عاد المصطلح الجديد القديم quot;الوهابيةquot; للواجهة مجدداً في الأوساط السعودية من خلال سلسلة مقالات وتعقيبات بين نخب مثقفة في السعودية شاركهم فيها أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز، وسط جدل حول المغزى من إطلاقها إن كان للإساءة أو إن كان فقط لتمييزهم كجماعة لها تصورات مختلفة في فهم الدين الإسلامي كباقي الطوائف الإسلامية.
الرياض: على رغم الإشارات الطفيفة التي تأتي مستخدمة المسمى بين حين وآخر إلا أنها كانت حذرة أو من خلال بحوث أو نقولات, إلا أن مقالة الكاتب السعودي الدكتور خالد الدخيل التي قال فيها إن سبب نشوء الوهابية كان بسبب تصدع القبيلة آنذاك، حركت مياه راكدة وبدأ بعدها سيل من المقالات كان من أهمها مقالة للأمير السعودي المثقف والمتابع جداً، أمير من منطقة الرياض سلمان بن عبدالعزيز.
الأمير تناول في مقالته الكثير من الجوانب حول هذا الأمر، وقال في رد على كاتب سعودي آخر تناول الموضوع: quot; ما ذكره الكاتب خليل الخليل من أن مصطلح laquo;الوهابيةraquo; يماثل ما نُسب إلى المذاهب الأربعة، فهذا في رأيي غير صحيح، لأن القول بهذا الأمر هو القول بأن ما جاء به الشيخ هو مذهب جديد، كما أن الشيخ يستند في فتاواه وآرائه على المذاهب الأربعة. وما ذكره الكاتب من أن laquo;الوهابيةraquo; أصبحت وجهاً آخر للسلفية فهذا غير صحيح أيضاً، لأن السلفية الصحيحة هي ما كان عليه السلف الصالح من منهج ملتزم بالكتاب والسنة، ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي عودة إلى ذلك المنهج ولم تستخدم السلفية لأغراض حزبية أو اسمية كما شاع في عصرنا الحديث، للأسف الشديدquot;.
والجدل الذي دار في الداخل السعودي كان التوجه في غالبه يتفق على أن المقصد من التسمية ليس إلا إساءة الهدف من ورائها تشويه صورة أتباعها وإظهارهم بمظهر مختلف عن باقي الفرق الإسلامية وبخاصة مذهب السنة والجماعة، فيما قال نزر آخر، إن أتباع محمد بن عبدالوهاب لهم تصورات تختلف عن باقي الفرق الإسلامية وبالتالي كان من المنطقي تمييزهم عنهم، كما هو الحال مع الفرق الأخرى التي في غالبها تنسب إلى رجال دين سابقين مثل الشافعية والحنفية والجعفرية والإباضية وغيرها.
والحديث عن نسبة الفرق إلى رجال؛ يقود الباحث إلى سؤال مهم حول كيفية انعتاق بعض رجال الدين بتصورات مختلفة لدين نزل أصلاً بشكل واحد وعبر رسول واحد وكتاب واحد، لكنه في حالة محمد بن عبدالوهاب الذي يطلق عليه أتباعه لقب quot;المجددquot;، يبدو حالة خاصة بسبب قربه الزمني مقارنة بغيره من المذاهب والفرق الإسلامية، إضافة إلى أنه حضي بنفوذ قوي ساهم فيه قوة وامكانات الأسرة السعودية الحاكمة على مدى تاريخ الدول السعودية الثلاث، سواء عبر القوة العسكرية في الدولتين الأولى والثانية اللتان سقطتا بقوة أكبر منها، رأت فيها قوة يمكن أن تتقدم في كل الاتجاهات لو أتيح لها الوقت، خصوصاً مع انتشار التأييد لها في محيطها وخارجه، أو من خلال الاهتمام المكثف بالعلم الشرعي في الدولة السعودية الثالثة.
ويتفق الباحثون على مصطلح quot;الوهابيةquot; ظهر منذ أن تمكن جيش الدولة السعودية الأولى من بسط نفوذه وقوته على الجزيرة العربية وأطراف العراق بقيادة الجيوش السعودية التي كان يقودها الإمام محمد بن سعود، وكان منظرها الديني الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
لكن المصطلح حينها كان نخبوياً لا يكاد يذكر سوى في الكتب والبحوث، ولكن في الفترات الأخيرة وخصوصاً عقب الغزو السوفييتي لأفغانستان وتنامي ظاهرة العرب الأفغان والحروب الدينية ثم تتابعات تلك الحروب في أفغانستان نفسها أو في الشيشان والبوسنة والهرسك إلى أن أتت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بلغ المصطلح مداه في الشهرة حتى على مستوى العوام في كل أصقاع الأرض، حيث اهتم الكثيرون لدراسة حال هؤلاء المتشددين الذين خرج كثيرون منهم من السعودية.
