بدأ التجار الأتراك يبحثون عن فرص في القارة السوداء التي فتحت لهم أبوابها ولاقتهم باستجابة متحمّسة. ويقول رئيس جمعية المصدرين الأتراك محمد بويوكيكشي إن صادرات تركيا إلى إفريقيا قفزت من 1.5 مليار دولار في عام 2001 إلى أكثر من 10 مليارات دولار في عام 2009.

مبومبو ابراهيم مبارك رجل دين مسلم يدير برنامجا للمساعدات الإنسانية الاسلامية في الكاميرون. ويراود مبارك حلم يتمنى ان يتحقق ذات يوم. فهو يرى ان على تركيا استعادة موقعها زعيمة للعالم الاسلامي. جاهر مبارك برأيه هذا في 17 آذار/مارس الماضي حين اصبح عبد الله غُول اول رئيس تركي يزور الكاميرون والكونغو.

ويعتقد مبارك أن شكل الإسلام الحديث في تركيا باعتماد الديمقراطية الغربية واقتصاد السوق الحرة يقدم نموذجا يمكن ان يقتدي به مسلمو افريقيا. وهو لا يرى نيات سيئة وراء الجوامع والمدارس الدينية والنظامية التي يتولى اتراك سنة بناءها أو ترميمها أو ادارتها في انحاء القارة السمراء.

وتشير مجلة الايكونومست الى ان جولة الرئيس غُول الأفريقية كانت تتعلق بإيجاد اسواق جديدة أكثر منها بهداية افارقة جدد الى اعتناق الاسلام. وهذا ما يُفسر وجود نحو 140 رجل اعمال تركيا ضمن الوفد الذي رافقه في زيارته. فالأزمة الاقتصادية أضرت بتجارة تركيا مع الدول الاوروبية الأخرى.

وأخذ quot;نمور الاناضولquot;، رجال اعمال صغار ومتوسطون من العمق التركي المحافظ يبحثون عن فرص في افريقيا، وهم يلقون استجابة متحمسة من الأفارقة. وتقول مجلة الايكونومست ان امرأة كاميرونية قالت لمراسلها في فندق خمس نجوم في العاصمة ياوندي انها تريد تصدير أخشاب الى تركيا.

الاتراك من جهتهم يريدون ان يبيعوا للأفارقة طائفة من البضائع ابتداء من مساحيق الغسيل الى سراويل الجينز. وتتنافس الشركات التركية على عقود لبناء مطارات ومساكن وسدود. وتسيِّر شركة الخطوط التركية الآن رحلات منتظمة الى اديس ابابا ودكار وجوهانسبرغ ولاغوس ونيروبي. ويقول رئيس جمعية المصدرين الاتراك محمد بويوكيكشي ان صادرات تركيا الى افريقيا قفزت من 1.5 مليار دولار في عام 2001 الى اكثر من 10 مليارات دولار في عام 2009. ويعلن بوبوكيكشي: quot;نحن نؤمن بمستقبل افريقياquot;.

تستبعد مجلة الايكونومست ان تتمكن تركيا من مضاهاة دول مثل الصين أو الهند. ولكنها تلاحظ ان الرئيس غُول على اقتناع بأن لدى بلاده افضلية على هذين العملاقين. وقد اعلن الرئيس التركي في افريقيا quot;نحن جئنا بصفحة ناصعة، وبموقف انسانيquot;.

وفي حين ان بلدانا مثل مصر والجزائر والسودان كانت ذات يوم جزءا من الامبراطورية العثمانية فان تركيا تقف في جنوب القارة على أرض بكر. ولدى شعوب هذا الجزء من القارة ذكريات مريرة في احيان كثيرة عن المستعمرين الغربيين وجشعهم وتجار الرقيق العرب، بحسب المجلة. وهذا سبب آخر وراء جاذبية الاسلام التركي في افريقياـ يمكن ان يخدم التجارة أيضا.

أبو بكر كشكين رجل اعمال تركي في السابعة والثلاثين يقيم في مدينة دوالا في الكاميرون منذ ثلاث سنوات حيث يتاجر بالمعكرونة المصنوعة في تركيا والخشب الكاميروني. وهو يقول إن نموذجه التجاري يقوم على بناء تحالفات مع مسلمي الكاميرون. مؤكدا أن كونه مسلما يعينه كثيرا ويصرح متباهيا quot;اننا قريبا سنتخطى الايطاليينquot; في بيع المعكرونة.

وتلقى طموحات كشكين دعما من اعضاء منظمة اجتماعية اسلامية يقودها رجل الدين المعتدل فتح الله غولين الذي يعيش في اميركا. ويدير ناشطو حركة غولين الآن 60 مدرسة في 30 بلدا افريقيا. ويتعلم في هذه المدارس التي تضم هيئاتها التدريسية معلمين افارقة واتراكا، اطفال نخب افريقية معجبة بمستوى التعليم الغربي (وإن كان هذا الاعجاب لا يمتد الى الصفوف الالزامية لتعليم اللغة التركية).

ستطمح تركيا في المستقبل إلى تحقيق نفوذ سياسي ايضا في افريقيا. وكان قرارها اعلان 2005 quot;سنة افريقياquot; يرتبط بسعيها الى عضوية مجلس الأمن الدولي، وقد تحقق لها ذلك بتأييد جميع الدول الافريقية ما عدا دولة واحدة. ويجري تدريب دبلوماسيين افارقة شباب في انقرة فيما أُعلن تخصيص بعثات دراسية في الجامعات التركية خلال زيارة غُول الأخيرة للقارة.

ويمكن لرغبة تركيا في عضوية الاتحاد الأوروبي أن تؤدي أحيانا إلى تعقيد طموحاتها في افريقيا. حيث إن تركيا، بضغط من الاتحاد الاوروبي، اضطرت مؤخرا الى سحب دعوة وجهتها الى الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي اصدرت المحكمة الجزائية الدولية مذكرة اتهام بحقه لارتكاب جرائم حرب في دارفور. كما ان الانتهاكات الواسعة في بلدان افريقية أخرى تغازلها تركيا يمكن ان تسبب لها مشاكل اضافية.

هذا كله لا يثني الرئيس غُول الذي يلاحظ ان في افريقيا quot;الكثير من امثالنا، كاللبنانيين على سبيل المثالquot;. وكان بمقدوره أن يضيف الأميركيين واليونانيين ايضا. ولكن مجلة الايكونومست تقول إن الكثير من هؤلاء احفاد مسيحيين قُتلوا أو أُبعدوا مع انهيار الامبراطورية العثمانية، واصبحوا تجارا كبارا في مدن افريقية. وبخلاف نظرائهم الأفارقة فأن مشاعرهم تجاه تركيا قد لا تكون دافئة، بحسب الايكونومست.