرية المتبادلة اثيرت فكرة نشر قوات أممية عازلة بين الشمال والجنوب، ولكن حكومة الخرطوم اعلنت رسميا رفضها للفكرة، مما أجبر الامم المتحدة على اعلان انها لا تنوي نشر اي قوات على الشريط الحدودي بين شمال وجنوب السودان.

وعلى مدار العام 2010 أجريت مباحثات ماراثونية داخل وخارج السودان للتوصل الى اتفاق بشأن استفتاء منطقة ابيي الغنية بالنفط، ولكن كل تلك المباحثات لم تتوصل الى اتفاق يرضي الطرفين حول تعريف الناخب الذي يحق له التصويت في استفتاء ابيي الذي كان مقررا تنظيمه بالتزامن مع استفتاء جنوب السودان.

كما كان العام 2010 عاما لانهيار اتفاق جزئي تم التوصل اليه في ابوجا النيجيرية بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان جناح منى اركو مناوي عام 2006، ونتيجة لخلافات مستمرة بين الخرطوم وزعيم تحرير السودان منى اركو مناوي الذي كان يشغل منصب كبير مساعدي الرئيس السوداني، اعلنت الحكومة السودانية في الثاني من كانون الاول- ديسمبر 2010 ان الحركة لم تعد جزءا من الحكومة وان قواتها باتت هدفا عسكريا للجيش السوداني.

وفى العام 2010 شهدت العلاقات السودانية - التشادية تطبيعا كاملا بعد نحو خمس سنوات من القطيعة والخلافات، وقام الرئيس التشادي ادريس ديبي بزيارة تاريخية للخرطوم في 8 شباط- فبراير2010.

ولم يحدث اثناء العام 2010 اي تطور ايجابي في العلاقات بين السودان والولايات المتحدة رغم الزيارات المتكررة للمبعوث الاميركي للسودان اسكوت غرايشون. وكان اعلان الرئيس الاميركي باراك اوباما تجديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان في 2 تشرين الثاني- نوفمبر 2010 ابرز مظاهر التوتر في علاقات واشنطن والخرطوم.

ويبقى استفتاء جنوب السودان المقرر في كانون الاول- يناير من العام 2011 ابرز حدث، اما الحدث الآخر فينتظره السودانيون في تموز- يوليو2011، وهو موعد انتهاء الفترة الانتقالية ومفعول اتفاق السلام..

وبانتظار هذه الاستحقاقات الكبرى، ليس هناك مِن تصوّر واضح حول ما يمكن أن يكون عليه الوضع في السودان خلال المرحلة المقبلة، وكيف ستتقبل النخب السياسية السودان شمالا وجنوبا بنتائج الاستفتاء.

وبغض النظر عن نتيجة استفتاء جنوب السودان وما قد يسفر عنه سواء بالوحدة او الانفصال فإن ذلك لا يعني نهاية المشكلة، إذ سيكون على جنوب السودان وشماله أن ينهيا ترتيبات الفترة الانتقالية التي ستتخللها العديد من المشكلات والصعاب.