والمتابع لهذا الحال قد يرى لأول وهلة بأن مدرسة محمد بن عبدالوهاب محرض رئيس لهذه العمليات باعتبار أدبياتها وبخاصة باب الولاء والبراء الذي يحرم ويكفر كل من يوالي الكفار (أتباع الديانات الأخرى)، لكن عرابي ومنظري هذه المدرسة في السعودية وغيرها نفوا مراراً وتكراراً أن تكون مدرسة quot;المجددquot; هي المسؤولة عن هذا التطرف، معتبرين أن كل فرقة إسلامية تحوي غلاة خارجين عن أدبياتها وشريعتها، وهو بالضبط ما ينطبق على تنظيم القاعدة الذي يعلن دائماً وأبداً أنه ينتهج العقيدة السلفية، وهو المنهج نفسه الذي يقدم أتباع محمد بن عبدالوهاب أنفسهم من خلاله للعالم.
ويحتج السلفيون التقليديون بأن طاعة ولي الأمر هي ركن أساس في كل تصريفات شؤون حياتهم وبخاصة في التعامل الخارجي، وهي النقطة التي يرون من خلالها أن ذلك دليل كافٍ على عدم جواز مقارنتهم أو تشبيههم أو تبنيهم للنهج القاعدي.
ويرى مراقبون أن أتباع محمد بن عبدالوهاب فقدوا ركناً مهما في حركة مؤسسها، حينما ركنوا للجمود والإنغلاق شبه التام، وهو الأمر الذي يعاكس تماماً حركة مؤسسها التي أعلنت نفسها حركة تجديدية، إذ لازال مريدوه يسمونه quot;الإمام المجددquot;.
ذلك يأتي على العكس كما يقول آخرون من النهج الحكومي في السعودية، الذي لا زال محتفظاً بالتجديد الديني وفق المنهج الشرعي الذين يرونه موافقاً للإسلام، رغم الكثير من المعارضات المتشددة لرجال دين تقليديين.
ويقول الباحث الشرعي السعودي عبدالله العلويط لإيلاف quot; إن الوهابية من حيث المجمل لا تمتلك أركان المذهب لتصبح كذلك، بل إنها حركة تصحيحية محضة قامت على محاربة ما يعتقدونه بدعاًquot; ، وأضاف quot;الوهابية أصبحت معروفة بعد الحادي عشر من سبتمبر أكثر من ذي قبل وإن كانت سابقاً تعرف فقط في الأوساط الدينية كمسمىquot;.
وعن سبب تميزها بهذا المسمى قال العلويط quot;إن ذلك بدا مؤخراً أكثر من السابق بسبب تشدد أتباع الحركة الذين أصبحوا متشددين في التحريم ولا يريدون أي جديد مرجعين ذلك للغرب والعلمانيين والليبراليين وغيرهمquot;.
واختتم الباحث الشرعي مداخلته مؤكاً بأن quot;الوهابية لو كانت تكتفي بالتحريم في خلافها الفقهي مع المختلفين معهم لصار ذلك مقبولاً، فالجميع لديهم إختلافات وتباينات في الرؤى، ولكن المشكلة تكمن في التشدد في التحريم والتبديع ومن ثم تتسبب الإشكالية مع المخالفين، وبين أن ذلك ينطبق على خلافات فرعية وليست من العقائد مثل مولد النبي أو زيارة الأضرحة وغيرهاquot;
ومحمد بن عبدالوهاب التميمي النجدي، كان ابن أحد أهم رجال الدين في نجد قبل أكثر من ثلاثة قرون إذا كان والده الشيخ عبدالوهاب بن سليمان قاضياً ومربياً في بلدة العيينة القريبة من العاصمة السعودية الرياض، وجده سليمان بن علي كان أيضاً كذلك قاضياً وعالما كبيراً في نجد.
وتقول تراجم ابن عبدالوهاب بأنه طاف الكثير من البلدان طلباً للعلم في البصرة والحجاز والأحساء قبل أن يستقر في نجد مرة أخرى وينطلق في دعوته.
التعليقات